دور المجتمع المدني والنسوي في التعامل مع قضايا العنف

تفاقم ظاهرة العنف في الآونة الأخيرة بمصر، أربك الداخل المحلي المصري خلال عام 2022، بعد إقدام البعض على ارتكاب الجرائم العلنية التي وصلت للقتل في الطرقات على مرأى الجميع، لذلك بات هذا الملف هو الأكثر تحدياً للمهتمين بالعمل العام والنسوي بالتحديد.

أسماء فتحي

القاهرة ـ ارتفاع معدل العنف خلال الفترة الأخيرة في مصر، جعل المؤسسات النسوية تضعه على رأس اهتماماتها وتعمل على تغذية وعي وثقافة المجتمع للعمل على مناهضته، لذلك عملوا على تنفيذ عدد من الإجراءات والمناقشات التي استهدفت وضع رؤية تفصيلية حول سبل المواجهة خلال الفترة المقبلة.

واحد من أهم الأمور التي شكلت تحدياً أمام المؤسسات النسوية خلال العمل على زيادة وعي وثقافة المجتمع، تمثلت في القبول المجتمعي للعنف والذي ظهر جلياً في التبرير للجناة واتهام ضحايا العنف بعد واقعة قتل الطالبة الجامعية نيرة أشرف، وهو ما أصاب العاملين على هذا الملف بصدمة كبيرة نتاج شعور البعض بالإحباط لأن الجهود التوعوية لم تؤتي ثمارها على النحو المرجو خلال أعوام طويلة من العمل الدؤوب.

واعتبرت المؤسسات النسوية أن العمل المشترك طريقاً للخروج بنتائج مثمرة فتكاتف عدد منهم للضغط من أجل إقرار قانون موحد لمناهضة العنف وراح آخرون يقومون بإعطاء التدريبات لفئة الشباب التي ازدادت بينهم حالات العنف مؤخراً، بينما رأى آخرون ضرورة اشتراك الرجال من أجل إحداث تغيير حقيقي وهو ما سنقف عليه مع استشارية النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي وعضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة، مي صالح.

 

المؤسسات النسوية تعمل على هدفين رئيسيين وهما "التشريعات والثقافة"

وقالت استشارية النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي وعضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة مي صالح أن المؤسسات النسوية منذ أعوام تعمل على هدفين رئيسيين وهما "التشريعات والثقافة" من خلال بذل الجهد في إقرار السياسات اللازمة من إصدار مشاريع القوانين أو تقديم مسودات جديدة، وبالتوازي يتم العمل على الهدف الآخر والمتمثل في تغيير الثقافة العامة للمجتمع لما لها من دور أساسي في تفشي ظاهرة العنف بشكل عام.

وأكدت على أن الهدفين الذين عملتا عليهما مؤسسات المجتمع المدني والنسوي منها تحديداً يمكن السير دون وجودهما، معتبرة أن العمل على الملف إجمالاً يتم بشكل فردي من جهة ومن خلال التشبيك والتكامل بين المؤسسات على الصعيد الآخر.

 

مجموعة عمل من أجل إصدار قانون موحد لمناهضة العنف

وأشارت إلى أن العمل على قضية شائكة كالعنف الأسري أو العام ما هو إلا نتاج جهد مشترك وتكاتف بين المؤسسات خاصة مع غياب وجود آلية لحماية النساء من العنف، لذلك هناك عدد من المؤسسات شكلوا مجموعة عمل مشتركة لتقديم مشروع قانون لمناهضة العنف الواقع على النساء.

وعما يتميز به هذا القانون المطروح الآن وما سيقدمه للنساء قالت أن يتضمن صياغات للتعريفات المتعلقة بالعنف بما فيه الاغتصاب الزوجي باعتباره أحد أشكال العنف الغير مدرج بقانون العقوبات، فضلاً عن تقنين استخدام مواد الرأفة، ووضع صندوق لدعم ضحايا العنف بشكل عام، مشيرةً إلى أن القانون تطرق أيضاً إلى أدوات الحماية والوقاية من العنف سواء من خلال التشريع أو التغيير الثقافي الذي ينتفي معه جعل النصوص التشريعية حبر على ورق مما يفتح مجال أكبر لاحترام القانون وحماية النساء.

وأكدت على أن القانون اشتمل على ضرورة تأهيل الجناة لأن بعضهم يخرج أكثر سوءاً ويمارس نفس الجرائم وهذا الأمر أتضح جلياً في بعض قضايا التحرش لذلك يجب التأهيل لقبول حرية النساء وإعدادهم للتعامل معهن بشكل أكثر اتزاناً من السابق والذي أودى بهم للعقوبة القانونية.

وأضافت أن هناك جهود يجب أن تبذل أيضاً تتعلق بمسألة الإجراءات القانونية، ومنها على سبيل المثال التصالح والإفلات من العقوبة والتنازل عن القضايا وتغيير الأقوال في النيابة والجلسات العرفية، وغيرها من الأشكال التي يتم خلالها الضغط على النساء بلا أي نتيجة مجتمعية.

 

معوقات عمل المؤسسات النسوية في ملف العنف

أكدت على أن أحد أهم معوقات عمل المؤسسات النسوية على ملف العنف الذي يستند إلى النوع الاجتماعي يتمثل في الثقافة المجتمعية التي تتكيف وتتأقلم إلى حد كبير معه وهو ما ظهر جلياً خلال الفترة الأخيرة، لافتة إلى أن هناك آراء تعتبر ذلك العنف الممارس يستخدم كتحجيم لمساحات تواجد النساء على الساحة العامة، وتتعامل معه باعتباره عقوبة اجتماعية ضد النساء في حل ارتكابهم لأي خطأ.

وأوضحت أن هناك أدوات من شأنها أن تدعم عمل المؤسسات النسوية خاصة في هذا الملف ومنها الدعم المقدم من الإرادة السياسية، فمثلاً عند عرض مسلسل فاتن أمل حربي تلاه قرار بضرورة وضع قانون جديد وتم تشكيل لجنة لصياغة مسودته رغم أن المؤسسات النسوية تطالب بالأمر منذ أعوام، بلا جدوى في التنفيذ الفعلي لذلك فالاستماع لمثل هذه المطالب ودعمها سيسهل من مهمة العمل ويذلل الكثير من العقبات.

وأشارت إلى أن للعنف تكلفة اقتصادية يتحمل تبعاتها المجتمع أجمع وكلما كانت الإرادة السياسية متفهمة لمدى تأثير العنف على حياة النساء الفردية والاجتماعية، فالأمر لا يقف عند حد انتاجه مرة أخرى فحسب ولكنه أيضاً يكبد البلاد واقتصادها القومي الكثير من الخسائر وجميعها أمور تستحق التصدي بقوانين واضحة والتصديق على اتفاقيات أساسية لخلق التدابير والإجراءات التي تحمي النساء من العنف وهو الأمر الذي يساعد في تغيير النظر للعنف وخاصة الأسري منه.

ولفتت استشارية النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي وعضو مجلس أمناء مؤسسة المرأة الجديدة مي صالح إلى أن البعض يرى في مدارسه التوعوية أن الفتيات هن الأكثر احتياجاً للتوعية والتدريب، ولكن ما يحدث تغيير فعلي أن يتم توعية الطرفين فالطفل الذي ينشأ على الضرب والتمييز أو قبول الرفض أو حتى التعبير عن الخوف بالتبعية يخرج للمجتمع بأفكار مشوهة ويسئ لأفراده بينما العمل على تغيير تلك الأفكار سيصاحبه تطور في التعامل والسلوك العام.