عدم قدرة المرأة على الإنجاب لا يضعف قيمتها في المجتمع

تعاني النساء المغربيات اللواتي لديهن مشكلة ضعف الخصوبة أو صعوبات في الإنجاب الأمرين، أولاً ألم الحرمان من الأمومة، وثانياً صعوبة العلاج لكون رحلة المساعدة للظفر بطفل تتطلب قدرات مادية باهظة

حنان حارت
المغرب ـ ؛ وهو ما يجعل العديد من النساء يدخلن في دائرة اليأس.
الإعلامية والفاعلة الجمعوية عزيزة غلام، أول امرأة مغربية حملت هموم هذه الفئة للدفاع عنها وإيصال صوت النساء الحالمات بالأمومة إلى صناع القرار في المغرب من أجل أن تشملهن التغطية الصحية.
انطلقت عزيزة غلام من معاناتها الشخصية بعد أن أخبرها الطبيب أنها غير قادرة على الإنجاب، فأسست جمعيتها من أجل الدفاع عن حقها وحق النساء الأخريات اللواتي يشاركنها المشكلة نفسها.
تحدثت عزيزة غلام لوكالتنا في حوار معها عن همومها ومعاناتها كامرأة حالمة بالأمومة. وكيف أسست الجمعية؟ وماهي المكتسبات التي حققتها؟ وكيف ترى قضية الدفاع عن حقوق المرأة المغربية؟
 
كيف جاءتكم فكرة تأسيس الجمعية؟
جاء الإعلان عن فكرة تأسيس الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة "مابا" لأول مرة في المغرب، في شهر كانون الأول/ديسمبر 2012، عبر شبكة التواصل الاجتماعي، حين أخبرني الطبيب بأن أوقف جميع محاولات الإنجاب بسبب إصابتي بضعف في المبيضين، وعدم تمكني حتى من الظفر ببويضة واحدة للمرور إلى مرحلة التخصيب الخارجي؛ حينها كان من الصعب علي تحمل النبأ الذي نزل عليَ كالصاعقة.
ومنذ كانون الأول/ديسمبر 2012، تفاعل نساء ورجال مع الإعلان عن تأسيس الجمعية، فتعددت لقاءات التشاور وتبادل الأفكار حول الإجراءات التي يجب العمل عليها لخدمة الحالمين بالأمومة والأبوة.
هكذا كانت فكرة تأسيس الجمعية المغربية للحالمين بالأمومة والأبوة، نابعة من رحم المعاناة النفسية والاجتماعية والمالية التي تتعايش معها هذه الفئة في صمت مطبق، لقد جاءت الجمعية لتوضيح مختلف الصعوبات التي يتكبدها الأشخاص الذين يشكون من صعوبات في الإنجاب، في رحلتهم الشاقة وراء البحث عن الشعور بنعمة الذرية.
كان هدفنا هو لفت انتباه المسؤولين إلى قضيتنا وحثهم على اتخاذ جميع التدابير وتوفير جميع القوانين التي تساهم في توازننا النفسي، حفاظاً على تلاحم أسرنا، بعيداً عن الوقوف أمام محاكم الأسرة بسبب العجز عن الإنجاب.
قبل تأسيس الجمعية لم نكن نجد فضاءً أو فسحةً للحديث عما يدور في أذهاننا من أفكار، حيث يمكن أن نتبادل الحوار مع من يتقاسمون معنا الهموم والمساعي نفسها لأن شعور المحروم من الأمومة أو الأبوة لن يفهمه، في تقديري، إلا من عاش هذه التجربة ومن هنا كانت فكرة تأسيس الجمعية برفقة نساء أخريات كنت التقيتهن في عيادات طبية مختلفة.
وهكذا انتقلت هذه العلاقات من فضاء قاعة الانتظار إلى ربط اتصالات هاتفية، وعقد لقاءات في فضاءات عمومية، قد تكون مقهى أو مطعم، حيث كانت كل واحدة منا تلعب دور المستمع. فضاء بمثابة حصة للتفريغ عما يجول في الخاطر، تارةً يصاحبها بكاء وتارةً أخرى ضحك على تجاربنا للانتعاش بشعور من الارتياح.
 
الحالمات بالأمومة في المغرب اللواتي يعانين من مشاكل في الخصوبة يصطدمن خلال رحلة العلاج بعدة معوقات، هلا وضحتم بعض هذه الجوانب؟
العلم يتيح للزوجين إمكانات للاستفادة من تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب، إلا أن غلاء الكلفة الاجمالية التي تنطلق من 30 ألف درهم (3000 دولار تقريباً) وقد تصل إلى 45 ألف درهم (ما يقارب 4500 دولار)، في الشهر الواحد، حسب اختلاف المراكز المتوجه إليها ونوع صعوبة الإنجاب هو ما يحول دون الولوج السهل إلى العلاجات بالنسبة إلى الجميع.
 
ما هو أهم إنجاز تعتقدون أنكم حققتموه للنساء الحالمات بالأمومة؟
أولاً تأسيس الجمعية في حد ذاته، لأنه عن طريق جمعية "مابا" شرعنا في تكسير التابو وإخراج ضعف الخصوبة والعقم إلى دائرة الضوء، ثانياً المساهمة في توفير قانون المساعدة الطبية على الإنجاب ثم إدراج الأدوية ضمن التغطية الصحية. هذا جزء من أحلامنا، فأدوية الخصوبة تشكل مدخلاً مهما للولوج إلى العلاجات، لا سيما إذا علمنا أن كلفة الأدوية تشكل ما بين 40 في المئة إلى 50 في المئة من الكلفة الإجمالية للعلاجات في إطار المساعدة الطبية على الإنجاب.
وبداية المكتسبات، هي صدور قائمة الأدوية المعوض عنها ضمن نظام التغطية الصحية، والتي تشمل الأدوية التي تدخل في المساعدة الطبية على الإنجاب.
كما تحقق مطلبنا الرامي إلى توفير قانون المساعدة الطبية على الإنجاب، والذي نشر بالجريدة الرسمية، والذي كان موضوع مطلبنا لأجل وضع إطار قانوني يصون حق الزوجين، في وضعية ضعف الخصوبة، للوصول إلى خدمات صحية ذات جودة، وضمان حقهما في التغطية الصحية للولوج إلى التشخيصات والعلاجات الضرورية.
 
كيف استقبلتم تجاوب وزارة الصحة المغربية وإعادة مصاريف أدوية الخصوبة برسم نظام التأمين؟ 
يعد خبر التغطية الصحية للأدوية مفاجأة بالنسبة إلى جميع الحالمين بالأمومة والأبوة؛ لأنه جاء بعد سنوات من النضال والترافع لدى المؤسسات الرسمية المعنية.
فمنذ تأسيس الجمعية ونحن نرفع مطلب التغطية الصحية على رأس قائمة المطالب التي نوجهها إلى مختلف الجهات المسؤولة، إلى الوكالة الوطنية للتأمين الصحي ووزارة الصحة، ليتمتع الزوجين بحقهما في تغطية مصاريف تشخيص وعلاج ضعف الخصوبة.
كنا دائماً نطالب باتخاذ جميع الإجراءات والسبل الكفيلة بتسريع وتيرة خروج التغطية الصحية إلى حيز الوجود، لا سيما في ظل غلاء الأدوية والتشخيص ومختلف الخدمات الطبية والصحية التي يتطلبها علاج ضعف الخصوبة، والتي تتراوح كلفتها الإجمالية، ما بين 30 ألف درهم وقد تصل إلى 45 ألف درهم، في الشهر الواحد، حسب اختلاف المراكز المتوجه إليه ونوع صعوبة الإنجاب، أخذين بعين الاعتبار أن التكفل الطبي بالزوجين في وضعية ضعف الخصوبة يتطلب تدخل مجموعة من التدخلات الطبية.
وأتوجه بالشكر الجزيل إلى جميع الحالمين بالأمومة والأبوة على صبرهم وعلى نضالهم. أشكر كل من رئاسة الحكومة ووزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وجميع الجمعيات العلمية الطبية المغربية وكل الفاعلين في قطاع الصحة، بكل فئاتهم، وكليات الطب، البرلمانيات والبرلمانيين ونساء ورجال الإعلام، بكل فئاتهم، وإلى كل من خانتني الذاكرة في ذكر صفتهم وموقعهم، لهم مني أكبر تقدير واحترام وشكر جزيل لما بذلوه من مجهودات، سواءً في السر أو العلن، على ترافعهم لأجل نصرة قضيتنا والتعريف بها والدفاع عنها لتحقيق هذه النتيجة التي تعد بداية مشرقة في مسار تمتيع الراغبين في الإنجاب بتغطية صحية شاملة.
 
هلا وضحتم لنا مسار ترافعكم لأجل هذه القضية؟
لم يكن الأمر هيناً لتحقيق النتائج الحالية، كونها تطلبت منا صبراً ومثابرة وعدم الاستسلام لواقع الحال. النضال يتطلب العمل والكد والاجتهاد وتعزيز التواصل مع الجهات المسؤولة وطرق جميع الأبواب وعدم الملل في تكرار المطالب في مناسبات عدة، ومختلف الندوات الوطنية التي حضرها مسؤولو وزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي، كما كنا نشرك معنا الجمعيات العلمية ومختلف العاملين في مجال الصيدلة والدواء والمستشفيات الجامعية وغيرهم لأجل مناقشة قضايا ضعف الخصوبة والعقم وسبل تسهيل ولوجهم إلى العلاجات. كما أننا هيأنا كتاباً أبيضاً حول وضعية ضعف الخصوبة ووجهناه إلى الوكالة الوطنية للتأمين الصحي عام 2015، ثم أطلقنا حملتين للتوقيع على مطالب الجمعية الخاصة بالتغطية الصحية ورفعنا نتائجها إلى رئاسة الحكومة عام 2017، ثم خضنا حملات تواصلية عبر وسائل الاعلام بمختلف أنواعها، ولهم مني أفضل شكر وامتنان. إلى جانب عقد مجموعة من اللقاءات والاجتماعات مع الجهات المسؤولة بوزارة الصحة والوكالة الوطنية للتأمين الصحي وعدد من الجهات على مستوى البرلمان وعدد من الجهات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها في هذا المجال. كل هذا يتطلب وقتاً وجهداً وتركيزاً وتطوير أساليب متعددة لإقناع الجهات المسؤولة بطرحنا وعدالة مطلبنا.
 
هل يقف نضالكم كجمعية عند هذا الحد؟ 
لا، نحن مستمرون فهذه المكتسبات ماهي إلا لبِنات أولى في مسار دفاعنا عن الحالمين بالأمومة والأبوة. الآن نطالب وزارة الصحة بإتمام هذا العمل وصون مكتسباته بتوفير النصوص التنظيمية الخاصة بقانون المساعدة الطبية على الإنجاب وتوفير استراتيجية وطنية للمساعدة الطبية على الإنجاب، في إطار حق ضعاف الخصوبة في خدمات الصحة الإنجابية لرفع حظوظهم في الإنجاب، مع التأكيد على فتح مراكز جهوية للعلاج وتقريب الخدمات من المواطنين في جميع مدن المملكة.
أما الوكالة الوطنية للتأمين الصحي فإننا نطالبها بتوسيع التغطية الصحية لتشمل تقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب ومختلف التشخيصات الطبية والاشعاعية والبيولوجية والعمليات الجراحية التي يتطلبها علاج ضعف الخصوبة، سواءً بالنسبة إلى الحاصلين على تأمين صحي عن المرض أو الحاملين لبطاقة "راميد".
 
برأيكم هل وجود أطفال في الأسرة ضروري لاستمرار العلاقة الزوجية؟
لا، الأمر غير صحيح، وجود الأطفال ليس ضرورة لاستمرار العلاقة الزوجية. لكن الشغف إلى الأمومة والأبوة ضرورة فطرية يشعر بها الكائن الحي. الشعور بالأمومة والأبوة هو حاجة فطرية، بيولوجية، نفسية واجتماعية واقتصادية، لدى المرأة والرجل على حد سواء، تختلف حسب المجتمعات والأزمان، لكن المؤكد أن الكائن الحي يتوق إلى أن يعطي الحياة لكائن حي آخر. تلك هي سنة الخلق. اجتماعياً، الزوجان في وضعية ضعف الخصوبة يشعران بوجود حاجة ماسة إلى الإنجاب استجابة لرغبة ذاتية وأخرى اجتماعية تهدف إلى الاستجابة للمعايير التي يضعها المجتمع، بشكل اللاوعي، يتشكل مع التنشئة الاجتماعية وتعززه التصورات والتمثلات الاجتماعية الأكثر سيادة في الحياة الاجتماعية والتي تجعل من الزواج طريق إلى تأسيس أسرة والتي لا تكتمل عناصرها إلا بوجود أطفال. 
 
هل عدم قدرة المرأة على الإنجاب يقلل من قيمتها داخل المجتمع؟
الجواب على هذا السؤال يستوجب إجراء دراسة سوسيولوجية لتكون المعطيات مبنية على سند ومعطيات واقعية وموضوعية.
أما إذا أردت جواباً فيه الذاتية، فالإنجاب لم يضعف من قيمتي في المجتمع، انطلاقاً من تجربتي الشخصية، لكن لا أُعَد المقياس، لابد من إجراء دراسة سوسيولوجية حول الموضوع في اعتقادي، وهذا مجال خصب للباحثين في علم الاجتماع، ونحن نحاول كجمعية الانخراط فيه من خلال استقبال الجمعية لعدد من الباحثين السوسيولوجين، من المغرب والخارج، وننتظر نتائج دراساتهم بهذا الخصوص.
 
كإعلامية وفاعلة جمعوية... كيف تقيمين عمل المنظمات النسائية في المغرب؟
عمل رائع جداً، كون هذا العمل ساهم في إحداث عدد من التغييرات الإيجابية لصالح أعضاء الأسرة المغربية وبالتالي لصالح المجتمع، ما ساهم في تحسين كثير من القضايا الأسرية وحماية الأفراد الأكثر هشاشة في المجتمع، من الناحية الاجتماعية والاقتصادية.
المنظمات النسائية لعبت دوراً مهماً في لفت انتباه متخذي القرار إلى عدد من القضايا والترافع عليها لأجل وضع لبِنات ومقتضيات قانونية من شأنها إرساء حقوق أفراد الأسرة.
من المؤكد أن عملهم مستمر في الزمان والمكان بالنظر إلى أن القضايا الأسرية دائماً في تجدد ويحتاج الأمر إلى مواكبتها والترافع عنها والتحسيس بها.
العمل الجمعوي يتطلب نفساً طويلاً وعملاً دؤوباً ويقظة مستمرة مع تجدد القضايا المجتمعية لأجل النهوض بها كلما كانت تحتاج إلى ذلك.
 
كيف ترون مبادرة رفع عريضة تفعيل المناصفة إلى البرلمان المغربي؟
هي مبادرة منصفة لنصف المجتمع المغربي. مبادرة مهمة كونها ستعطي للمجتمع فرصة الاستفادة من القدرات الهائلة التي تتمتع بها النساء في التسيير والإدارة وتولي مراكز القرار، علماً أن لدينا طاقات نسائية هائلة يجب الاستفادة من خبرتهن في الحياة ولهن كفاءات علمية وأكاديمية كبيرة؛ يكفي أن نعود إلى الاحصاءات المقدمة حول عدد النساء اللواتي يواصلن تعليمهن واللواتي يصلن إلى تكوينات تتطلب مهارات خاصة، تنجح فيها بشكل بارع. إذاً المناصفة هي منصفة ليست للمرأة وحدها وإنما منصفة للمجتمع أيضاً.