بين بنغازي وغزة... حنين لا ينطفئ
"نحن لم نخرج من فلسطين لننساها، بل لنحملها معنا أينما ذهبنا، ستبقى فلسطين لنا"، بهذه الكلمات عبرت سميرة الوزير التي غادرت قطاع غزة منذ أكثر من خمسين عاماً، عن حبها وشعورها بالحنين لوطنها الذي شهد حروباً وأزمات متكررة.

ابتسام اغفير
بنغازي ـ في قلب بنغازي، حيث امتزجت قصص الغربة مع روح العطاء، عاشت سميرة الوزير، الفلسطينية القادمة من غزة منذ عام 1972، رحلة طويلة من الكفاح والعطاء. لم تكن هجرتها إلى ليبيا مجرد انتقال مكاني، بل كانت تجربة ثرية صنعت منها نموذجاً للمرأة الفلسطينية الصامدة، التي حملت رسالتها التعليمية بحب وإخلاص.
تسرد سميرة الوزير ذكرياتها عن الوطن وتأقلمها في المجتمع الليبي، ورؤيتها لما يحدث في قطاع غزة، بالإضافة إلى تجربتها الطويلة في التعليم. وصلت إلى ليبيا بعد زواجها مباشرة، وكانت قد أكملت دراستها الثانوية في غزة، لكنها لم تكن تملك تصوراً واضحاً عن مستقبلها المهني، إذ كان زواجها وانتقالها إلى بلد جديد يحملان الكثير من التحديات، خاصة في مجتمع يختلف في عاداته وتقاليده عن بيئتها الأصلية، رغم ذلك استطاعت التأقلم بسرعة، خصوصاً أنها وجدت ترحيباً كبيراً من الليبيين، الذين احتضنوها وأصبحوا جزءاً من حياتها.
لم يكن التعليم مجرد مهنة بالنسبة لها، بل كان رسالة، كانت تؤمن بأن دور المعلم لا يقتصر على إيصال المعلومات، بل يشمل بناء الشخصية وتنمية الفكر، كانت تدعو كل طالب إلى الاعتزاز بوطنه، سواء كان ليبياً أو فلسطينياً أو من أي جنسية أخرى.
ورغم سنواتها الطويلة في بنغازي، لم تفقد سميرة الوزير هويتها الفلسطينية، كانت تقول أن الغربة ليست مجرد مسافة جغرافية، بل شعور يلازم الإنسان أينما ذهب، لكنها كانت ترى فرقاً بين الغربة في البلاد العربية والغربة في الغرب، فهنا على الأقل يمكن التواصل بسهولة مع الناس، ويمكن الحفاظ على العادات والتقاليد، وهو ما جعلها تشعر أن ليبيا كانت امتداداً لوطنها، حتى لو كان الحنين إلى غزة لا يفارقها يوماً.
ومع تغير المجتمع الليبي عبر السنوات، لاحظت كيف تطورت العلاقة بين الفلسطينيين والليبيين في الماضي، وتعززت العلاقات بين العائلات، ورغم ذلك كانت سميرة تؤمن بأن الاندماج لا يعني الذوبان، بل يجب أن يحافظ كل شخص على هويته الثقافية دون أن يفقد انتماءه للمجتمع الذي يعيش فيه.
لم تكن علاقتها بالقضية الفلسطينية مجرد كلام أو مشاعر، بل كانت تترجمها في حياتها اليومية، وداخل أسرتها حيث حرصت على أن يتعلم أبناؤها وأحفادها عن فلسطين، ليس فقط من خلال القصص، ولكن أيضاً من خلال التقاليد والعادات والاحتفال بالمناسبات الوطنية الفلسطينية، كانت ترى أن الحفاظ على الهوية الفلسطينية مسؤولية الجميع، حيث كانت هناك محاولات لطمس معالم فلسطين، حتى في التراث والمطبخ، أصبح الحفاظ على الثقافة الفلسطينية جزءاً من النضال، فكانت ترفض فكرة أن يتم نسب أكلات فلسطينية إلى إسرائيل، معتبرة أن كل تفصيل صغير في التراث هو سلاح في معركة الهوية.
وعندما اندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 في قطاع غزة، شعرت بالعجز والألم، لكنها وجدت في صمود أهلها هناك درساً جديداً في المقاومة، كانت تتحدث مع أصدقائها وصديقاتها في غزة، وكانوا يخبرونها بأن 70% من المدينة قد دُمّرت بالكامل، وأن بعضهم لم يعد قادراً على التعرف على منزله بسبب حجم الدمار، ومع ذلك لم يفقدوا الأمل، ولم ينكسروا، بل ظلوا يقاتلون من أجل الحياة، كانت سميرة الوزير ترى أن هذا الصمود هو أكبر دليل على أن "فلسطين لن تموت، وأن الاحتلال مهما حاول، لن يستطيع أن يمحو التاريخ أو يغيّر الحقائق".
ورغم أنها تعيش في بنغازي منذ عقود، إلا أن فلسطين لم تغب عنها أبداً، كانت تشارك في المبادرات النسوية التي تهدف لدعم غزة، رغم أن الإمكانيات كانت محدودة والوسائل غير متاحة دائماً، لكنها تؤمن بأن أي جهد، مهما كان صغيراً، يمكن أن يُحدث فرقاً، خاصة إذا استمر الأمل في قلوب الناس.
وفي ختام حديثها قالت سميرة الوزير "نحن لم نخرج من فلسطين لننساها، بل لنحملها معنا أينما ذهبنا. ستبقى فلسطين لنا".