ضحايا للعقلية والقوانين الأبوية... قصص نساء اضطررن للانتحار

يتزايد العنف ضد المرأة في المجتمعات المختلفة وهو ينبع من عوامل مثل العقلية الأبوية، وسلطة الرجل وملكيته، وكسر إرادة المرأة وإجبارها على البقاء في المنزل للسيطرة الكاملة على جسد وروح المرأة.

سارة محمدي

جوانرود ـ العنف ظاهرة ذات أبعاد واسعة ولا يمكن اختزالها في العنف النفسي واللفظي والجسدي والجنسي. في نظام الحداثة الرأسمالية، الذي عرف نفسه بشعار الديمقراطية والحرية، يمكن للمرء أن يلاحظ العنف وأبعاده البشعة قبل كل شيء. عندما نتحدث عن العنف ضد المرأة، فهو قضية عميقة ومتجذرة للغاية ولا يمكن اعتبارها ناشئة عن ظاهرة واحدة، ولكن يمكن القول بوضوح أن العنف ضد المرأة هو نتاج النظام الأبوي.

للعنف ضد المرأة تاريخ طويل وكانت النساء أول من تم استغلالهن من قبل نظام الدولة بكل الطرق. إن حرمان المرأة من المجالات الاجتماعية وحصرها في المنزل وتقليص دورها في التدبير المنزلي والتربية واستخدام المرأة كعمالة رخيصة يعتبر من أساليب العنف. في نظام الحداثة الرأسمالية هناك نظرة شبيهة بالسلع للمرأة، واستخدام الدعاية لأجساد النساء هو من أشد أشكال العنف ضدهن.

فقتل النساء بذريعة الشرف والتقاليد والعادات هو مثال على العنف الثقافي، الذي يُلاحظ بكثرة في مجتمعات الشرق الأوسط، وخاصة في إيران وشرق كردستان. وفي هذا الإطار أجرت وكالتنا مقابلة مع العديد من النساء وأقاربهن من ضحايا وشهود المواقف والقواعد والتقاليد الأبوية.

 

"لو لم يقتل ابنتي لسبب بسيط لما انتحرت"

أثناء حملها لصورة ابنتها شهين، تروي غزالة. م التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل، قصة حياتها "كانت ابنتي جميلة جداً وهي الابنة الأكبر في العائلة. كانت في الصف الثاني عشر عندما أضرمت النار في جسدها".

وعلى الرغم من مرور خمسة أعوام على وفاة ابنتها، إلا أن والدتها تبكي عندما تتحدث عنها "لدي ثلاث بنات أخريات لكن لن تصبحن أي منهن شهين فهي مهذبة ولطيفة. ذات يوم علم والدها أن لديها صديق شاب وعندما عاد إلى المنزل أنهل عليها بالضرب دون أن يسألها عن الشاب".

وأضافت "حاولت منعه لكني لم أستطع، لقد ضرب ابنتي حتى أن تعب فتركها، بدأت آثار الكدمات تظهر على جميع أنحاء جسدها. بكيت ابنتي كثيراً حتى نامت، ثم ألقيت عليها الغطاء وذهبت للنوم. وعندما استيقظت على صوت صراخ ابنتي ذهبت إلى غرفتها لم أجدها هناك حتى رأيتها في فناء المنزل وهي تحترق، ولم أصدق أن ابنتي انتحرت".

وأوضحت أن حروقها كانت شديدة أي ما يقارب 85% من جسدها محترق وقال لهم الأطباء بأن ينقلونها إلى المنزل لأنها ستفقد حياتها، ولم يكن بوسعهم فعل أي شيء، حتى توفيت في اليوم التالي.

وقالت غزالة. م أنه "لم أغفر لزوجي حتى الآن، لن أسامحه أبداً، إنه قاتل ابنتي الجميلة. لو لم يقتل ابنتي لسبب بسيط لما انتحرت"، لافتةً إلى أن العنف ظاهرة تتفاقم بشكل كبير "نعيش في عصر يتعرض فيه جميع الناس، بمن فيهم النساء والأطفال، للعنف بطرق مختلفة".

 

فقدت كل جمالها بعد محاولتها الانتحار مرتين

زهرة علي تبلغ من العمر 21 عاماً ولديها ابن يبلغ من العمر 5 سنوات. تروي قصة حياتها بالقول "عشت أنا وإخوتي طفولة صعبة. لا أتذكر والدي العامل جيداً. تقول أمي أنه عندما توفي أصبحنا أفقر من ذي قبل نحن الأطفال الستة. لقد نشأت بلا شيء، وقد ربانا أخي الأكبر. كان أخي يبلغ من العمر 27 عاماً عندما سقط من مبنى أثناء عمله وتوفي، وحصلت على تأمين الوفاة".

وأضافت "كان عمري 15 عاماً عندما طرق الخاطب الأول بابنا. لقد قبلت هرباً من الفقر فليس أمامي خيار آخر، ولم تقل والدتي أي شيء ووافقت على زواجي. بعد الزفاف اكتشفت أن زوجي مدمن على تناول الخمر. لكني لم أخبر أحداً. كان زوجي يعمل في الفرن ولم اشتكي من معاملته إلى أن بدأ بتعاطي المخدرات".

عندما عنفها زوجها في المرة الأولى بعد تعاطيه المخدرات لم تستقبلها عائلتها وأعادتها إلى منزل زوجها لتتناول أدوية مختلفة في محاولة منها لإنهاء حياتها "كسرت يدي اليمنى وأصبت بألم في جميع أنحاء جسدي. عدت إلى منزل عائلتي، قالت والدتي إنه سيكون من العار أن أقول إن ابنتي تزوجت منذ 6 أشهر وعادت إلى منزل العائلة، وفي نفس الليلة التي عدت فيها إلى المنزل مع زوجي، وبدلاً من يعتذر لي صفعني، فجمعت عدة علب من الأدوية التي كانت لدينا في المنزل على ما أعتقد 4 أو 5 علب مختلفة وتناولتها دفعة واحدة".

لحسن الحظ تم إسعافها إلى المشفى وإجراء غسيل لمعدتها، تقول عن تلك الحادثة "فتحت عيني وظننت أنني في الجحيم. لكنني كنت في المستشفى. تم غسل معدتي. لقد حملت بعد أقل من شهر. كنت أعاني من حمل صعب، وفي ذلك الوقت لم يعنفني زوجي، لكني أذكر أنني عدت إلى منزل عائلتي عدة مرات خلال عامين فقط من الزواج وفي كل مرة يجبرني أخي على العودة إلى زوجي".

أما عن محاولة الانتحار الثانية فتقول زهرة "كان ابني يوسف يبلغ من العمر عامين عندما تشاجرت مع زوجي بسبب تعاطي المخدرات وكنت غاضبة جداً من نفسي وعائلتي وزوجي لدرجة أنني لم أفهم كيف صببت الزيت على جسدي وأضرمت النار في نفسي".

وأضافت عن الحادثة "قال الأطباء أن 35 بالمئة من جسدي احترق وتم نقلي إلى أصفهان ولا يمكنني الحديث عن الألم والمعاناة في تلك الأيام. وجهي مجعد تماماً وبعد 4 عمليات تجرأت على مغادرة المنزل لأول مرة".

تقول زهرة علي المنفصلة الآن عن زوجها، عن تجربتها في الانتحار "لو عاد بي الزمان لعدت إلى عائلتي وانفصلت عن زوجي دون أن أحاول الانتحار، نظرات الشفقة تؤلمني وتساؤلاتهم أيضاً تدمر شخصيتي".

 

"تغلغلت العقلية الأبوية في المجتمع بأكمله"

تقول بهار. ن واحدة من النساء اللواتي حاولن إنهاء حياتهن ذات مرة، لكن التفكير في مستقبل ابنتها منحها الأمل "لقد تزوجت وأنا في الرابعة عشر من عمري لأن وضع عائلتي المادي لم يكن جيداً، انتهى زواجي الأول بالطلاق بسبب تشدد زوجي، بعد مرور بعض الوقت على زواجي الثاني أنجبت ابنتي، أعاني من مشكلة كبيرة في حياتي وهي العنف الجنسي".

وأضافت "ذات يوم عندما كنت مستاءة صببت الزيت على جسدي لأضرم النار في نفسي للتخلص من هذه الحياة، لكن بعد النظر إلى ابنتي وحقيقة أن مستقبلها قد يدمر مثل مستقبلي، توقفت عن فعل ذلك"، مشيرةً إلى أن "كل النساء في شرق كردستان تعانين من الفكر الأبوي الذي يدفع الآلاف منهن إلى إنهاء حياتهن".

 

الانتحار ليس حلاً لأي ألم

وعن محاولتها إنهاء حياتها تقول سارا. م البالغة من العمر 38 عاماً وأم لطفلين "أنا ربة منزل وحاصلة على بكالوريوس في الآداب، أما زوجي فهو موظف، عشت حياة جيدة وتزوجت عن حب، لقد فقدت والدي في الطفولة ولكن لدي ذكريات جميلة معه، الأب الذي كرس حياته كلها لأبنائه، لم يسمح حتى لشقيقي الأكبر بالنظر إلينا. لطالما قال إن الفتيات مثل الزهور، إنهن يكبرن بشكل أفضل إذا انتبهت لهن. لهذا السبب كبرت وأنا حرة في فعل ما أريد وما أختاره، لقد تعلمت دائماً ما يجب فعله وما يجب تجنبه وبين السيئ والجيد من والدتي".

وأضافت "بعد الجامعة تزوجت. لم أتعلم أن أطلب الإذن من أي شخص للخروج من المنزل أو الذهاب إلى منزل والدتي، لذلك واجهت الكثير من المشاكل مع زوجي في وقت مبكر من حياتي. حتى الآن، لا يزال يعتقد أنه يجب على المرأة أن تطلب إذن الرجل لمغادرة المنزل. لكنه معتاد على عملي. ذات يوم عندما ذهبت للتسوق، بعد عودتي خضت شجاراً كبيراً مع زوجي، لقد قال أشياءً دمرتني كثيراً، كنت مستاءة للغاية لدرجة أنني صببت الزيت على جسدي في ساحة منزلنا الذي كنا نستأجره، ولكن لم أجرؤ على إشعال عود الثقاب، قلت لنفسي أنت حمقاء ستقتلين نفسك، من المؤسف أن تشعلِ النار في نفسك من أجل رجل. ثم ندمت وذهبت إلى الحمام واغتسلت، واتصلت بأخي ليأتي. وذهبت معه إلى منزل والداتي. لم أعد إلى زوجي لمدة شهر. لقد وعد والدتي وأخي أنه لن يعاملني بهذه الطريقة مرة أخرى. والآن أعيش حياة جيدة ولدي طفلان".

 

لن أنسى أبداً مقتل أختي

فرزانة. ر هي أخت فرشته البالغة من العمر 16 عاماً، والتي ماتت لأنها رفضت الزواج، تقول فرزانة عن قصة أختها "لقد درست أنا وأخواتي حتى الصف الخامس. في قريتنا، كانت هناك مدرسة واحدة فقط حتى المرحلة الابتدائية، وكان علينا الذهاب إلى القرية المجاورة للدراسة. اعتاد أبي وشقيقي الأكبر أن يقولوا على الفتاة أن تتزوج مبكراً فماذا يفعلون لو أرادت الدراسة؟".

وأضافت عن تلك الفترة "لم تنتحر أختي بل قتلها أخي، تشاجر أخي مع أختي لأنها لم تقبل الزواج من شخص يمتلك المال، ووالدي لم يتدخل بينما باءت كل محاولات أمي لإنهاء الشجار وإيقاف أخي عن تعنيف أختي بالفشل، كانت أختي مصابة بكدمات في جميع أنحاء جسدها".

وتستذكر تلك الحادثة والاتهامات التي وجهت لشقيقتها فرشته بالقول "صرخ أخي وقال لها لا بد أنها على علاقة بأحدهم لذلك ترفض الزواج، وهددها بأنه إن لم تقبل بهذا العريس فإنه سيحرمها من الزواج طيلة حياتها، ولم يستمع لشقيقتي التي قالت إنها لا تريد الزواج بهذا الشخص وتعده كأخ لها".

عندما جرت الحادثة كان ما يزال عمر فرزانة. ر 11 عاماً، وتصف أخيها بالقول "هذا الأخ عديم الضمير لم يترك أختي. كنت طفلة وخائفة جداً لدرجة أنني كنت أبكي طوال الوقت. بعد الضرب المبرح الذي تعرضت له أختي نام الجميع، وعند صلاة الفجر استيقظنا على صراخ أمي. كانت أمي قد ذهبت لتتوضأ لكن باب الحمام كان مقفلاً وعندما تمكنت من فتحته وجدت جثة أختي مقطعة".

 

أم لثلاثة أطفال ضحية إساءة المعاملة

خلال حديثها عن قصة حياة والدتها "ليمو" تبدوا منى محمد البالغة من العمر 16 عاماً كما لو أنها تبلغ من العمر 30 عاماً "منذ 7 سنوات، شنقت والداتي نفسها في هذا المنزل وماتت، كنت طفلة حينها، اعتقدت آنذاك أنه لو أن والدتي كانت تحبنا أنا وشقيقي الصغيرين، لما كانت فعلت ذلك، لكنني الآن أدركت أنها أنهت حياتها بسبب والدي".

وأوضحت أن والدها توفي بسرطان البروستات العام الماضي "كان لوالدي 8 أبناء من زوجته المتوفاة، وبعد وفاة زوجته، تزوج بوالدتي التي كانت في نفس عمر أبنه الأكبر، كان دائماً يضرب والداتي أمام الأطفال وأهالي القرية. أتذكر ذات مرة عندما كسرت يد أمي، كان أخي الصغير متين يبلغ من العمر عاماً واحداً فقط في ذلك الوقت، وبهذه اليد المكسورة كانت تعتني بالأطفال وتقوم بأعمال القرية وتربية الحيوانات، كان والدي غاضباً جداً فصب جل غضبه على والدتي، لقد تسبب في إحداث مشكلة نفسية لديها عانت على إثرها من اكتئاب حاد دفعها إلى الانتحار".

وعن وفاة والدتها تقول "كانت والدتي تستيقظ في الصباح الباكر للعمل في القرية، وكان عليها أن ترسل أبقارنا إلى الجبال مع الراعي. لم توقظنا أبداً، تجهز الإفطار لوالدي، وتقوم بأعمال المنزل ثم تيقظنا في حوالي الساعة العاشرة. عندما رأيت جثة أمي المختنقة في إطار الباب، صرخت كثيراً لدرجة أنني لم أستطع التحدث لمدة أسبوع. غادرت والدتي وتركتني أنا ابنة التاسعة من العمر وإخوتي يبلغون من العمر 3 و5 سنوات، وحدنا في هذا العالم".