عدم القدرة على دفع الإيجار يرمي بنازحات وعوائلهن في الشوارع

تتوالى التقارير الدولية المحذرة من مخاطر استفحال المأساة الإنسانية والمعيشية، التي تفتك بملايين السوريين، جراء تراكمات الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ما يزيد عن اثنا عشرة عاماً.

هديل العمر  

إدلب ـ تعرضت نازحات في إدلب وشمال غرب سوريا للطرد مع أطفالهن وسط البرد القارس من قبل أصحاب المنازل لعدم قدرتهن على دفع الإيجار الذي تجاوز قدرتهن المادية على التحمل وسط الفقر وغياب المعيل وقلة فرص العمل.

وجدت النازحة من مدينة سراقب ومقيمة في مدينة إدلب خولة البرهوم (38) عاماً نفسها فجأة في الشارع مع أطفالها الخمسة بعد أن ألقى صاحب منزل في مدينة إدلب أثاث منزلها وممتلكاتها في الطريق لعدم تمكنها من دفع إيجار المنزل بعد رفع سعره.

تقول وقد امتلأت عيناها بدموع القهر والظلم أنها لم تعد قادرة على تسديد إيجار المنزل بعد أن طالبها المالك بزيادة، فبعد أن كانت 75 دولار أصبح يتوجب عليها دفع 125 دولار، لقاء منزل صغير بغرفة واحدة ومنافعها، وخاصة بعد خسارتها لعملها في إحدى ورش الخياطة بعد نقل صاحب العمل ورشته إلى مدينة أخرى وبقائها بلا عمل.

وتضيف أنها تعيش مع أطفالها بلا معيل منذ قرابة الأربع سنوات بعد وفاة زوجها بالقصف الذي طال مدينة إدلب، لتقع كامل المسؤولية عليها في تربية أبنائها والاهتمام والإعالة في الوقت الذي لا تمتلك فيه أي شهادة علمية، لتفكر بالاستفادة من خبرتها المهنية السابقة في الخياطة وتعمل بإحدى الورش من أجل تغطية نفقات أبنائها وإيجار المنزل.

غير أن فقدان عملها جعلها في موقف صعب، حيث طلبت من صاحب المنزل أن يصبر ريثما تتمكن من إيجاد عمل بديل غير أنه لم يصبر أكثر من شهر لتجد نفسها مرمية في الشارع بلا حل لمشكلتها أو حقوق تمنع طردها بهذا الشكل المجحف.

وتضع خولة البرهوم اللوم على حكومة الأمر الواقع لعدم ضبطها أسعار الإيجارات أو التدخل لمنح حقوق للمستأجرين وعدم تركهم عرضة للطرد والاستغلال ودفع مبالغ تفوق قدرتهم.

وإن كانت تقر سلوى الناجي (42) عاماً بحق صاحب المنزل بالحصول على حقه في الإيجار، غير أنها تستنكر فعله بأن يرمي امرأة في الشارع مع أبنائها فقط لأنها لم تتمكن من الدفع.

وتقول إنها تعرضت لموقف مشابه لسابقتها حين رمى صاحب المنزل الذي تقيم فيه بمدينة سلقين شمال غرب إدلب بأشيائها في الشارع وتركها تبكي مع أطفالها ولا تعلم ماذا تفعل وأين تذهب بعد أن عجزت عن دفع إيجار المنزل البالغ 100 دولار بعد اضطرارها لدفع هذا المبلغ لشراء مواد تدفئة تمنع عن أجساد أطفالها البرد، واعدة صاحب المنزل بتعويضه في أشهر لاحقة غير أنه رفض الصبر وطالبها بالدفع الفوري مع نهاية كل شهر وإلا الطرد وهو ما نفذه فيما بعد بلا تردد.

ولم تقدم سلوى الناجي شكوى على صاحب المنزل نظراً لانتمائه مع العديد من تجار العقارات والمستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال إلى ما يسمى بـ "هيئة تحرير الشام".

واضطرت للانتقال للعيش في منزل أحد اقربائها ريثما تتمكن من إيجاد منزل آخر بأجر أقل، حيث لا تستطيع أن تترك المدينة وتنتقل للعيش في المخيمات لأنها ستخسر عملها في مدينة سلقين كمستخدمة بأحد مراكز منظمات المجتمع المدني براتب لا يتجاوز الـ 200 دولار أمريكي.

وعمليات النزوح المتكررة خلقت طلباً متزايداً على المنازل والمكاتب العقارية في مدن إدلب وبلداتها، وهو ما أدى لاستغلال أصحاب العقارات لزيادة الطلب ورفع أسعار الإيجارات، مما أثقل كاهل النازحات المعيلات، وسط تحديات وصعوبات متزايدة، وارتفاع مستمر في الأسعار ومعدلات البطالة والفقر، حيث بلغت إيجارات المنازل بين 75 ـ 300 دولار بحسب سعة كل منزل، دون أي استجابة لمطالب النازحين بوضع حد للارتفاع المستمر للأسعار.

 

المرشدة النفسية والاجتماعية رندة البيطار، قالت إن النازحات المعيلات في إدلب وشمال غرب سوريا ما تزلن تناضلن للحصول على حقهن في المسكن الآمن والعيش الكريم في خضم ما تعيشه المنطقة من تداعيات.

وطالبت سلطات الأمر الواقع بالعمل على حل مشكلات هذه الفئة من المجتمع على الأقل بتأمين أدنى متطلبات حياتها وحياة أبنائها وحمايتها من الاستغلال وسط ما تعيشه من ظروف بالغة التعقيد بلا سند أو معيل.

وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في تقرير له صدر مؤخراً إن هناك ارتفاعاً بأعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سورية عموماً، وصل إلى 17.3 مليون نسمة في نسبة هي الأعلى منذ 2011 بزيادة 1.4 مليون مدني عن العام الماضي، وتظهر الأرقام بوجود 54 % من المحتاجين بدرجة شديدة و22% بدرجة شديدة للغاية و1.3% بدرجة كارثية.