بين تشرد وتسرب... أطفال يبيعون البسكويت والمنظفات في شوارع إدلب
دفعت الحاجة والفقر الكثير من الأطفال في إدلب لمغادرة مقاعدهم الدراسية والاتجاه نحو ما يجمعون به رزقهم عن طريق العمالة والبيع في الشوارع ليتمكنوا من تحصيل ما يقتاتون به
سهير الإدلبي
إدلب ـ في نهاية يوم شاق في مشهد هو الأقسى على امتداد الحرب السورية.
فقدان المعيل وحاجة أمه للمساعدة ساهم بتسرب الطفل لؤي الربيع (١٢) عاماً من مدرسته باحثاً عن عمل، يقول لؤي "بحثت طويلاً عن عمل ما ولكن لم أوفق لصغر سني وعدم امتلاكي الخبرات التي تأهلني لأي عمل، وهو ما دفعني لبيع علب البسكويت في الشوارع المزدحمة بالمارة والسيارات على حد سواء".
يعمل لؤي الربيع طوال اليوم مستجدياً عطف الناس لشراء البسكويت منه، فيدفعون له أضعاف ثمنه أحياناً وينهرونه رافضين الشراء أحياناً أخرى.
يستطيع لؤي جمع ما يقارب الـ ٢٠ ليرة تركية في اليوم، ويبدأ عمله منذ ساعات الصباح الباكر حتى المساء ليعود منهكاً تعباً باحثاً عن طعام دافئ ونوم مريح بين إخوته وعائلته في نهاية عمله.
نزحت عائلة لؤي من ريف حماه الشمالي منذ أكثر من خمسة أعوام واستقروا في مخيمات الدانا، وتوفي والده بمرض عضال منذ أكثر من عام ومنذ ذلك الحين وهو يحمل مسؤولية الإعالة بأمه وإخوته الثلاثة الصغار.
والدة لؤي فاطمة الأسمر (٣٥) عاماً تقول "ليس من السهل علينا نحن الأمهات أن نرى أبنائنا يتيهون في غياهب العمالة والتجول في الشوارع في سن مبكرة بدل أن يكونوا على مقاعد الدراسة يثابرون للنجاح وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم، غير أن ما نعيشه من أوضاع مأساوية غير كل شيء وبتنا لا نبحث سوى عن تأمين احتياجاتنا الأساسية التي قلما نستطيع تأمينها".
وتضيف أنهم يعيشون على هامش الحياة وكأن معاناتهم اليومية لم تعد تلفت اهتمام أحد من الجهات المعنية، فالمنظمات الإغاثية قل دعمها والحكومات المزعومة تمعن في زيادة الأعباء على الناس بزيارة الضرائب وغلاء المواد الأساسية وتعطيل كل مقومات الحياة بدلاً من النهوض فيها.
كثيراً ما يتعرض الأطفال ممن يجوبون الشوارع باحثين عمن يشتري منهم بضائعهم لمضايقات ونهر وطرد وكلام جارح، ومع ذلك يستمرون بعملهم متناسين الإهانات والآلام النفسية التي لا يمكن مقارنتها مع حاجة أهلهم لثمن الخبز أو لعلبة دواء.
لم تستطع الطفلة ريم البكور (٩) سنوات أن تخفي دموعها حين حاولت إقناع أحد المارين بشراء مواد التنظيف منها ولكنه رفض وصرخ أن تبتعد عن وجهه بلؤم، بدا التعب واضحاً على وجهها الصغير وقدماها الصغيرتان لم تعد تحملانها بعد مضي ساعات على وقوفها في الشارع، وبعد أن جلست على حافة إحدى الطرقات وأخذت نفساً عميقاً، تقول إن حياتها صعبة جداً، وهي لا تشكو تعبها بقدر ما تشكو آلام وتعب أهلها الفقراء القابعين في مخيمات سرمدا داخل خيام بالية لا تقيهم حر صيف ولا برد شتاء بانتظار من يساعدهم ولو بالقليل.
تحب ريم البكور المدرسة وتحلم بالعودة إليها يوماً ما بعد تحسن الأحوال التي لا تجد بصيص أمل في التغيير أو التحسن. لكنها تقول "أبي مريض بالقلب، وأمي مريضة بالسكري، ولدي خمس إخوة أصغر مني وأكبر ومعظمنا ترك المدارس واتجه للعمل بغية المشاركة في تأمين مصروف المعيشة التي أصبحت صعبة هذه الأيام".
المرشدة النفسية رغداء البرهوم (٣٩) عاماً تنتقد ما وصل إليه أطفال إدلب من تشرد وعمالة في ظل الأوضاع القاسية التي يعيشونها، وتنبه إلى ضرورة التحرك السريع لإنقاذ أجيال بأكملها من الأمية والانحراف والتسرب من مدارسهم.
وتضع المسؤولية على منظمات المجتمع المدني التي لا تولي الأمر الكثير من الأهمية بالرغم من خطورته وتقول "هنالك تأثيرات نفسية ومجتمعية على حياة الطفل الذي يجد نفسه يحمل فوق طاقته على التحمل ويشعر بالإذلال وبأنه لا يعيش كما يعيش سائر أطفال العالم ما يجعله عرضة للقلق والخوف وضعف الشخصية وعدم احترام الذات والعدوانية المفرطة".
ومن هنا تدعو لتضافر الجهود والعمل على إيجاد هؤلاء الأطفال وتأمين متطلباتهم ومتطلبات عوائلهم، في محاولة لإعادة دمجهم بمدارسهم ووضعهم في مكانهم الطبيعي.
عشر سنوات على الحرب السورية كانت كفيلة بترك ندباتها الواضحة في حياة أطفال سوريا، إذ لا يكاد يخلو شارع من وجود طفل مشرد أو متسول أو عامل.
وتؤكد إحصائية حديثة لمديرية التربية والتعليم في إدلب أن حوالي ١٣٠ ألف و٣٠٠ طالب/ة متسربين عن التعليم من مدارسهم في المحافظة.
وأشار تقرير آخر لمديرية إدلب إلى أن مقدمة الأسباب المساهمة في التسرب من المدارس هي افتقار العائلة إلى دخل شهري، وتأتي عمالة الأطفال في المرتبة الثانية، في حين يحل بعد السكن عن المدرسة والوضع الأمني السيء في المرتبتين الثالثة والرابعة على التوالي.