هدى طالب سراج... رائدة دراسة الطوابع في الشرق الأوسط
أصبحت الباحثة هدى طالب سراج رائدة في مجال الطوابع والباحثة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، قسمت الطوابع إلى مجموعات وتمكنت من تأليف كتبها بالاستناد إليها.

سوزان أبو سعيد
بيروت ـ Philately أو الطوابعية، تعني دراسة وجمع الطوابع البريدية وكل ما يرتبط بها من تاريخ البريد وتصميم وإنتاج الطوابع والأدوات المستعملة، وهو مجال متطور، يساهم في فهم التاريخ من خلال دراستها.
تمكنت الباحثة هدى طالب سراج من الولوج إلى مجال الطوابع، والبحث في مدلولات الطوابع وبعد أكثر من 10 دراسات معمقة وأكثر من 100 مقال ونص منشور وعشرات المحاضرات بالإضافة لأكثر من 20 معرض في لبنان وأوروبا ساهمت في إطلاقها، أصبح الطابع بالنسبة لها ليس مجرد ملصق على رسالة لتصل وجهتها، أو عنصراً في مجموعة هواة، بل مجال للبحث لا سيما أنها تتبعه تاريخياً ومجتمعياً وفنياً وتراثياً لتوثيق حقبة أو فكرة أو قضية معينة.
مراحل Philately أو الطوابعية أولاً جمع الطوابع، ثانياً تصنيفها وفقاً لخصائصها المختلفة مثل البلد المصدر وتاريخ الإصدار والقيمة الاسمية، والتصميم، ثالثاً تحليلها مثل دراسة نوع الورق، وجودة الطباعة، والألوان المستخدمة، وأي علامات أو أختام بريدية لتحديد أصالة الطابع وقيمته، رابعاً تاريخه حيث تعتبر الطوابع وثائق تاريخية مصغرة تحمل معلومات عن الأحداث والشخصيات والثقافة والتطورات التي شهدتها البلدان المصدرة لها، خامساً الأهمية الثقافية والاقتصادية كون الطوابع تعكس جوانب مختلفة من ثقافة وتراث البلدان، كما وأن لها قيمة اقتصادية، حيث يمكن أن تصل قيمة بعض الطوابع النادرة إلى مبالغ كبيرة.
هدى طالب سراج باحثة جدية في مجال دراسة الطوابع وعضوة مجلس إدارة النادي الدولي للبريد والطوابع، وعضوة في الأكاديمية العالمية للطوابع، وعن بداياتها في هذا المجال، قالت "منذ عام 1982 بدأ والدي في جمع الطوابع وشرائها، وبعد الحرب، عرض مجموعات منها من 20 دولة في معرض وصف بأنه من أهم الأعمال الثقافية في المنطقة وفقاً لمختصين وباحثين عالميين حضروه".
وأضافت "هذه المجموعات شملت 70 دولة وكأرشيف للمصادر ضمن 3 غرف، ولدى والديّ حوالي 80 كتالوجاً، وورثت المعرفة عنه ومن خلال مشاركته في تنظيم معارضه، وشغفي بالتاريخ والعلوم، قمت بمهام بسيطة مع بعض المنظمات منها الأمم المتحدة، كما ساعدته في 3 معارض ثم قمنا بتأليف كتاب "لبنان في طوابعه" عن مجموعته بالتعاون مع دار النهار، والذي توجد نسخة منه في مكتبة باريس، وبدأت بعدها دراسة مجموعات والدي الكبيرة والتي تتجاوز 400 ألف طابع من 70 بلداً، وعندما حاولت البحث في تاريخ البريد في المنطقة، للأسف لم أجد مصادر كثيرة، بعدها توجهت إلى متاحف ومكاتب البريد في فرنسا وإسطنبول والقاهرة وغيرها، ووجدت مراجع إلا أنها مكتوبة باللغة العثمانية، وزاد اهتمامي أكثر عند دراسة المراجع المصرية والسعودية والكويتية".
وأوضحت "تابعت في أبحاثي علم الطوابعية الفيليتية الذي يستعمل الطابع البريدي كوسيط لدراسة موضوع ما، مثل رموز تخص البلد، والنقد والعملة الورقية، كذلك في تاريخ البريد طريقة تقسيم المنطقة وأي بلد نال استقلاله، ويتميز عن العملة أن هناك عشرات الإصدارات كل عام ويشمل مواضيع عدة، ويتميز عن العملة أيضاً بفنيته وبحركيته ومواضيعه فالعملة عكس الطابع الذي يتغير وفقاً لعهود معينة".
وقد اعتمد بحث هدى طالب سراج على "النظر المعمق لكل مجموعة واستناداً إلى الدراسات الإنسانية الحديثة، وأهمها علم السيمياء وتفرعاته وعلم الرموز التواصلي والثيمية، والنواحي الفلسفية والاجتماعية والنفسية للفرد والجماعة، لديّ عين متعطشة للفنون، علماً أن أهمية الطوابع وقيمتها ووضوحها وتسمياتها مرتبطة بهوية أي بلد، فلا تفاضل بين بلد وأخر في هذا المجال".
وحول موضوع المرأة في الطابع العربي، أوضحت "اخترته لأحد أبحاثي، كون البعد الذكوري هيمن على الطوابع اللبنانية منذ الإصدار الأول عام 1925، في لبنان كان ظهور المرأة خجولاً أو رمزياً ضمن مجموعة الطوابع، علماً أن أول شخصية تاريخية نسائية ظهرت على طابع لبناني، عام 1968، كانت للأميرة خاصكية، الزوجة الرابعة للأمير فخرالدين الثاني الكبير، وهي جزء من مجموعة زوجها وليست وحدة مستقلة، ومجموعة الطوابع التي صدرت عام 1960 في ذكرى يوم الأم والطفل".
ولفتت إلى أن "موضوع المرأة في المجتمعات العربية شائك وعلى تماس مع أمور عدة، فله علاقة بالثقافة والهوية الوطنية وبالتربية، كما أنه جزء من حقوق الإنسان كإنسان، وفي الحقيقة هو على ارتباط المرأة مع التراث الشعبي حيث هناك طوابع تصور المرأة في أزياء وحلّة وثقافات شعبية مثل الرقص والدبكة، وبالتالي موضوع المرأة في الطابع العربي يتزاوج مع الثقافة الشعبية وهي سمة عامة".
وأشارت هدى طالب سراج إلى أنه "في عيد استقلالها، اختارت تونس رمز امرأة على أحد طوابعها، وهو أمر ملفت، ويعود ذلك لتأثير العنصر الفرنسي في الطوابع المتمثلة بطوابع ماريان، والذي اختلفت تشكيلاته بحسب العهود، كما يسجل لطوابع تونس قيمة فنية استثنائية وإضافية وذلك لاعتمادها أهم الفنانين التشكيليين في رسم بعض طوابعها التي تعد لوحات فنية بحد ذاتها، وفي مجموعة تونس هناك المغنية صليحة، من أهم فنانات القرن العشرين، والتي لقبت بأم كلثوم تونس".
وأضافت "للنظر في هذا الموضوع بشمولية أكبر، وفي جولة على المجموعات العربية، هناك مجموعة الكويت للطوابع ركزت على مرحلة ما قبل النفط، في مجال الألعاب الشعبية، وسبب اهتمامي بهذه الطوابع ظهور الفتيات والفتيان فيها ولكن العنصر الغالب عليها النسوي، وكذلك مجموعة لمصادر المياه في الكويت، ومجموعة خاصة لرسوم الأطفال الذين حصلوا على جوائز، وتم وضعها على طوابع مع التركيز على إنجازات الفتيات".
وأوضحت "عندما نتكلم عن الطوابع مجازاً، فأولاً نقول طابعاً عربياً، لكن بالحقيقة ندرس كل مجموعة طوابع لبلد معين على حدى، فعادةً أبحث في المنظومة العربية، باستثناء اليمن السودان وجزر القمر وجيبوتي فلستُ مختصة فيها على الرغم من أنها دول أعضاء في جامعة الدول العربية، والحقيقة في هذا المجال، نتناول هذه الطوابع جميعاً ونخرج بخلاصات، ولتسهيل هذا العمل، قمت بتقسيم البلاد العربية لمجموعات منها المشرقية وهي فلسطين وسوريا والأردن، لبنان والعراق، المجموعة المغاربية تونس والجزائر وليبيا والمغرب، ودول الخليج السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات التي استخدم فيها الصور الفوتوغرافية للمرأة في أزياء تقليدية، وأخيراً مصر كوحدة ومجموعة واحدة غنية للغاية، كما شملت دراساتي الدولة العثمانية فترة احتلال بيروت ودمشق وغيرها، وقبلها لبنان الكبير، وبالنسبة لي فكان أول مقال كتبته قبل سقوط بغداد بخمسة أيام في مجلة نوافذ تحت عنوان "العراق وذاكرته محفوظان في طوابع البريد"، لتستمر المقالات وثم الكتب والمعارض".
وأكدت أن "الطابع شيء تأسيسي ورئاسي ووطني، بالإضافة إلى أدوات أخرى عديدة تدل على البلد والسلطة، مثل النقد والعَلَم وغيرها، أي لا يصدر طابع لبلد ما لم يحصل على استقلاله أو غير معترف به في هيئة الأمم المتحدة واتحاد البريد العالمي، وإن اختلفت تواريخ صدور أوائل الطوابع في البلدان العربية، فلهذا علاقة بتكوينها السياسي واستقلالها كما وأنه يعتبر جزءاً من الذاكرتين الشعبية والرسمية كونه رمز عابر للزمان والمكان".
وحول المجموعة اللبنانية خاصة، قالت هدى طالب سراج "لا أكتفي بدراسة موضوع المرأة من خلال دراسة شخصيات لبنانية، فقد ظهرت المرأة بصورتها المتحررة في مجال السياحة ولأول مرة في العالم العربي في الرياضات المائية ضمن الدورة الرياضية العربية، بالإضافة إلى صور رقص الباليه والدبكة، وفي مهرجان بعلبك عام 2007، أصدرت وزارة الاتصالات طابعين بريديين جديدين بمناسبة مرور 50 عاماً على مهرجانات بعلبك؛ يصور أحدهما اللبنانيات إيميه كتانة وسلوى السعيد ومي عريضة، ترأسن سابقاً مهرجانات بعلبك، بينما خلت الطوابع اللبنانية من تكريم الأديبات ورائدات كثيرات، لتغيب المرأة كلياً منذ العام 1974عن الطوابع اللبنانية، ولم تظهر مجدداً إلا في عام 2011 من بوابة الفن، مع طابعين للفنانة فيروز وصباح".
وأضافت "للمرة الأولى صدرت عام 2014، أول مجموعة لتكريم المرأة اللبنانية، وهي أربعة طوابع تخلد ذكرى منيرة الصلح مناضلة من أجل حقوق المرأة والأشخاص المعوقين، و"أمل" أول جمعية في لبنان والعالم العربي تعنى بشؤون ذوي الإعاقة، وألكسندرا عيسى الخوري رئيسة الصليب الأحمر اللبناني، وأنيسة نجار صحفية ومناضلة من أجل حقوق المرأة، ولور مغيزل محامية كرست حياتها للدفاع عن حقوق المرأة، وقد تبع ذلك إصدار خاص للأديبة ليلى عسيران عام 2015، وبعد عامين أطلق طابع بريدي تكريماً للسيدة الأولى زلفا تابت شمعون، بينما لم تظهر طوابع لأديبات مثل مي زيادة".
وعن المناسبات الهامة في الطابع النسوي اللبناني، أوضحت هدى طالب سراج "تفرد لبنان بأول طابع بمناسبة يوم المرأة العربية عام 2002، كما أصدرت إدارة البريد بمناسبة يوم المرأة العالمي عام 2017، مئة ألف طابع تكريماً للمرأة التي تمكنت من الوصول إلى موقع صنع القرار، إذ كتب عليه باللغة الفرنسية: Femmes au pouvoir، أي المرأة في السلطة".
وعن بعض التواريخ الهامة بالنسبة للطوابع بشكل عام، قالت "أول طابع صدر في العالم كان في بريطانيا عام 1840، وأولى مجموعات الطوابع عام 1870، وأول مرة تظهر الأرزة اللبنانية على طابع كانت عام 1925".
وحول العقبات التي واجهتها خلال دراسة الطوابع، قالت "دور النشر تقصدنا لطباعة الكتب مثل كتاب "لبنان في طوابع مجموعة شفيق طالب" وهو لوالدي، أما كتابي الثاني "لبنان في طوابعه حكاية وطن"، فعادةً الكتاب مكلف للغاية من ناحية التصميم والإخراج الفني، علماً أن هذا الكتاب الأول لا يتواجد في الأسواق، كما بدأ لبنان بعد الاستقلال بتوثيق الطوابع خلال الفترات المختلفة التي صدرت بعهد كل رئيس وقد درستُ أهمية كل طابع، ووثقتُ لوحة شخصية لكل رئيس من خلال الطوابع التي صدرت في كتاب "لبنان في طوابعه حكاية وطن" وذلك بالتعاون مع مصرف لبنان، حيث تم عرض لوحات لبعض المجموعات المتعلقة بهذا الأمر".