غزالة المطلق... ذاكرة تاريخ يمتد لـ 105 أعوام

تقول غزالة المطلق البالغة من العمر 105 أعوام التي نقلت أفضل ثقافة لغزل ونسج الصوف لثمانية أجيال "المجتمع الذي ليس له تاريخ لن يكون له مستقبل".

روج هوزان

قامشلو ـ تاريخاً ثقافياً وعلمياً ثرياً نقلته المعمرة غزالة المطلق معها عبر أجيال عدة، وأحيته حتى اليوم الراهن، لتكون بذلك حافظة تاريخية شهدت على مراحل عدة مرت بها المنطقة.

ولدت غزالة المطلق في قرية تل مشحن التابعة لبلدة جل آغا في مقاطعة قامشلو بشمال وشرق سوريا. تزوجت في قرية حسو رطلا التابعة لناحية تربسبيه وتعيش هناك الآن. لقد عاشت سنواتاً طويلة، لكنها لا تزال تتذكر كل طفولتها وشبابها. لديها 3 أبناء و3 بنات وحوالي 100 من الأحفاد وأبناء الأحفاد. يظهر تواضعها وابتسامتها وكلامها أنها ليست امرأة من هذا العصر، فهي تتحدث إلى الناس وتستقبلهم بسهولة وراحة شديدة، وتشارك أحفادها المزاح والحب، كما تتذكر تاريخاً أصيلاً، إلا أن الكثيرين لا يفهمون ما تقوله لأنها تتحدث بلهجة البدو الرحل الأصلية.

لقد شهدت غزالة المطلق على العديد من الفترات التاريخية المليئة بالأحداث. وتعلمت مهنة وهي غزل الصوف وهي من التقاليد الأصلية للثقافة العربية ومارستها على مدى عقود عدة، وقامت بتعليم حوالي 8 أجيال من بعدها، ويقوم أبنائها وأحفادها والقرويون من مختلف أنحاء المنطقة بحماية هذه الثقافة والحفاظ عليها.

 

 "قضيت طفولتي ضمن النظام القبلي العشائري"

عن طفولتها وفترة شبابها تقول غزالة المطلق "أنا امرأة عربية من قرية تل مشحن، الأصل ابنة شيخ عشيرة الجوالة، وفي نفس الوقت كان أبي مختار القرية. أتذكر طفولتي وشبابي جيداً، لأن تلك الفترة لا تزال في ذاكرتي. عندما كنت شابة صغيرة، كنت جميلة جداً كان شعري أحمر اللون وكثيف وعيني داكنة ومكحلة. لقد قضيت طفولتي ضمن النظام القبلي العشائري، أي كانت تطبق جميع الأساليب والأعراف القبلية خلال فترة وجودي. كانت المرأة في قبائلنا شاعرة وخبيرة في إدارة الحياة الطبيعية وعاملة وفارسة تركب الخيل وكانت مهمة وذات قيمة. أي كان يمكن للمرأة أن توقف سفك الدماء بين قبيلتين".

وحول تعدد الزوجات بين العشائر توضح "بالرغم من مكانة النساء في القبيلة والعشائر، كانت هناك العديد من العادات والتقاليد التي تنتهك حقوقهن، حيث كان رجال القبائل يتزوجون بأكثر من امرأة. أنا نفسي كنت زوجة لرجل لديه زوجتان، لكننا لم نكن نهتم لهذه القضايا. بعد أن تزوجت، أتيت إلى قرية حسو رطلا في منطقة تربسبيه وبعد وفاة زوجي، عشت مع أطفالي وأحفادي".

 

"علمت 8 أجيال غزل الصوف"

وحول مهنة غزل الصوف وصنع أدوات تراثية تقول "في سن الرابعة عشرة علمتني أمي كيفية غزل الصوف. في فصل الربيع، كنا نأخذ صوف الأغنام ونغسله جيداً عند الينابيع، ثم نقوم بتجفيفه وغزله وصنع خيوط النسج منه. الأدوات التي استخدمناها، مثل المبرم ومشط الصوف وقرون الغزال، كانت جميعها من صنعنا. خلال العام، كنا نصنع العديد من قطع السجاد والحقائب وغيرها من الأدوات الأخرى التي تحافظ على ثقافتنا. كان يتم بيع منتجاتنا في الغالب في الدول العربية مثل السعودية. لقد علمت 8 أجيال غزل الصوف والآن أصبح أطفالي وأحفادي جميعاً خبراء في هذا العمل. بالإضافة إلى ذلك، كنا نصنع خيامنا من شعر الماعز فقد أمضينا حياتنا في السهول مع الطبيعة. كما اعتدنا على صنع قرب خض اللبن من جلد الماعز، وكنا نستخرج الزبدة الأصلية والسمن العربي منها. أي أستطيع أن أقول إن حياتنا كلها كانت بعمل أيدينا".

 

"عشنا أوقاتاً صعبة خلال الانتداب الفرنسي"

وأضافت "كان والدي شيخ وكبير قريتنا، لذلك كان باب منزلنا مفتوحاً لجميع الأهالي والضيوف، وغالباً ما اعتاد أن يستقبل أشخاصاً من الموصل وببغداد وتركيا. أتذكر جيداً الغزو الفرنسي لسوريا بقيادة روغان، كنت طفلة في ذلك الوقت. تسبب الفرنسيون في أضرار جسيمة لممتلكات الناس وقاموا بالنهب كل ليلة. كنا نعيش في خيام، لم تكن هناك منازل من الطين. عندما كان يحل الليل، كان الفرنسيون يقتحمون خيامنا ويسرقون كل ماشيتنا، وكثيراً ما اعتدوا على نسائنا، ودائماً ما كان الأهالي يهاجرون من مكان إلى آخر. لقد عشنا أوقاتاً عصيبة في عهد روغان. حتى خروج الفرنسيين من سوريا، أبدت كل مكونات المنطقة من كرد وعرب وسريان، مقاومة شديدة واستطاعت طرد هذا المستعمر من أرضنا. بدأ جمال الحياة بعد رحيل الفرنسيين عن أرضنا، ومنذ ذلك الحين، عاشت جميع الشعوب والمكونات حياة طيبة معاً. حتى الآن، نحن نعيش على هذا النحو، نحن نحب بعضنا البعض ونقف بجانب بعضنا البعض في كل الأفراح والأتراح".

 

"المجتمع الذي ليس له تاريخ لن يكون له مستقبل"

واختتمت غزاله المطلق حديثها بالقول "أصبح من الصعب جداً العيش في مثل هذا العمر الكبير، بسبب التطورات، فأنا لا أتقبل أسلوب الحياة الحالية. حالتي ليست جيدة بسبب صحتي، لكنني غالباً ما أطلب من أبنائي إحضار أدواتي القديمة لأغزل الصوف. أنا امرأة من التاريخ، لقد مررت بالكثير من تجارب الحياة وقمت بالعمل الجاد في حياتي وشاركتها مع الأجيال اللاحقة. عندما أرحل، آمل ألا ينسوا تاريخهم أبداً وأن يهتموا ويساندوا بعضهم البعض. ليكن هناك حب، إذا لم يكن هناك حب، فلا يمكننا أن نترك وراءنا تاريخاً قيماً. إن المجتمع الذي ليس له تاريخ لن يكون له مستقبل".