في ذكراها السابعة... شاهدات على تحرير الرقة تروين لحظات الفقدان (2)

عندما سيطر مرتزقة داعش على مدينة الرقة بشمال وشرق سوريا بدأ بفرض سطوته وأحكامه على الأهالي، كما اختطف العديد من أبناء المنطقة، وتقول أمهات وزوجات المفقودين إن معاناتهن ما تزال مستمرة حتى بعد القضاء على داعش جراء الفقدان.

سيبيلييا الإبراهيم

الرقة ـ رحل داعش جغرافياً مخلفاً وراءه حسرات وآلام لا تعد ولا تحصى، فمن انتهاك للحقوق إلى جرائم القتل والاعتقال والتعذيب بحق المدنيين في شمال وشرق سوريا، وما يزال مصير العديد ممن وقعوا في قبضته مجهولاً.

مع اقتراب ذكرى تحرير مدينة الرقة في شمال وشرق سوريا من مرتزقة داعش والتي يصادف 20 تشرين الأول/أكتوبر، ينتاب كل من عاش تحت سيطرة المرتزقة فرحة مطعونة بخاصرتها، فقد مورس بحق أهالي المدينة وأريافها آنذاك أفظع الممارسات، وهناك العديد من النساء اللواتي كنا شاهدات على الجرائم والانتهاكات التي لا تزال محفورة في ذاكرتهن.

 

تنتظر أبنها المفقود رغم استحالة عودته

فاطمة حبيب الشيخ في العقد الخامس من عمرها أم لخمس فتيات وستة أبناء فقدت أحدهم على يد داعش خلال سنوات سيطرته على المدينة، وحول ما قاستهُ قالت "لم نخرج من منزلنا يومنا كيلا نرى المرتزقة، حتى أننا ذهبنا للعيش في الريف للابتعاد عنهم وعن ممارساتهم اللاإنسانية، بالرغم من أن أبنائي لم تكن لهم علاقة بالمرتزقة، تم اعتقال ابني محمود مهدي لأنه كان يرتدي الزي العسكري".

اتهم ابنها بأنه عميل لدى حكومة دمشق كما أوضحت فاطمة حبيب الشيخ "قبل اعتقاله أخبرني أن أجهز له الطعام إلى أن يعود من المسجد، ولكنه ذهب ولم يعد، تلك كانت آخر مرة أراه فيها يغادر المنزل"، مضيفةً "بعد اعتقاله قصدت مكاتب ومراكز الاعتقال التابعة للمرتزقة للسؤال عنه، في البداية أخبرونا أنه ليس موجوداً عندهم وبعد فترة عدت للبحث عنه في تلك المراكز، إلا أنهم أخبروني أنه يخضع لدورة استتابة، وسيعود بعد الانتهاء منها، لكن ها هي قد مرت سبعة أعوام ولم يعد".

بفقدانهن لأبنائهن حرمن من شعور الفرحة بلحظات التحرير، فالغصة لا تزال تعتصر قلوبهن "إلى يومنا هذا وأنا أشعر بإن ابني لا يزال على قيد الحياة، إن مشاعر وإحساس الأم لا يخيب، سأنتظر عودته حتى أرحل عن الحياة، فأمنيتي أن أراه بعد كل هذا الغياب".

 

 

رغم صغر سنها أصبحت الأم لأشقائها

أما فرح خالد العلي التي فقدت والدتها وهي في سن صغيرة، أصبحت أماً لشقيقها وشقيقتها وهي لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها فقط، حاملةً على عاتقها تربيتهم.

وعن اعتقال والدتها عبير علي الناهد من قبل المرتزقة وهي في الثلاثينات من عمرها، تقول فرح العلي "لا أتذكر الكثير من التفاصيل لأنني كنت لا أزال صغيرة في العمر، لكن الشي الوحيد العالق في ذاكرتي وجه والدتي وكيف اعتقلها داعش خلال مداهمتهم لمنزلنا، في المرة الأولى تم إطلاق سراح والدتي بعد أسبوع فقط من اعتقالها، ولكن لم تمضي سوى أيام حتى تم اعتقالها مرة أخرى عندما داهموا المنزل في حوالي الساعة الرابعة صباحاً، لقد كان يقلون سيارة فان بيضاء، كانت وجوههم شاحبة ومرعبة ويرتدون الأقنعة والأسلحة في أيديهم".

وأضافت "عندما سألهم أفراد عائلتي عن مكان تواجد والدتي أخبروهم أنها تتواجد في سجن الملعب الأسود، إلا أننا لم نجدها، لقد اتهموها بأنها عميلة لدى التحالف الدولي"، مشيرة إلى أن أشقائها الأصغر منها سناً لا يتذكرون شيئاً.

عندما أطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة تحرير مدينة الرقة أوضحت فرح العلي أن تلك اللحظة كانت بمثابة متنفس وأمل بعودة الحياة للمدينة التي لم ترى السلام لسنوات في ظل سيطرة داعش "عندما سمعنا أن الرقة ستتحرر كنت أظن أن والدتي ستعود وستكون فرحتنا مضاعفة، ولكن خاب ظني، وبالرغم من ذلك لا زال لدي أمل بأنها ستعود يوماً ما، إن تحرير المدينة كان كولادة جديدة بالنسبة لنا لأننا تخلصنا من الظلم والخوف والرعب".

وطالبت في ختام حديثها بمحاسبة داعش على جرائمها "أنهم حرموني أخوتي من حنان والدتنا، أريد رؤية والدتي حتى ولو لمرة واحدة".

 

 

"لم نكن على قيد الحياة لقد كنا موتى نسير على الأرض"

وهو الحال بالنسبة لفيضه العلي عبد الله وهي في العقد الخامس من عمرها وأم لخمسة فتيات وابن وحيد اعتقل على يد المرتزقة وأصبح في عداد المفقودين.

وتقول "لم نكن على قيد الحياة لقد كنا موتى نسير على الأرض، كانت الجثث في كل مكان ومعظمها معلقة على الدوارات، ورائحة الموت تفوح من جميع أزقة المدينة"، مشيرة إلى أن ابنها الذي كان يبلغ من العمر 14 عاماً فقط، اعتقل من قبل داعش برفقة العشرات من الأطفال في عمره وتم نفيه.

وأوضحت إنه بعد اعتقال ابنها فقد زوجها حياته قهراً عليه، فأهالي الرقة كانوا يدركون جيداً أن من يعتقل من قبل المرتزقة لا سبيل لعودته "سألنا كثيراً عن ابني بعد اعتقاله، ولكن لا جدوى من البحث وكأنه إبرة في كومة قش".

ولفتت إلى أنه مع بدء حملة تحرير الرقة قام المرتزقة بحملة اعتقالات موسعة بحق الأهالي، لم يتركوا طفلاً أو شاباً أو رجلا أو امرأة أو فتاة أو كبير في السن وشأنه "عند الإعلان عن تحرير المدينة بشكل كامل شعرنا بفرحة لا توصف، وأخيراً سنتخلص من الخوف والموت والظلم"، مضيفةً "نعيش منذ سبعة أعوام أي منذ الإعلان عن تحرير الرقة عام 2017، بأمان وسلام بعد سنوات ذقنا خلالها المآسي، الشيء الوحيد الذي اتمناه الآن أن يعود ابني وكل المفقودين الذين اعتقلوا على يد مرتزقة داعش إلى أهاليهم".

 

 

"طالما لم أدفن جثمان ابني فسيكون لدي أمل بعودته"

وتتمنى خديجة حمود الحمود في العقد الخامس من عمرها وهي أم لخمسة أبناء وبنت وحيدة، لو أنها تجتمع مع أولادها جميعاً مرة أخرى.

فقدت خديجة الحمود ابنها البكر في بداية الأزمة السورية وهو لا يزال صغيراً في السن، أما ابنها الثاني فقد حياته غرقاً في النهر أثناء محاولة إيصال المياه إلى أرضهم الزراعية لسقيها، لقد دفنت أولادها بيديها، وحاولت أن تضمد جراحها ولكن مرتزقة داعش لم يسمح بذلك، حيث قال باعتقال أحد أبنائها والذي كان في العقد الثاني من عمره، ونفيهُ أثناء حملة التحرير.

وقال "لم نعش يومنا بسلام، كانوا يريدون الاستيلاء على منزلنا لكننا بقينا ولم نخرج منه، لقد أصبح القتل وغيرها من الانتهاكات كروتين يومي لدى المرتزقة، بسبب الخوف الذي كان ينتابنا دائماً أصبت بمرض في القلب، خاصةً بعد رؤيتي لجريمة بشعة حيث كانوا يربطون العديد من الأشخاص ويجرونهم خلف سياراتهم".

وعن لحظات التحرير بينت أنه "قامت قوات سوريا الديمقراطية باستقبالنا والجلوس معنا وأخبرونا أنهم جاؤوا لإنقاذنا من بطش داعش، لحظات التحرير تلك كانت الأجمل" ولكن مع ذلك ورغم مرور سبعة أعوام على فقدان ابنها إلا أنها لا تزال تأمل عودته "فقدت اثنان من أبنائي لكنني دفنتهم بكلتا يدي، أما ابني الثالث لم ادفن جثمانه حتى الآن لذا دائما سيبقى لدي أمل بعودته يوماً ما فقلبي يخبرني أنه لا يزال على قيد الحياة". 

وأطلقت قوات سوريا الديمقراطية حملة "غضب الفرات" في عام 2016 لتحرير مدينة الرقة وتحررت المدينة من المرتزقة في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2017 وأعلن عن التحرير في الـ 20 من الشهر ذاته.