ذوي الاحتياجات الخاصة يطالبون بتفعيل التأمين الطبي في فلسطين

يعاني ذوي الاحتياجات الخاصة من مشكلات لا حصر لها في البلدان النامية والحال كذلك في فلسطين

رفيف اسليم 
غزة ـ ، بداية من عدم موائمة الأماكن لهم لتسهيل مهامهم اليومية، إلى عدم تمكينهم بشكل جيد في تلك المجتمعات وانعدام فرص العمل، بالرغم من نيل أغلبهم درجة البكالوريوس في مختلف التخصصات الجامعية وكفالة القوانين المحلية والدولية لذلك.
لكن مشكلة التأمينات الطبية مختلفة نوعاً ما لأنها تمس صحتهم ووجودهم بشكل مباشر، فكيف سيتكمن شخص لا يستطيع الحصول على عمل بسبب الظروف التي فرضها المجتمع عليه من التكفل بمبالغ العلاج الباهظة؟ وكيف يستطيع ذو الإعاقة السمعية من أن يُفهم الطبيب مشكلته إن لم يكن هناك مترجم إشارة بين الطبيب ومريضه؟
تلك الأسئلة وأكثر تم طرحها من قبل ذوي الإعاقات، لتسلط وكالتنا (NUJINHA) الضوء عليها من خلال مقابلات خاصة تم إجرائها مع عدة أشخاص. 
تقول مزيونة خضر (41 عاماً) وهي من ذوي الإعاقة البصرية، أن التأمينات الطبية لا زالت في قطاع غزة غير موجودة فيوضع الأشخاص ذو الإعاقة تحت بند الشؤون الاجتماعية أو العمال، لافتةً أنها غير قادرة على ممارسة حياتها اليومية بشكل عادي؛ لعدم موائمة الأماكن وانعدام فرص العمل التي كفلها القانون الفلسطيني بنسبة لا تقل عن 5 بالمئة في المؤسسات.   
وتضيف مزيونة خضر أن فايروس كورونا زاد من معاناتها كون إعاقتها بصرية مما يعني اعتمادها على حاسة اللمس بشكل مباشر في كل خطوة تخطوها، وزيادة خوفها من الإصابة بالفايروس حتى وهي في منزلها، فتضطر للمداومة على التعقيم ولبس الكمامة والكفات "القفازات" بشكل مستمر، مشيرةً إلى أن جميع تلك الأدوات الجديدة بالنسبة لها أضافت على كاهلها مبلغ مادي إضافي للمصروفات الأساسية التي بالكاد توفر. 
وتكمل مزيونة خضر أنها تعمل كمتطوعة في الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة ولا تتلقى أي مبلغ مادي إثر ذلك، وعندما طرحت مشكلة العمل على بعض المسؤولين في قطاع غزة كانت حجتهم أن الانقسام الفلسطيني والحصار سبب في تفاقمها، متجاهلين إمكانية وجود حلول بديلة، مطالبةً المسؤولين بالنظر لقضايا العمل والعلاج بغض النظر عن الظروف السياسية التي تمر بها البلاد لخلق واقع أفضل لذوي الإعاقة.
فيما تؤكد لطيفة الجعبري (38 عاماً) وهي من ذوي الإعاقة الحركية، أن الحظر الذي يفرض من وقت إلى آخر بسبب انتشار فايروس كورونا فاقم من معاناتها، فهي تحتاج لجلسات العلاج الطبيعي بشكل مستمر. عندما توجهت للمركز الطبي الذي كانت تتلقى العلاج فيه وجدته مغلق، مشيرةً إلى أن تأمينها الطبي لا يغطي سوى تلك الجلسات المتوقفة الآن، فيما تشتري هي باقي الأدوات على حسابها الشخصي كالكرسي المتحرك والعكازات وبعض الوسائل المساعدة الأخرى.
وتلفت لطيفة الجعبري الانتباه إلى أن العلاج الطبيعي لذوي الإعاقة ليس كافٍ فهم يحتاجون لأدوية باهظة الثمن وإصلاح الكرسي الكهربائي المتحرك وبعض العمليات الجراحية والتجميلية في بعض الأحيان كتطويل الأوتار، مردفةً أن عيادة المعاقين حركياً في قطاع غزة ممتنعة عن تقديم بعض الخدمات منذ فترة، ولا أحد من المسؤولين حاول إصلاح الوضع، مع أن الحق في العلاج كفله القانون الدولي لذوي الاحتياجات الخاصة.
وتوضح لطيفة الجعبري أن جلسات التأهيل والعلاج النفسي، والبرامج المتعلقة بالصحة الإنجابية كتهيئة أماكن الولادة للنساء ذوي الإعاقة والتأهيل الجنسي للمقبلين على الزواج، وعلاج الأطفال وحالات الشلل الدماغي والإرشاد الأسري للعائلات التي يكون لديها أكثر من فرد من ذوي الإعاقة يجب أن يغطيها التأمين الطبي جميعها، مشيرةً إلى أن العلاج خارج القطاع أيضاً ضمن أهم تلك المشكلات المتمثلة في تهيئة الوضع وتحمل تكلفة المرافق المادية.
وتؤكد الناشطة المجتمعية ماجدة فرج الله (27 عاماً) وهي من ذوي الإعاقة البصرية الجزئية، أن عدم وجود تأمين طبي شامل وفعّال يغطي تكاليف علاج ذوي الإعاقة فاقم من مشكلاتهم لأنهم قد يحتاجوا إلى بعض الأدوية التي تزيد نسبة الإعاقة لديهم إن لم يتلقوها، لافتةً إلى أن تلك الأدوية قد تكون باهظة الثمن وغير متوفرة في قطاع غزة، وإضافة إلى ما سبق يمنع "الاحتلال الإسرائيلي" دخولها للقطاع أيضاً.  
فيما نوه الناشط في مجال الإعاقة بمنظمات المجتمع المدني في قطاع غزة صهيب أبو سيف (26 عاماً) وهو من ذوي الإعاقة السمعية، إلى أنه يحاول خلال عمله نشر التوعية في المجتمع بالمصطلحات الصحيحة لذوي الإعاقة وكيفية الدمج وتغيير النظرة السلبية تجاههم، لتطوير الثقافة المجتمعية بشكل أكبر والمساعدة على التشغيل والمشاركة في العمل.
ولفت الانتباه إلى أن الوصول إلى المرافق العامة والخاصة والمستشفيات والمواقف الخاصة بالسيارات ما زال كما هو غير مواءم للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية والسمعية والبصرية رغم المطالبات الحقوقية، وقال بأنه من المهم توفير مترجم لغة إشارة في المستشفيات حتى يتمكن الطبيب من وصف العلاج الصحيح للمريض وخلق تواصل فعّال بينمها تجنباً لحدوث أي أمر طارئ قد يضر المريض.
ويوضح صهيب أبو سيف أن سبب عدم وجود تأمينات صحية للأشخاص ذوي الاعاقة ناتج عن عدم التزام وزارة الصحة بالقانون الفلسطيني رقم 4 لعام 1999 في المجلس التشريعي، أن ما زاد الوضع سوءً أن تأمينات ذوي الاحتياجات الخاصة في قطاع غزة تصدر عن نقابة الاتحاد الفلسطيني العام للأشخاص ذوي الإعاقة وهي من المنظمات والنقابات الشعبية التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، لذلك حكومة قطاع غزة لا تعترف بها بسبب الانقسام الفلسطيني. 
ويضيف صهيب أبو سيف أنه خلال الأيام السابقة (منذ الـ 3 من تشرين الثاني/نوفمبر 2020) أقيم حراك تحت شعار "من أجل حياة كريمة للأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين" في الضفة الغربية لإجبار المجلس التشريعي الفلسطيني على إقرار قانون يشمل تأمين طبي متكامل للأشخاص ذوي الإعاقات تدعمه كلاً من وزارتي الصحة والتنمية الاجتماعية، معرباً عن أمله في تعاون وزارة الصحة في قطاع غزة أيضاً وعدم تعليق المشكلة كما في كل مرة على الانقسام الفلسطيني القائم بين شطري الوطن أي الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 15 عام.
ومن جهته أكد عوض عبيات أحد القائمين على الحراك أن السبب الرئيسي للحراك هو أن التأمين الطبي شكلي لا يغطي أهم احتياجات ذوي الإعاقة، فاستمر هذا الحراك بدعم من عدة أشخاص وجهات لمدة 64 يوماً ليلاً مع نهار، لافتاً أن أفراد الحراك كانوا ينصبون خيماً وينامون أمام المجلس التشريعي خلال فترة الموجة الثانية من فايروس كورونا حتى استجاب المجلس لمطالبهم.
ويوضح عوض عبيات أن ذوي الإعاقة لا يحتاجون إلى تأمين يعالج أمراض الأنفلونزا فهم لديهم احتياجات أهم وأكثر خطورة تمس معاناتهم اليومية لذلك أصبح خلال الفترة الأخيرة أكثر من (60%) من تلك الفئة مسجلة بشكل وهمي لا تستفيد من ذلك التأمين، مشيراً أن مطلبهم الوحيد هو توفير نظام تأمين شامل متكامل لكل ما يحتاجه ذوي الإعاقة وعلى هذا الأساس تم فض الاعتصام.
ويكمل عوض عبيات أنه تم الاتفاق مع أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني أن يتم وضع آليات لتكون جميع الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة مجانية مع إعفاء كامل من الرسوم وتجنب ثغرات القانون القديم، مكملاً أنه تمت المصادقة على مسودة تنص على ذلك وستنشر عبر جريدة الوقائع الرسمية في منتصف شباط/فبراير الجاري كما سيتم الاتفاق على بعض التفاصيل الأخرى وبعض آليات الإدخال لإقراره بشكل نهائي.
وبحسب آخر إحصائية صدرت عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2019 بلغ عدد الأشخاص ذوي الإعاقة في فلسطين (93) ألفاً أي ما نسبته 2.1% من السكان موزعون بنسبة 48% في الضفة الغربية و52% في قطاع غزة، فيما لم يحصل سوى 17 ألفاً من هؤلاء الأشخاص على تأمين صحي مجاني.