حبيسات الأمل... عاملات بلا أجر لأكثر من 15 عاماً في مديريات الزراعة

جلسن يندبن حالهن لما آلت إليه أوضاعهن، حيث أصبح قطار الحياة قريب من محطاته الأخيرة، وهن قابعات في براثن الأمر الواقع يداعبهن حلم التعيين الذي سعين خلفه لسنوات طويلة بلا جدوى

أسماء فتحي 
القاهرة ـ .
عاملات الزراعة فئة منسية في أدراج المديريات المنتشرة بجميع محافظات مصر، فهن يعملن لنحو 25 عاماً بلا تعيين أو تأمين صحي يضمن لهن أبسط حقوقهن في هذا السن الذي لم يعد لديهن القدرة فيه على البدء من جديد أو حتى السعي وراء تغيير هذا الوضع الذي بتن موصومات به فلا هن معينات ويتقاضين أجراً ملموساً ولا هن ربات منزل بلا عمل.
حاولنا من خلال تقريرنا تسليط الضوء على واحدة من أهم القضايا التي أجهضت فيها حقوق عاملات التشجير التابعات لوزارة الزراعة المصرية واللواتي لم يتقاضين أجورهن لنحو 15 عاماً متواصلة.
 
25 عام عمل و15 عاماً بلا أجر 
القطاع الأكبر من عمال التشجير بمديريات الزراعة المصرية نساء آثرن أن يعملن إلى جوار أسرهم بعد الحصول على الشهادة المتوسطة وما فوقها، في محاولة منهن للتمكن من العمل وتكوين الأسر والزواج داخل محيطهن المحلي بالقرى المختلفة، والتقينا بعضهن واستمعنا إلى قصصهن مع حلم التعيين. 
فادية عيسى متولي، التي تعيش في قرية ميت الموز بمحافظة المنوفية، قالت إنهن تعملن في الجمعية الراعية منذ عام 1990 والبعض منهن تعملن لمدة أكبر من ذلك، ويذهبن للعمل بشكل شبه يومي ولديهن دفتر حضور وانصراف يوقعن عليه. وأضافت "مر علينا نحو 15 عام بلا أجر ولا أحد يستمع لشكوانا رغم ضيق الحال وعدم القدرة على الحياة بشكل جيد في ظل الظروف الاقتصادية التي باتت تضيق بنا يوماً تلو الآخر". 
 
حلم التعيين والأمل الوهمي
قد يتساءل البعض عن السبب الذي يجعل هؤلاء النساء يعملن لتلك الأعوام الكثيرة بلا أجر ودون الحصول على أبسط حقوقهن المتمثلة في التعاقد الرسمي، وهو سؤال منطقي تتلخص إجابته في "الأمل" الذي كان وراء صمودهن طوال تلك الفترة، فمن وقت لآخر تطلب منهن بعض الإجراءات والأوراق التي تعطيهن أمل في مواصلة العمل ولكن بعد عدة أسابيع تعود الأمور على ما كانت عليه.   
سهام عزب وهي أم لابن مات أبوه منذ أكثر من 20 عاماً قالت إنها ظلت تنتظر التعيين لأكثر من 25 عام، إجمالي مدة عملها في الجمعية الزراعية، ليعينها الراتب والتأمين الصحي على أعبائها بلا جدوى فقررت أن تفتح مشروع تجاري بسيط وتبيع الدواجن والخضار لجيرانها كي تتمكن من الإنفاق على أسرتها، مؤكدة أنها ظلت تسعى وراء حقها في التعيين لدرجة رفعها دعوى قضائية للمطالبة به إلا أن الأمر لم يتم البت فيه حتى اليوم.
وتؤكد فادية متولي أن المسؤولين ضيعوا عليهن كل الفرص الممكنة فلا يحق لهن التقديم للحصول على إعانة من الدولة في مشروع "حياة كريمة" لأنهن موظفات ومهما حاولن أن يثبتن حقيقة الوظيفة وتعاقدهن المؤقت طوال هذا العمر لا أحد يستمع إليهن.  
 
التأمين الصحي أهم من الأجر
قد يظن البعض أن العاملات اللواتي تجاوزن الخمسين عاماً الآن يبحثن عن تأمين مالي بالحصول على أجور شهرية ثابتة رغم أن هذا حق سلبته الجهة التي يعملن لصالحها، إلا أن تطلعاتهن أبسط من ذلك فهن فقط يأملن في الحصول على تأمين صحي يعينهن على التداوي في هذا السن.  
لذلك اعتبرت الخمسينية فادية عيسى أن التأمين الصحي في هذا العمر أهم من الأجر قائلة "أغلبنا كبار سن وتجاوزنا الخمسين عاماً ونعاني من عدة أمراض بعضها مزمن وفقط نحتاج لعلاج لا ندفع قيمته نظراً لعسر الحال". 
وأضافت "أذهب للطبيب أحياناً ولا أتمكن من شراء الأدوية فقد أصبح بعضها أكبر من قدرتنا على الدفع، وننتظر أن يتم الاعتراف بحقنا والتعاقد معنا لنتمكن من تجاوز أزماتنا الصحية بدعم من وظيفتنا التي لم نبخل عليها فأنفقنا من صحتنا وجهدنا ولم نحصل على مقابل، ونحن على كامل الاستعداد أن نتنازل عن كامل حقوقنا ومستحقاتنا المالية عن الفترة التي مضت في العمل بلا أجر مقابل الحصول على التأمين الصحي".
 
تحرك برلماني وقرار وزاري حبيس الأدراج
أزمة عمال الزراعة يعلمها الجميع وراح عدد من البرلمانيين يطالبون الوزارات المعنية بالتعامل مع الأمر وإعطاء العمال حقوقهم خاصة بعد مرور نحو ربع قرن عليهم في تلك الوظائف. 
وكان آخر طلبات الاحاطة ما قدمه البرلماني، محمد عبد الله، لمجلس النواب بضرورة عمل وزراء المالية والزراعة والتنمية المحلية على وضع حد لأزمة العمال الذين تجاوزت أعدادهم نحو الـ 34 ألف فرد في مختلف المحافظات.
وسبق وصدر قرار حمل رقم 702 لعام 2011 من وزير الزراعة المصري بتثبيت العمالة المؤقتة ومنهم عمال التشجير واحتساب مكافأة شاملة لهم بعد موافقة الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.
بل أن وزير الزراعة، السيد القصير، تبرأ من هذا المشهد في تصريحات له مؤكداً أنه أصدر القرار بتعيينهم إلا أن المحافظات لم تقم بتنفيذ الأمر وإتمام التعاقد على أرض الواقع.
وفي شهر حزيران/يونيو الماضي اضطر وزير الزراعة القيام بتعيين نحو 113 عامل من نفس الفئة بمحافظة أسيوط بعد حصولهم على حكم نهائي يقضي بحقهم في التعيين.