في الشهر الوردي... مغربيات يرفعن شعار "السرطان لا يساوي الموت"

يعد سرطان الثدي من الأورام الخبيثة الناتجة عن نمو غير طبيعي لخلايا الثدي، ويعد هذا النوع من السرطانات أكثر ما يصيب النساء على اختلاف أعمارهن

حنان حارت
المغرب ـ .
يعرف تشرين الأول/أكتوبر؛ بـ"الشهر الوردي"، وهي مبادرة عالمية ينخرط فيها المغرب مثله مثل باقي الدول في جميع أنحاء العالم، وذلك بتنظيمه لحملات توعوية النساء، بمرض سرطان الثدي، وأهمية التشخيص المبكر.
 
انخراط المجتمع المدني 
أحرز المغرب في السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظا في مجال محاربة داء السرطان، فقبل 30 عاماً لم يكن التعامل مع مرض السرطان سهلاً، بسبب قلة الأطباء المتخصصين آنذاك، لكن اليوم يتراوح عدد الأطباء ما بين 200 و250 طبيباً مختصاً.
وتبلغ عدد المراكز المتواجدة في المغرب المختصة في معالجة مرض السرطان ما يناهز 40 مركزاً، ومعظمها يتواجد في المدن الكبرى، كما تحاول العديد من الفعاليات المدنية خلال هذا الشهر تنظيم حملات توعوية إما بشراكة مع وزارة الصحة أو بمبادرة شخصية، وذلك بهدف التوعية بمخاطر مرض سرطان الثدي وأهمية الكشف المبكر عنه.
 
من مريضة إلى محاربة
 
 
تقوم الجمعية المغربية لمرضى السرطان، بحملات توعوية حول أهمية الفحص المبكر لمريضات سرطان الثدي، ولا يقتصر عملها على شهر التوعية فقط، بل تقوم بذلك طوال السنة، تقول رئيسة الجمعية مريم حاتيمي وهي ناجية من مرض السرطان، "لا تقتصر الحملات على شهر تشرين الأول/أكتوبر، فالسنة كلها بالنسبة لنا وردية، نستقبل النساء ونحاول توعيتهن بأهمية التشخيص المبكر، وأنه كلما تم ذلك بشكل دوري، كلما اكتشف المرض في مراحله الأولى وكانت نسبة فعالية الدواء والشفاء عالية".
وأوضحت "الجمعية تنظم قوافل طبية بالتعاون مع أطباء متطوعين ومراكز الأشعة التي تقوم بخصومات تصل لـ 50%، وتتكفل الجمعية بكافة المصاريف للحالات المعوزة وتوفير الأدوية لهن".
 
تأسيس الجمعية
وعن فكرة تأسيس الجمعية المغربية للمصابين بالسرطان، تقول مريم حاتيمي "جاءت الفكرة من خلال ما لمسته من تجاوب عبر مواقع التواصل الاجتماعي من طرف المصابات بالسرطان وحاجتهن للمساعدة والدعم النفسي والحصول على الأدوية في ظل ارتفاع أسعارها".
وعن تجربتها مع سرطان الثدي الذي تم تأكيد إصابتها به عام 2018، تقول أن الأمر شكل لها صدمة في الوقت الذي لم تكن لديها أي معلومات عن المرض، فكل ما كانت تعرفه أنه مرض خبيث وقاتل، مشيرةً إلى أن الدعم النفسي مهم وهو أولى الخطوات في رحلة العلاج، وأن عائلتها شكلت سنداً لها خلال هذه المرحلة.
بعد انتهاء رحلة العلاج وانتصار مريم حاتيمي على السرطان، بدأت رحلتها المتمثلة في زرع الأمل في نفوس النساء المريضات، وذلك بعد تأسيس الجمعية المغربية لمرضى السرطان، التي تتخذ شعار "لنكن أملهم في الحياة".
 
الدعم النفسي ضروري 
وعن رسالتها لمريضات السرطان تقول "الدعم النفسي ضروري، ويمكن التغلب على هذا الداء دون خوف ودون إحباط؛ فالمرض ما هو إلا بداية أخرى لحياة مليئة بالأمل، فالابتلاء يمكن أن يغير الحياة وهذا ما حدث معي، فقد استطعت أن أغير من حياتي وأن أصبح مؤثرة داعمة للنساء"، مشيرةً إلى أن "كلمة السرطان بالنسبة لكثيرين مرادفة للموت، ومعظم المريضات يغرقن في الأفكار السلبية بعد اكتشاف إصابتهن، لهذا أحاول مساعدتهن على التخلص من تلك الأفكار التي تتسبب لهن في إرهاق نفسي كبير".
 
تقريب العلاج
وتسعى الجمعية التي تتخذ من مدينة آسفي مقراً لها، والتي لا تتوفر على مركز لعلاج أمراض السرطان، إلى مراسلة المسؤولين للوصول إلى مجانية العلاج في ظل غلاء التكاليف وتقريب العلاج؛ "نظراً لتواجد مراكز علاج أمراض الأنكولوجيا في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش، يكون من الصعب على المريضات التنقل، لهذا كجمعية نتواصل من أجل أن تصبح مدينتنا تضم مركزاً لعلاج مرضى السرطان".
وأضافت "لدينا وعود بافتتاح مصحات من هذا النوع في المدينة ونحن ننتظر، نحن كمجتمع مدني نعمل وفق ما تتيحه الإمكانيات، المجتمع المدني يمكنه تقديم الشيء الكثير للأشخاص المصابين بالسرطان، إلا أن الدعم من الجهات المعنية مهم ويسمح لنا بالاستمرار".
وتشدد مريم حاتيمي في ختام حديثها على أهمية التشخيص المبكر، وأن على النساء بعد سن 40 عاماً، الخضوع للفحوصات بشكل دوري، حتى إن حدث وأصيبت المرأة يمكنها اكتشاف ذلك مبكراً وتقبل على العلاج في الوقت المناسب.
 
من رحم المعاناة يولد الأمل 
 
 
أما فدوى هرنافي (46) عاماً، من مدينة بركان المغربية، وأم لبنتين؛ فقد اكتشفت إصابتها بداء سرطان الثدي بالصدفة؛ عندما كانت تبلغ من العمر 35 عاماً، "أخبرتني الطبيبة الأخصائية بأن هناك جسماً سرطانياً وأنه يجب أخذ عينة والقيام بالصور الإشعاعية اللازمة للتأكد إن كان حميداً أم خبيثاً... حينها عشت حالة من الضياع والقلق في انتظار النتيجة إلى أن أكدت لي الطبيبة إصابتي بسرطان الثدي وبأن الورم تجاوز حجمه 8 سم وأن المرض بلغ المرحلة الثالثة وعلي إجراء العملية في أسرع وقت تجنبا لانتشاره".
وعن شعورها خلال تلك اللحظات تقول "كانت صدمتي قوية جداً، ودموعي تنزل في صمت على خدي وانصرف تفكيري في بناتي وما سأعانيه في الأيام المقبلة، ثم فكرت في والدي وعائلتي، كيف سأنقل لهم الخبر؟ هل سأنهار؟ هل سأبكي؟ هل سأصرخ؟ لكن في خضم هذا التخبط استجمعت قوتي وقررت المواجهة".
وأضافت "هذا العزم جعلني أقبل على العلاج وأخضع للعملية، فلم يكن أمامي خيار آخر غير الجراحة، حيث تم بتر الثدي وجزء كبير من الغدد اللمفاوية وقد استغرقت العملية أكثر من 11 ساعة، بعد ذلك خضعت لجلسات الكيماوي، حيث تجرعت مرارة الألم وبدأ شكلي يتغير وفقدت شعري بالكامل فعشت في صمت رهيب أنتظر وأترقب ما الذي سيحدث في جسمي وكيف سأواجه كل هذه التغيرات".
تستمر فدوى هرنافي في سرد تجربتها مع داء السرطان وتقول "كانت تنتابني مشاعر متباينة من الألم والأمل والضعف والقوة، لكن حبي لبناتي جعلني أواجه كل التحديات... بعد ذلك بدأت في العلاج الإشعاعي الذي يستوجب الدقة في تحديد المنطقة المستهدفة لكي لا تتعرض الأنسجة السليمة للإشعاع، فيقوم الطبيب برسم علامات على الجسم لكي لا يحتاج في كل جلسة أن يعيد عمل القياسات من جديد فقمت بـ 30 جلسة ذقت فيها مرارة الألم لشدة احمرار الجلد والتهابه ونقص عدد كريات الدم وتقرحات الفم وفقدان الشهية والتقيؤ المستمر".
ولكن الصدمة والأعراض الجانية لدى فدوى هرنافي لم تتوقف هنا لتواجه اللحظة التي ستتخذ فيه أصعب قرار يتعلق بجسدها "فقدت كثيراً من وزني وتوالت العمليات الجراحية بعد أن اكتشف الأطباء أنه لدي جين وراثي هو سبب إصابتي بالسرطان وبأن نسبة الشفاء لا تتعدى 30%، فقررت استئصال الثدي الثاني والرحم كي لا ينتشر المرض؛ كان قراراً صعباً ولم يكن أمامي سواه، فلقد كنت كالغريق وأحاول النجاة بأي ثمن؛ فواجهت مصيري بكل شجاعة وأجريت 18 عملية جراحية، لم أيأس ولم أفقد الأمل، بل واجهت مصيري بكل شجاعة وحاولت تغيير حياتي وإثبات وجودي".
 
ولادة شاعرة
بعد كل المعاناة التي عايشتها فدوى هرنافي مع المرض، وفي غمرة الألم التحقت بمعهد للموسيقي ودرست علوم موسيقية وتعلمت العزف على آلة البيانو ثم درست المسرح، "صرت أستمتع بمصاحبة الكتب وأستغل كل لحظة في حياتي في صقل مواهبي؛ حيث انفجرت طاقتي في الكتابة الشعرية التي كانت بالنسبة لي فسحة نفسية ولحظة إنسانية عاصفة وصرخة تحمل أكثر من نبرة وأكثر من كلمة في الصوت نفسه، كانت أملي الوحيد لكسر حاجز الوحدة والبوح بحرية عن كل ما يختلج في نفسي من تناقضات ومعاناة وأحاسيس ليولد معها أول ديوان لي بعنوان "صرخة جسد" وانطلاقتي الأولى إلى عالم الكتابة والشعر".
وابتسامة طبعت على محياها وجهت رسالة إلى محاربات السرطان "هذه قصتي التي أتمنى أن تجعل باب الأمل مفتوحاً لكل مرضى السرطان، فلقد علمني المرض أن أغير نظام حياتي بالكامل، أن أتصالح مع نفسي وأثق بذاتي، أن أحب الحياة، أن لا أتألم أبداً على أي شيء ومن أي شيء... فلا شيء يستحق منا أية دمعة أو حسرة". 
 
أكثر من 10 ألف حالة في 2019
تؤكد أرقام وزارة الصحة المغربية إصابة 40 ألف شخص بالسرطان سنوياً، ويأتي سرطان الثدي على رأس قائمة السرطانات التي تصيب النساء، حيث تم في عام 2019 تشخيص أكثر من 10 آلاف حالة إصابة جديدة بسرطان الثدي في المملكة.
ومن أعراض هذا المرض نمو وتضخم الأنسجة المكونة للثدي، والتي تنتهي بالظهور ككتلة صلبة بارزة تحت الجلد، وتعتبر من الأعراض الواضحة لسرطان الثدي تضخم الكتلة الظاهرة في الثدي مع عدم الإحساس بأي ألم وتغيرات في لون جلد الثدي من حيث دكونته وميوله إلى الاحمرار.
 
تعايش مع السرطان رغم صعوباته
لم تكن حنان الخمار (34) عاماً، من مدينة الجديدة، تشعر بأية أعراض، إذ أصيبت قبل سنتين بسرطان الثدي، "لم أكن أقوم أبداً بأية فحوصات مبكرة، فأنا لم أكن أتوقع إصابتي بالمرض".
وحول الأعراض الأولى التي ظهرت عليها تقول "لم أكن أشعر بأي آلام، فجأة ذات يوم شعرت بكتلة في ثديي، ولكني لم أعر للأمر أهمية، ظننت في البداية أن الأمر بسيط، وبعد ثلاثة أشهر تقريباً، بعد أن لاحظت أن الكتلة بدأت تكبر، قررت الذهاب إلى الطبيب وهنا كانت المفاجأة التي لم أتوقعها أبداً".
وعن أول إحساس انتابها عند سماع الخبر قالت "شعرت بصدمة كبيرة رافقتها مشاعر حزن وخوف من المجهول، قلقت على أطفالي لكني استجمعت قواي، ونظراً لكون مدينة الجديدة لا توجد بها مصحات لعلاج هذا النوع من السرطان اضطررت إلى الذهاب إلى مدينة الدار البيضاء".
باشرت حنان الخمار مسلسل العلاج الذي انطلق بعملية جراحية لاستئصال الورم ثم استئصال الثدي "كان الأمر صعباً للغاية، صعب على أي امرأة تقبل ذلك، لكن بالرغم من ذلك رضيت بقدري، وأقنعت نفسي أن علي الصبر وألا أخاف، ثم بعد ذلك انتقلت إلى حصص العلاج الكيميائي وبعدها جلسات للعلاج الإشعاعي".
خلال جميع مراحل العلاج كانت حنان الخمار تتحلى بالقوة والشجاعة والصبر "تعايشت مع المرض وكل مراحل العلاج رغم صعوبتها، إلا أنها مرت في ظروف جيدة، بطبيعة الحال كانت هناك بعض المخاوف بسبب تغير الملامح بعد فقدان الشعر والحواجب، والآثار الجانبية كفقدان الشهية، التقيؤ، فقدان الوزن، تقرحات الفم، وغيرها من الأعراض المؤلمة، كنت أعرف كل ما ينتظرني، لهذا واجهت كل ذلك بعزيمة وصبر وأمل في الشفاء". 
 
"السرطان لا يساوي الموت"
تستمر حنان الخمار في سرد تجربتها وتقول "كنت فرحة أنني انتصرت على المرض، ما جعلني أعيد حسابات كثيرة في حياتي فلم أعد أخاف من الموت".
بعد هذه التجربة قررت إنشاء قناة على منصة اليوتيوب لرفع معنويات النساء المريضات كما تقول "خضت هذه التجربة لكي أساعد النساء على تقبل المرض، وأدعوهن إلى الإقبال على العلاج والتشخيص المبكر، كما أني أقدم أيضاً وصفات للأكل الصحي لمرضى السرطان، وقد لاقت القناة تفاعلاً كبيراً، أستخدم فقط صوتي، وليست لي بعد الجرأة على الظهور".
 تصمت حنان الخمار وكأنها تتذكر شيئاً ثم تكمل حديثها قائلةً "في غمرة فرحتي وانتصاري على السرطان، واصلت المراقبة الدورية مع الطبيبة، وللأسف في  الفحوصات الأخيرة أخبرتني الطبيبة أن المرض عاد إلي من جديد، ليس في الثدي وإنما هذه المرة في الكبد"، تقول حنان والبسمة تعلو محياها "بدأت العلاج من جديد وكلي أمل أني سأشفى وسأحارب السرطان إلى أن أهزمه، سأتابع العلاج بكل ما أوتيت من عزم وصبر حتى أظل مع بناتي، ورسالتي أن السرطان لا يساوي الموت".