في خضم الحرب... الجداريات تنطق بحقائق مؤلمة
على الرغم من الحرب والحصار والصعوبات التي تواجهها تمكنت الفنانة التشكيلية رماح العامودي من تجسيد المعاناة والمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
نغم كراجة
غزة ـ في خضم الحرب التي تعصف بقطاع غزة، يبرز الفن التشكيلي كوسيلة بصرية قوية ولغة تتجاوز الحدود ويترجم المشاعر الإنسانية إلى صور وألوان للتعبير عن المعاناة ونقل الواقع الأليم الذي يعيشه المجتمع الفلسطيني تحت سيطرة القوات الإسرائيلية وسياساتها الممنهجة.
تؤمن الفنانة التشكيلية رماح العامودي بأن الفنون هي اللغة العالمية التي تتجاوز الحدود واللغات والثقافات، وقادرة على لمس القلوب وإيصال الرسائل المطلوبة بقوة وبساطة في آن واحد، وعبر جدارياتها الفنية تتيح للناس رؤية المعاناة التي يعيشها أهالي غزة، خاصة الأطفال والنساء الذين يعانون من الانتهاكات المستمرة لحقوقهم الأساسية.
وأوضحت أن "الفن هو طريقتي للحديث عن معاناتنا، وإيصال صوتنا للعالم، لذلك أريد أن يرى العالم ما نعيشه هنا، وأن يشعروا بآلامنا وآمالنا وأن يساندونا في نضالنا من أجل حياة أفضل، وغزة ليست مجرد بقعة جغرافية تعاني من الحروب، بل هي موطن لأناس يحملون أحلاماً وطموحات، ويستحقون العيش بسلام".
ولفتت إلى أن الفن في غزة يلعب دوراً فعالاً وحيوياً في توثيق الأحداث ونقل الواقع، ووسيلة مقاومة سلمية تعكس صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على الحياة رغم كل الصعوبات، كما تمثل الفنانات جزءاً من هذه الحركة الفنية في سعيهن إلى تغيير النظرة النمطية عن غزة، وتقديم صورة حقيقية عن معاناة الناس وأحلامهم.
وبينت أنها حاولت من خلال جدارياتها إبراز الجوانب الإنسانية في الحرب القاسية المستمرة في شهرها التاسع دون رادع، وتسليط الضوء على الفئات الأكثر تضرراً، خاصة الأطفال الذين يدفعون ثمناً باهظاً في الصراعات والنزاعات.
وواجهت رماح العامودي تحديات عديدة جعلت من ممارستها للفن عملاً بطولياً بحد ذاته، من بين هذه الصعوبات الافتقار إلى الجدران المناسبة نظراً لتضرر 85% من المباني في القطاع بسبب الاستهدافات المستمرة، كما أنها تعاني من قلة الجدران السليمة التي يمكن استخدامها لرسم جدارياتها، وتلجأ في كثير من الأحيان إلى البحث عن جدران المدارس والشوارع التي لا تزال قائمة لتواصل عملها الفني، إضافة إلى النقص الحاد في الموارد المادية والأدوات الفنية، لكن رغم هذه القيود تمكنت من الإبداع باستخدام المواد المتاحة، مما يعكس قدرتها على التكيف والصمود في وجه الظروف الراهنة.
وأشارت إلى أنها تضطر للرسم تحت أشعة الشمس الحارقة بسبب الظروف المناخية القاسية مما يزيد من صعوبة العمل ويعرضها للإرهاق الجسدي، لكن هذه الظروف لم تثنِها عن مواصلة مسيرتها بل زادت من إصرارها على إيصال صوتها ورسالتها إلى العالم.
وتسعى رماح العامودي إلى تجاوز دور الفنانة الفردية، حيث تعتبر عملها بمثابة جهد جماعي يشمل عشرات الأطفال من القطاع وتشجعهم على المشاركة في رسم الجداريات، مما يمكنهم من التعبير عن معاناتهم وتفريغ الضغوطات النفسية التي تراكمت لديهم جراء الحرب وقالت "أعمل على خلق بيئة دعم نفسي تتيح لهم التعبير عن مشاعرهم بشكل إبداعي، ويمنحهم فرصة للتفاعل مع الآخرين في جو من الأمان والدعم، فالرسم ليس مجرد نشاط فني بل هو وسيلة للتعافي النفسي وللتواصل مع الذكريات والتجارب الشخصية".
وفي آخر جدارياتها تناولت رماح العامودي موضوع الطفولة المسلوبة، حيث رسمت طفلة تحمل مجموعة من البالونات الملونة التي بدأت تتطاير في السماء واحدة تلو الأخرى حيث تعبر هذه الصورة الرمزية عن فقدان الأطفال لأبسط حقوقهم في الحياة واللعب والنمو بأمان، معبرة عن الواقع الأليم الذي يعيشه الأطفال تحت وطأة الحرب حيث تتناثر أحلامهم وأمنياتهم بفعل العنف والدمار.
ولفتت إلى أنها أبدعت قبل أشهر في رسم جدارية جسدت مجموعة من النساء تحملن أرغفة خبز، وجوههن شاحبة تعكس عمق المعاناة اليومية في توفير لقمة العيش لأبنائهن، وهذه الصورة عبرت بقوة عن الكفاح الذي تواجهه الفلسطينيات في ظل الظروف الاقتصادية القاسية والضغوطات اليومية.
وفي ختام حديثها قالت رماح العامودي إن الجداريات ليست مجرد رسومات على الجدران، بل هي أصوات تنطق بالحقائق المؤلمة وتروي حكايات الناس الذين لا تصل أصواتهم إلى العالم "أعمالنا الفنية بكل أشكالها هي وسيلة للتوثيق والبقاء وقادرة على التأثير والتغيير، وتحافظ على ذاكرة المكان وتخلد قصص المعاناة والصمود".