حضور قليل للنساء الجزائريات في الحركة النقابية
وجود امرأة في منصب رئيسة نقابة عمالية أمر نادر جداً في الجزائر، وهو ما تؤكده إحصائيات كشفت أن النساء النقابيات تمثلن 11 بالمئة فقط من مجموع مليونين و700 ألف نقابي في المركزية النقابية
رابعة خريص
الجزائر ـ .
يبقى تواجد النساء في الساحة النقابية مقارنة بنظيرتها السياسية دون المأمول بكثير، وغير كافي على الإطلاق لتمكينهن من التأثير المباشر في تطور السياسية والدفاع عن حقوقهن، رغم أنهن حاضرات في الميدان وبقوة وفي الصفوف الأمامية للاحتجاجات سواء كانت إضرابات واعتصامات ومسيرات أو مظاهرات، كما كن الأقوى حضوراً في مظاهرات الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 شباط/فبراير 2019.
وبحسب الأرقام التي كشفتها مؤخراً رئيس لجنة حقوق المرأة في الاتحاد العام للعمال الجزائريين "أكبر النقابات العمالية في الجزائر" سمية صالحي، فإن تواجد المرأة في مستوى مناصب المسؤولية لا يتجاوز 9 بالمئة ومسؤوليتها تقتصر فقط على المناصب الوسطية.
ورغم أن الوضع العام للنساء في الجزائر يعرف تحسناً ملحوظاً وتقدماً واضح بالمقارنة مع الوضع الذي ورثنه غداة استقلال البلاد، ففي سنة 1966 كانت نسبة العاملات لا تمثل سوى 3 بالمئة فقط بينما تصل النسبة اليوم إلى 17.4 بالمئة.
وقالت النقابية سمية صالحي، في مداخلة لها خلال دورة تكوينية نظمت لفائدة عاملات مجمع حكومي بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن التأنيث في الجزائر شمل تقريباً كل المهن آخرها قطاع مواد البناء فبالرغم من أن هذا القطاع يصنف في خانة القطاعات "الرجالية" غير أنه شهد في الفترة الأخيرة تزايد في العمالة النسائية.
وفي خضم حديثها عن المرأة والنضال النقابي، أشارت سمية صالحي إلى المادة 40 التي استحدثها الدستور الجزائري والتي تنص على أن "الدولة تحمي المرأة من كل أشكال العنف في كل الأماكن والظروف في الفضاء العمومي وفي المجالين المهني والخاص".
وتقر سمية صالحي بأن المسيرة نحو المساواة في العمل "طويلة" و"شائكة" وتتطلب تظافر الكثير من الجهود وتعاون بين النساء والعاملات والإطارات عبر مختلف القطاعات وداخل المجتمع نفسه.
وتتعدد الأسباب التي تقف وراء بقاء المرأة خارج الساحة النقابية حسبما تكشفه الناشطة السياسية والحقوقية فاطمة سعيدان لوكالتنا، ويرتبط السبب الأول بالميولات المهنية للمرأة، فالعمل النقابي ليس بالعمل الهين فهو عمل حقوقي ودفاعي يحتاج إلى تفرغ ومميزات خاصة، فمسألة التوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية يأخذ حيزاً هاماً من تفكير المرأة.
وتقول فاطمة سعيدان القيادية البارزة في صفوف حركة مجتمع السلم "أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد"، إن التوفيق بين مختلف أوقات الحياة عند المرأة صعب خاصةً إذا كان لديها أطفال كثيرون، مشيرةً إلى أن المجتمع الجزائري لم يبلغ أعلى درجات الوعي فلا تزال المرأة الجزائرية رهينة الخوف الاجتماعي.
وتوضح أن التواجد القليل للمرأة في مختلف الأصعدة يعود للاستعمار الفرنسي الذي أثر على حريتها وكبلها بشكل وصفته بالفظيع، وتقول في هذا الإطار "حتى التاريخ ذكرها باحتشام رغم البطولات التي صنعتها".
وتتفق معها في الرأي الناشطة الجمعوية عباس ضياء، وتقول إن النساء تفضلن العمل البسيط كمصدر للرزق ووسيلة لإثبات الذات وحتى اكتساب مناعة جماعية واستقلالية اقتصادية.
وتضيف "غالباً ترفض المرأة المهن أو مناصب المسؤولية التي تتطلب التزاماً مهنياً أكبر مثل تنقلات كثيرة، ومهمات إلى الخارج وتربصات مهنية وحتى العمل لساعات إضافية بسبب إكراهات الحياة العائلية التي تؤثر في غالب الأحيان على الحياة المهنية وهو ما يفسر تأخر النساء في التدرج والرقي في المسار المهني والنقابي والسياسي".
ومن بين الأسباب الأخرى التي جعلت من بروز النساء كعضوات ناشطات وخاصة كناشطات وقياديات في الحركات النقابية، تذكر عباس ضياء الحضور القوي الذي يجب أن يتوفر في المرأة، وتستحضر إحدى التجارب التي شهدتها في هذا المجال "عندما كنت طالبة جامعية انخرطت برفقة ستة طالبات في نقابة طلابية، غير أنهن لم تكملن ضمن المسار النقابي وقررن الانسحاب؛ بسبب عدم قدرتهن على مواجهة الصعاب وبقيت أنا النقابية الوحيدة ضمن المجموعة".
وتذكر أيضاً "الذهنية الذكوريةّ" التي لا زالت تسيطر على المجتمع الجزائري، فالمرأة لازالت خاضعة للزوج أو الأب أو الأخ، لذلك يجب عليها التحلي بالقوة والشجاعة اللازمة حتى يتسنى لها البقاء دائماً في الواجهة والصفوف الأمامية أثناء المظاهرات والاحتجاجات ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومن بين العراقيل التي تعترض تقدم المرأة في الهياكل النقابية، تشير عباس ضياء إلى الجانب الأمني فالمرأة تتجنب الانخراط في هذا المجال خوفاً من الاعتقالات والمسائلات والتحقيقات الأمنية وحتى الصراعات الداخلية.
وأخيراً تذكر عدم ثقة أغلب الرجال في المرأة لأنها تبقى في نظرهم الحلقة الأضعف في المعادلة التي تحتاج لحماية ودعم.
ويشدد نقابيون وحقوقيون على ضرورة تواجد المرأة العاملة في النقابات العمالية بصفتها المكان الأنسب لتمرير مطالبها وطرح انشغالاتها وترقية حقوقها وكرامتها في عالم الشغل، معتبرين أن الحديث عن العمل النقابي النسوي ضمن الظروف التي فرضتها جائحة كورونا على القطاع الاقتصادي, يحتم على كل المؤسسات التفكير في حلول للحفاظ على مناصب الشغل.