في ظل ازدياد حالات العنف... معنفات تلتزمن الصمت حياله

تلتزم العديد من النساء في قطاع غزة، الصمت تجاه العنف الذي تتعرضن له والذي ازداد في المنطقة لأسباب عدة، فالعديد منهن إما تصبن بعاهات دائمة أو تنعزلن عن العالم الخارجي.

رفيف اسليم

غزة ـ تتعرض العديد من النساء لنوع واحد على الأقل من أنواع العنف، لكنهن تفضلن الصمت، لأسباب مختلفة قد يكون الخوف من العواقب ونظرة المجتمع في مقدمة تلك الأسباب التي تشكل حاجز أمامهن من تقديم شكوى لإنهاء الظلم الواقع عليهن، ومحاسبة الجاني.

تقول إيمان محمد وهو "اسم مستعار" لوكالتنا أنها تعرضت للضرب من قبل ابن زوجها الذي قامت برعايته بعد موت أمه إلى أن أصبح شاب، فقامت بتقديم شكوى ضده لدى الشرطة، لكن الأمر لم يسير على الوتيرة التي كانت تتوقعها، فكان لضغط زوجها دور في إجبارها على سحب تلك الشكوى كيلا تحرم من أطفالها خاصة أن الحضانة تكون في يد الأب لتجاوز بعضهم السن القانوني وفقاً للقوانين الفلسطينية.

وأوضحت أنها تراجعت عن الشكوى كيلا يتعرض أطفالها للعنف في غيابها، خاصة أن الحماية أمر غير مكفول في الأنظمة والقوانين التي يسير عليها قطاع غزة، فعادت أدراجها للمنزل مع ضمانة واهية بعدم تكرار ذلك الأمر وتلقيها الضرب المبرح أمام أطفالها من شاب في مقتبل العمر مرة ثانية.

القصة تعاد مرة أخرى مع سماح أحمد "اسم مستعار" فالجاني كان شقيقها الذي تتعرض من قبله لشتى أنواع العنف اللفظي كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد أن مات والديها وتركاها في رعايته، مبدياً امتعاضه من اطعامها وايوائها، بالرغم من أنه لها حق في الميراث مثله تماماً، لافتةً إلى أنها عندما طالبت بذلك الحق تعدى عليها بالضرب وتركها حبيسة غرفتها لعدة أيام.

وأشارت إلى أنه ليس لديها القدرة على تقديم شكوى ضد شقيقها، فهي تخاف أن يتم تركها في مأوى خاصة أن مراكز الإيواء والمؤسسات تقدم خدمات آنية تنتهي استضافتها بعد ثلاث شهور، لذلك لم تتقدم بشكوى كيلا تثير غضبه وتتفاقم المشكلات بين الطرفين التي بالكاد هدأت بعد تدخل من لجان صلح محلية، أوصت ببقائها في بيت شقيقها مقابل السكوت عن حقها.

وتعرف الأخصائية النفسية إلهام ماضي العنف بأنه إحدى المشكلات الصحية العمومية التي تحدث نتيجة لاستخدام القوة والعنف البدني عن قصد، سواء للتهديد أو للإيذاء الفعلي ضد النفس، أو ضد شخص آخر، أو ضد مجموعة أو مجتمع، وقد يؤدي العنف أو يحتمل أن يؤدي إلى الإصابة بعاهة، أو الوفاة، أو الضرر النفسي، أو سوء النمو، أو الحرمان.

ومن الأسباب التي تؤدي إلى ازدياد العنف ضد النساء في قطاع غزة، تردي الوضع الاقتصادي، فحالة الاحباط والاكتئاب الشديدة يتم تفريغها على من هن أقل قدرة في الدفاع عن أنفسهن كالزوجة والأخت والابنة والأطفال، وأن للعادات والتقاليد، والقيم المتوارثة دور أيضاً، فعلى سبيل المثال لا يسمح للفتاة القيام بوظائف معينة فيتم إجبارها على الجلوس في المنزل، بحسب ما قالته الأخصائية النفسية إلهام ماضي.

وأوضحت أنه لا يسمح للفتيات بإقامة علاقات صداقة مع الجنس الآخر حتى لو كان ذلك في إطار العمل، لتتشابك تلك الأفكار مع التغيرات التي تجبر الفتاة اليوم على الاختلاط في العمل بالتالي يجد العنف مكان خصب وبيئة تساعد على تعزيزه من خلال جميع الأسباب.

وأشارت إلى أن تلك التراكمات الناتجة عن آثار العنف الممارس ضده المرأة ترجع على صحتها البدنية والنفسية، فالضغط الكبير يولد لديها إحباط الذي يخلق بدوره اكتئاب ممكن أن يدفعها للانتحار، وفقاً للفروقات الفردية بين كل امرأة وأخرى، مشددة على ضرورة أن يقابل زيادة العنف الممارس ضد المرأة بتدخل نفسي من قبل مختص، ولهذا تكون المعنفة ملزمة على التبليغ كي تتلقى الخدمات المناسبة لحالتها.

وغالباً ما تكون فقدت المعنفة الثقة بجميع من حولها لذلك تلجأ إلى العزلة وتنقطع عن العالم الخارجي، كما أوضحت إلهام ماضي، حيث تعود تلك الآثار السلبية من العنف على أطفالها ويصبح سلوكهم عدواني أو يميلون للانطواء والخوف من الآخرين، بالتالي تتشتت الأسرة بشكل كلي لأن المربية لا تتمتع بصحة نفسية جيدة فلن تستطيع تأدية الأدوار المطلوبة منها على أكمل وجه.

ولفتت إلى أن الحالة النفسية السلبية للمرأة تنعكس بدورها على صحتها الجسدية فتصاب بمجموعة من الأمراض التي يصعب الشفاء منها، تدعى بالأمراض السيكوسوماتية التي يكون سببها نفسي وآثارها جسدية كالجلطات والصداع المستمر، والقولون العصبي، والاجهاض المتكرر، والعقم واضطرابات الدورة الشهرية، والعديد من الأمراض الأخرى التي تسيطر على الجسم وتنهك قواه.

وتستنكر الأخصائية النفسية إلهام ماضي بعض الأسباب الواهية التي تمنع المرأة من التبليغ لحماية نفسها، كفكرة أن الجاني زوجها ويجب الصبر عليه، أو فقدانها أطفالها الذين قد تحرم منهم بسبب قوانين الحضانة الغير منصفة بغزة، أو الخوف من نظرة المجتمع، لافتةً إلى أن "تلك الأفكار لن تحمي المرأة عند تعرضها للضرب المبرح الذي قد يفقدها حياتها، لذلك يجب عليها استجماع شجاعتها والتوجه لطلب الخدمة القانونية والنفسية".