"هالة السعيد"... تدعم النساء لمواجهة الفقر والنزوح وقلة فرص العمل

لم يمنع طلاق هالة السعيد (32) عاماً وحرمانها من أطفالها وتجاهل المحاكم المحلية لقضيتها، من النهوض مجدداً والعمل وعدم الاستسلام لواقعها المؤلم

سهير الإدلبي

إدلب ـ لم يمنع طلاق هالة السعيد (32) عاماً وحرمانها من أطفالها وتجاهل المحاكم المحلية لقضيتها، من النهوض مجدداً والعمل وعدم الاستسلام لواقعها المؤلم.

بدأت معاناة هالة السعيد حين تحملت من العنف الأسري من زوجها ما تتحمله الكثيرات بشكل يومي في إدلب المنطقة الأكثر انحيازاً للرجل، وليس للمرأة فيها أي حقوق بل يتم معاملتها كمواطنة من الدرجة الرابعة، وعليها أن تتحمل ضنك العيش، ومرارة النزوح، والفقر دون تذمر من غضب الزوج وتفريغه لضغوطاته في تعنيفها المستمر لفظياً وجسدياً.

وجود طفلين في حياة هالة السعيد كان يمنعها من طلب الطلاق بغية المحافظة على وجودها معهما، وخاصة مع تعنت زوجها وعناده وتهديده لها بحرمانها منهما إن فكرت بالمغادرة وطلب الطلاق.

تحملت الكثير من الظلم على يد زوجها الذي زاد وتيرة عنفه بعد نزوحهم من بلدتهم بسقلا بريف إدلب الجنوبي، وإقامتهم في مخيمات كفر يحمول شمال إدلب، وفقدانه لمصدر رزقه الوحيد وهو قطعة الأرض الزراعية التي كان يملكها، وتدر عليه من المواسم والأرباح ما يساعدهم على العيش الكريم.

بدأ زوج هالة السعيد البالغ من العمر (36) عاماً يتعاطى الحبوب المخدرة، التي لجأ إليها كحل يائس للخروج من الحالة النفسية التي عانى منها بعد نزوحهم، وهو ما ضاعف من عنفه اتجاه زوجته وولديه، ومع كل ذلك لم تحرك هالة ساكناً، وآثرت التحمل والصبر أملاً بتحسين حاله ذات يوم، مدفوعة برغبتها بالبقاء مع طفليها وعدم تخليها عنهما مهما كلفها الأمر.

غير أن صبرها لم يجدي نفعاً خاصة أنه اختار الاستغناء عنها في النهاية حين فوجئت بزواجه بأخرى، وإحضاره لها المنزل دون أي اعتبار لمشاعرها، بل وعمد لطردها من المنزل بلا رحمة لتجد نفسها في بيت أهلها وحيدة ومحرومة من كل حقوقها.

حاولت هالة السعيد تقديم شكوى قضائية ضد زوجها الذي بالغ في ظلمها وإذلالها، لكن نفوذه في المحكمة جعلها تخرج مع قضيتها خاسرة، بعد أن حكم القاضي لصالح زوجها ببقاء الأطفال في رعايته.

"مررت بلحظات عصيبة، وفكرت بالانتحار أكثر من مرة، وخاصة حين كنت أتخيل ظلم طليقي وزوجته لولدي الصغيرين، وحنيني لهما دون القدرة على جلبهما أو مساعدتهما"، تقول هالة وتتابع بغصة "شعرت بضعفي وقلة حيلتي، فكرت بمجتمعنا كم هو ظالم للمرأة ومنحاز للرجل رغم كل قسوته وجبروته، تمنيت لو أستطيع تغيير هذا الواقع لكنني اصطدمت بكوني امرأة لا قدرة لها على المشي عكس التيار ومقاومته بمفردها وهي بلا حول ولا قوة".

شهور مضت على هالة السعيد وهي في حالة نفسية يرثى لها، ترفض الطعام والشراب والخروج، وتبكي حالها وحال طفليها طوال الوقت، إلى أن قررت النهوض والخروج مما هي فيه من قهر وحزن وألم وظلم، وإشغال نفسها بما هو مسل ومفيد، فقررت العمل وتعلم مهنة الخياطة في المركز القريب من منزل أهلها، علها تنسى حزنها وتبدأ بالانتقال لمرحلة جديدة في حياتها.

واستطاعت تعلم المهنة خلال مدة قصيرة لم تتجاوز الشهرين وبدأت العمل في تصميم أنواع مختلفة من الفساتين والموديلات العصرية الحديثة التي نالت إعجاب كل من شاهدها، وراحت تشغل نفسها بخياطة طلبات الزبائن الذين انهالوا على طلب ما تنتجه لتميزه وجماله ومنافسة أسعاره مقارنة بالموديلات المعروضة في الأسواق.

لم تقف هالة السعيد عند ممارسة مهنة الخياطة، وإنما عمدت أيضاً لتدريب الكثيرات على تعلم المهنة بغية مساعدتهن في اكتساب الخبرات والاعتماد على أنفسهن في الإنفاق على أسرهن وأطفالهن، في ظل الظروف الصعبة التي تواجههن وسط الفقر والنزوح وقلة الفرص.     

منال القدور (30) عاماً أثنت على عمل هالة السعيد، ووصفته بالإنساني بعد أن طوعت مهاراتها وخبرتها في مساعدة غيرها من النازحات والمعيلات ممن بحاجة لفرص عمل وتنقصهن الخبرات والتدريبات "كنت ممن استفدن من تدريبات هالة وتعلمت المهنة وبدأت العمل بها، وهو ما ساعدني في زيادة ثقتي بنفسي، والانفاق على عائلتي، ومساعدة زوجي المعاق بعد بتر ساقه في الحرب".

واستطاعت هالة السعيد تجاوز محنتها بكثير من الصبر والجد والمثابرة وشعرت بأهمية نفسها وعملها ووجودها لأول مرة في حياتها، ليبقى أملها بلقاء طفليها ورعايتهما حاضراً في قلبها بانتظار معجزة تنهي واقع المرأة المأساوي في مجتمعها.