فقدت زوجها بألغام داعش وتستمر بحياتها رغم جميع الآلام
رغم ما عايشته شمسة بركل من معاناة، منذ وفاة زوجها وهي في ربيع عمرها، وإصابتها التي استوجبت إجراء عدة عمليات، وتحملها مسؤولية تربية طفلتها إلا أنها تستمد قوتها من إيمانها بأنها ليست الوحيدة التي تعاني
سيلفا الإبراهيم
منبج ـ .
فرحة شمسة بركل (29) عاماً لم تكتمل بعد تحرير مدينة منبج بشمال وشرق سوريا وعودتها إلى منزلها بعد طرد داعش منه، فانفجار أحد الألغام التي زرعها المرتزقة كان كفيلاً بأن يغير مسار حياتها فتحملت مسؤولية تربية ابنتها الوحيدة التي فقدت والدها قبل أن تتعرف عليه.
وتعمل اليوم كعضو في لجنة التّدريب بمجلس الخط الغربي لمدينة منبج، ودرست في مكتب تعليم اللغات وحصلت على المرحلة الأولى من تعلم اللغة الكردية، وخضعت لعدة دورات لتعليم الكومبيوتر، وكل ذلك وهي تعالج يدها التي أجرت لها ثمانِ عمليات، ولا تزال بحاجة لاثنتين.
في ظل سيطرة داعش
يختلط الحزن والفرح في ذكريات تحرير منبج في 15 آب/أغسطس عام 2016، ولا تغيب ذكريات الألم التي رافقت سيطرة المرتزقة على المدينة، تقول شمسة بركل "قبل خمس أعوام، أطلق مرتزقة داعش حملة اعتقالات، واستهدفونا نحن الكرد، هاجموا المنازل في منتصف الليل مقنعين، واعتقلوا العديد من الشباب، وبقيت النساء داخل منازلهنَّ وحيدات".
حملة الاعتقالات التي شنها المرتزقة تزامنت مع حملة التحرير التي أطلقها مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة والشعب في الأول من حزيران/يونيو 2016، لتحرير منبج "بهذه الاعتقالات حاول داعش منع الشباب من الانضمام لصفوف مقاتلي مجلس منبج العسكري والمشاركة في حملة التحرير ضدهم".
من ضمن المعتقلين كان زوجها واثنان من أشقائه ووالده "بقيت أنا ووالدته وشقيقتاه في المنزل، ومع الحصار تزايد قصف الطّيران في بداية شهر رمضان". ومع استمرار غياب الزوج واشتداد المعارك جاءت والدتها لاصطحابها إلى ريف حلب الشرقي تقول "تعيش عائلتي في قرية النّعيميّة التي كانت تتبع لبلدة مسكنة، ويسيطر عليها داعش، لكن والدتي فضلت ألا أبقى وحيدة مع ابنتي، فبقيت هناك ثلاثة أشهر".
لم يتغير حال شمسة بركل في منزل عائلتها بعد أن انتقلت إليه هي وابنتها واثنين من شقيقات زوجها "طالت حملة الاعتقالات أهالي النعيمية أيضاً، وبقيت فيها لمدة ثلاث أشهر، أذكر أنهم اعتقلوا ما يقارب الـ 30 رجلاً في يوم واحد، وأخرجوا النساء من القرية لتفتيشهنّ وأخذ أسمائهنّ".
عمل مرتزقة داعش على استخدام المدنيين كدروع بشرية "منعونا من الخروج، واتهموا القاطنين في المناطق الغير خاضعة لسيطرتهم بالكفر والإلحاد. غايتهم كانت منع القوات من تحريرنا".
لم يكن أهالي منبج على علم بالحملة كانوا يسمعون أصوات المعارك "منعونا من الاتصال بالعالم الخارجي أو سماع الأخبار، لكنني تواصلت مع أفراد من عائلتي بشكل سري وعلمنا بأمر الحملة". وأضافت "علمنا بالحملة لم يخفف من خوفنا لأنهم كانوا قادرين على ذبحنا في أي وقت".
فرحة لم تكتمل
في أحد سجون مسكنة قبع زوج شمسة بركل لثلاثة أشهر "تصلنا أخبار بأن مرتزقة داعش يعدمون السجناء، ففقدنا الأمل بعودته"، ولكنه عاد مع والده بينما بقي شقيقاه في السجن ليفرجوا عنهما فيما بعد.
لم تكتمل فرحتها، فبعد الإفراج عن زوجها بأسبوع قرروا العودة إلى منبج المُحررة "بتاريخ 24 آب/أغسطس 2016 سلكنا طريقاً برياً يمر من نواحي مدينة الباب، وعند وصولنا إلى النّقطة الفاصلة في قرية كربجلي بين المناطق المحررة ومناطق سيطرة داعش، أخبرنا أحد رعاة الأغنام بأن الطريق خطرة، وأنها منطقة عسكرية فاصلة، ولكن والد زوجي أصر على إكمال الطريق".
وتابعت "بعد مئة متر تقريباً كان الطّريق مغلقاً بالحجارة مما اضطرنا لسلوك طريق ترابي، بين بساتين الزّيتون، وما إن تقدمنا قليلاً حتى انفجر لغم بسيارتنا، أصبت بيدي، وأصيبت ابنتي بيدها وقدميها، لم يصب زوجي بأي أذى فقد كان في الجهة الخلفية من السيارة لكنه قفز من السيارة ووقع على لغم وفقد حياته"، وأضافت "والد زوجي أصيب بقدميه، وابنتاه اصيبتا بإصابات طفيفة"، وأضافت "هذا الحادث وقع في ساعات العصر، تحت أشعة الشمس الحارقة، وكدنا نفقد وعينا، ولم نعلم ماذا نفعل بعد الصّدمة التي تلقيناها. فذهبت شقيقة زوجي لطلب المساعدة".
ولم تمض دقائق على ذهاب الفتاة لطلب النجدة، حتى جاء مرتزقة داعش وأطلقوا النار فوق رؤوسهم، وكان أحد المرتزقة يصوب البندقية عليها لقتلها "اختلفوا في الآراء مما أنقذني".
المستوصف الذي تم نقلهم إليه لم يكن مؤهلاً لاستقبال حالات خطرة فقد كانت جروحها بالغة "كسرت يدي وقطعت جميع الشرايين عدا الشريان الرئيسي، استمرت يدي بالنزيف بشكل غزير، وفقدت طفلاً كنت أحمله في أحشائي"، وأضافت "نقلت إلى مشفى جبل في مدينة الباب بحلب، المشفى كانت عبارة عن ركام نتيجة المعارك بين داعش والنظام، حتى قبو المشفى الذي مكثت فيه مليء بالثقوب الناتجة عن الرصاص وكانت واضحة رغم تغطيتها بالستائر والأقمشة".
تقول إن القلق والخوف سيطرا عليها فهي لم تعرف حتى تلك اللحظة بوفاة زوجها "بقيت خمسة أيام دون طعام رغم حالتي الصحية، أما الممرضات اللواتي سألتهنَّ عن زوجي عبد الله سعيد قلنَّ إن الرجال يتلقون العلاج في قسم خاص".
وأضافت "خرجت إحدى شقيقات زوجي من المشفى صوب قرية النعيمية بإحدى سيارات الأجرة، كان يقلها رجل كردي بادر لمساعدتنا هو ووالدته، أما أنا فقد خرجت من المستشفى في منتصف الليل بعد أن أتى أقربائنا من القرية".
كادت شمسة بركل أن تفقد يدها جراء الحادث "بعد عودتي بدأت بمعالجة يدي، لكن العديد من الأطباء جزموا بضرورة قطعها، لكن طبيباً من الرقة كنا قد التقينا به أعاد الأمل لي وأجرى عملية ناجحة جنبتني هذه الإعاقة، لكن فرحتي لم تكتمل بعد أن خسرت زوجي".
العودة لمنبج المحررة
أطلق مجلس منبج العسكري حملة تحرير مدينة منبج في الأول من حزيران/يونيو 2016، ضد تنظيم داعش، واستمرت لمدة 73 يوماً، وتحررت المدينة في 12 آب/أغسطس 2016، ليتم الإعلان عن النصر في 15 آب/أغسطس 2016. وكان قد سيطر عليها داعش عام 2014.
عن لحظات سماعها بتحرير منبج قالت شمسة بركل "عانينا في ظل سيطرة داعش، كنا محطمين معنوياً، لقد علقوا المدنيين بعد قتلهم على الدّوارات"، وأضافت "العودة إلى منبج بعد ذلك الخوف عبارة عن ولادة جديدة. لم أتوقف عن البكاء من الفرح في ذلك اليوم".
وأضافت "اليوم أعمل على تأمين مستقبل مشرق لابنتي إيلاف التي تبلغ السادسة من العمر، فما يمنحني القوة هو أنني لست الوحيدة التي تقاوم، فعندما أرى الكثير من الأمهات اللواتي فقدنَّ أبنائهنَّ والأطفال بدون آباء أشعر بالقوة فالشعب السوري كله يعاني".
وترى أنه طالما تركيا موجودة ولم تخرج من أراضيهم، لن يموت داعش أو يفنى، لأنهما وجهان لعملة واحدة، "أطالب بمحاكمتهم في المحافل الدّوليّة، ومحاسبة الدّاعمين لهم، لأنه لا يمكن أن تشرق شمس الحرية على الشّعوب طالما تركيا تهاجمنا بكافة الوسائل".