دور الدراما في تقليل حدة العنف وقبول المجتمع له

لدى مصر تاريخ طويل حافل بأعمال درامية ساهمت في دعم رغبات المرأة وتلبية طموحاتها إلى حد كبير بشأن العمل والمنزل، بل والتطلعات السياسية والفكرية أيضاً.

أسماء فتحي

القاهرة ـ للفنون بمختلف أنواعها تأثير مباشر على جمهورها لما لها من فاعلية وقدرة على الوصول لمختلف الفئات، ويعد الاستهانة بما يقدم خلالها من رسائل أمر بالغ الخطورة لما ترسخه من قبول للأفكار بعضها قد يكون إجرامياً وهو ما قد يؤثر بالتبعية على أداء وسلوك الأطفال والمراهقين.

ملف العنف في مصر بات الأكثر تصدراً للمشهد خلال الأشهر الماضية والتعاطي مع مسبباته، أصبح ضرورة ملحة للخلاص من نتائجه الكارثية التي انتزعت سلام مئات الأسر واستقرارهم خاصة فيما يتعلق بحماية القاصرات خارج المنزل.

وأحد أهم القضايا التي اعتبرت مسببة للعنف تمثلت في التأثير السلبي للأعمال الدرامية على واقع الجمهور المتلقي والذي نسب إليها الكثيرين ما ظهر من تطبيع مجتمعي وقبول للعنف بعد واقعة قتل نيرة أشرف وأدانتها والدخول في تفاصيل حياتها الشخصية في محاولة لتبرئة قاتلها.

بينما رأى آخرون أن الفنون لا حدود لها ولا مقيد لما يطرح بها خاصة إن جانب ليس بالقليل منها جاء كانعكاس لما يحدث على أرض الواقع فعلياً معتبرين أن خفوت الأعمال الدرامية والفنون عموماً هو السبب وراء تفشي ظاهرة العنف لأنها إلى حد كبير تهذب السلوك والروح وتساعد في تنمية وعي وثقافة المشاهدين.

 

للفن تأثير كبير

للفنون بمختلف ألوانها دور رئيسي في استيعاب حالة العنف وذلك لأنها تهذب جانب كبير من سلوكيات المشاهدين ملبية جانب من رغباتهم وتطلعاتهم ومهدئة إلى حد كبير من روعهم بحسب أغلب المختصين الذين يرون في العودة لفتح هذا المجال ودعمه، خلاصاً من حالة التأزم التي راحت ضحيتها النساء مؤخراً سواء في المنازل المغلقة أو على أرصفة الشوارع.

وقالت مذيعة الراديو والصحفية هاجر كمال، أن للفن تأثير مباشر على ثقافة وأفكار المتلقي وذلك يتضح جلياً في رسائل التوعية الواضحة التي حملتها بعض الأعمال الدرامية في فترات متنوعة والتي استهدفت بشكل واضح تقويم سلوك المشاهدين وحثهم على نموذج من التعامل باعتباره الأمثل والأكثر إنسانية كما هو الحال في مسلسل "النساء قادمون" الذي ناقش قضايا النساء ومطالبهن سواء على صعيد العمل العام أو داخل المنزل وحقوقهن المجتمعية المفقودة والمقيدة بالأمومة.

ولفتت إلى أنه رغم تنوع وسائل المعرفة والوصول للجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إلا أن الفن وتحديداً الأعمال الدرامية لها النفوذ الاكبر لاستحواذها على قطاع جماهيري كبير وذلك لأنه الأبسط والأسرع وصولاً لجميع الفئات كباراً كانوا أو صغاراً مثقفين أو أميين.

 

 

بعض الأعمال الفنية كانت سبباً في زيادة معدل العنف

موجة من النقاشات والجدل سادت الأوساط الثقافية خلال الفترة الأخيرة حول التأثير السلبي لبعض الأعمال الدرامية على المشاهدين ودورها في تفشي أنماط جديدة وأكثر حدة من العنف لما أضفته من بطولة على "البلطجية" و"القتلة" و"المجرمين" في عدد من النماذج السينمائية التي تم تقديمها، بينما رأى آخرون أن الفن تعبير عن الحالة العامة ورسالته أكبر من المضامين والأطر المجتمعية.

وأكدت هاجر كمال على أن بعض الأعمال بالفعل أثرت سلباً وبشكل غير مباشر على أفكار عدد ليس بالقليل من المواطنين لأنها أضفت حالة من التقدير والحب على النماذج الإجرامية وجعلت من بعض أعمالهم رغم فجاجتها وإهانتها للمرأة بل واستباحة بعضها لقتلها النموذج المثالي والذي يحبه الجميع ومن ثم اقتدى به عدد من الشباب المراهق وبتن أشبه بها إلى حد كبير.

وأشارت إلى أنه بجانب الحبكة الدرامية يجب أن يراعي الكتاب الرسالة التي ستصل للمتلقي مع ضرورة التقليل من المشاهد السلبية التي تعمق في النفوس بعض الجرائم ومنها العنف حتى وإن لم تكن مباشرة لما لها من دور في زيادة معدل الجرائم وقبولها مجتمعياً خلال الفترة الأخيرة.

 

نموذج الأعمال الخاصة بالأسرة ودورها المؤثر مجتمعياً

يرى البعض أن الأعمال التي تعرض لواقع الأسرة المصرية تلمس قلب المشاهدين، وتساهم بشكل ما في تغيير واقعهم لما يرونه من نماذج قد تبدو مألوفة ومحببة إليهم خاصة إذا ما استقر بها الحال لنهايات خارج الصندوق وتجاوز أفرادها ما مروا به من مصاعب بدون اللجوء للجانب الإجرامي وبالتبعية ذلك يساعد في لفظ العنف وعدم قبول صورة مرتكبيه.

وأوضحت أن هناك عدد من الأعمال الدرامية خلال الفترة الأخيرة أثرت فعلياً على وجدان الثيرين وقدمت نماذج ايجابية ومنها "اعمل ايه" الذي عرض قصة أسرة والزوجة تعمل وتهتم بشؤونها وتعاني ضغوط وعنف من الرجال في عملها، ولكنها تجد الدعم من الزوج الذي يمتص كامل عصبيتها وغضبها بهدوئه، وكذلك مسلسل "العيلة" الذي كشف عن حجم معاناة المرأة التي تقوم بدور الأم وأب بعد سفر الأب وغيابه وسرد حجم الضغوط التي تقع على كاهلها.

وأشارت إلى أن المسلسلات التي طرحت خلال الفترة الأخيرة ساهمت في تجميع الأسرة مرة أخرى أمام الشاشة للاستمتاع بمختلف الأعمار، وهو الأمر الذي يجعل من التوجه للأعمال المتوازنة ضرورة، مؤكدة على أهمية وجود أعمال إذاعية لأن لها جمهور كبير أيضاً، معتبرة أن تقديم الرسائل عبر أدوات البث المباشرة من شأنه أن يقلل من حدة ومعدل العنف المنتشر.

 

تاريخ من الأعمال الدرامية كان يرسخ لمفاهيم داعمة للنساء

ومن جانبها قالت الصحفية المتخصصة في قضايا المرأة والفن فاتن صبحي أن مصر كان بها تاريخ طويل حافل بأعمال درامية ساهمت في دعم رغبات المرأة، واتحاد الاذاعة والتلفزيون انتج كم رائع من الأعمال التي ساهمت في بث رسائل هادفة ساهمت في ترسيخ أفكار للمتلقي بدون جهد وبسهولة متناهية.

وعن أهم الأعمال المعبرة عن ذلك النمط أوضحت أن مسلسل "أو العلا البشري" قدم المرأة الصحفية والموظفة ذات الشخصية الحرة والطموحة والتي لا تنصت للمحبطين بها، فضلاً عن الأفلام التي قدمت أنماط صارخة عن الضغوط وكان منها "اريد حلاً" و"أنا حرة" وغيرهم.

وعن الوضع الحالي قالت "أنه لا يقارن بالماضي على الإطلاق حيث باتت هناك نماذج ترسخ لإهانة المرأة وتنتقص من قدرها وتزيد من حجم القبول المجتمعي لتعنيفها فمن تعدد الأزواج لأربعة في بعض المسلسلات لعنف وسحل وطلاق وكأن ذلك طبيعي ومقبول وكأنه تقليدي".

 

 

حادث قتل نيرة أشرف نموذجاً لأعمال رسخت لتبعية المرأة

الحالة العامة التي سادت الشارع المصري بعد قتل نيرة أشرف اخافت الجميع خاصة عقب الظهور الفج لأنماط برروا لقاتلها وبحثوا له عن مخارج لتلك الجريمة وكأن هناك مبرر لقتل فتاة على مرأى ومسمع من الجميع، بينما راح قطاع أخر يلوم الضحية وكأنه أذنبت لأنها فقط اختارت موقفاً مغاير لرغبات ذلك الذكر الراغب في فرض سلطته عليها.                                                                                                                              

وعن أسباب ترسيخ تلك الأنماط في وجدان المواطن قالت "بفعل بعض الأعمال الدرامية التي أظهرتها كتابع أغلب الوقت وانتزعت حقها في الاختيار أو حتى تقرير المصير فبات أمرها في يد أخيها تارة وزوجها مرات عديدة والأب في أغلب الأوقات، وكذلك عرض رسائل غير مسؤولة حول قبول المرأة للضرب والإهانة وتعدد علاقات الزوج وبقائها محبة ومخلصة وكأن ذلك واجب عليها وذلك بالتبعية يؤثر على المتلقي ويشكل جانب من أفكاره.

وأوضحت أن الوضع الراهن بات يتطلب التدخل الإيجابي بعرض نماذج من الحياة التي يوجد بها معايير قبول الآخر وتقدير المرأة كجزء من هذا المجتمع وقبولها كإنسانة كاملة الملامح لا تحتاج لتقويم أو توجيه أو حتى فرض سيطرة وقرارات من الذكور وكأنهم الأكثر معرفة ودراية وقدرة على اتخاذ القرارات، مؤكدة أن الضرورة باتت تقتضي معالجة القضايا المجتمعية من خلال الأعمال الدرامية كما حدث في مسلسل "فاتن أمل حربي" الذي ناقش أزمة قانون الأحوال الشخصية وأثر فعلياً على القرارات السياسية وصدر قرار بإعادة النظر في هذا القانون والعكوف على عمل آخر أكثر تلبية لاحتياجات المواطنين.