الحرب لم تكن كافية... نساء غزة تتعرضن للتهميش والتمييز

تواجه النساء الفلسطينيات القمع والتمييز وتحرمن من أدنى حقوقهن المشروعة واحتياجاتهن الأساسية بسبب السطوة الذكورية التي تتبنى طمس هوية المرأة والتقليل من شأنها.

نغم كراجة

غزة ـ في خضم الحرب التي تعصف بغزة للشهر التاسع على التوالي، تتكشف مآسي الإنسانية وتتعدى حدود الصراع المسلح لتصل للتمييز الصارخ والانتهاكات المتكررة للحقوق الأساسية، حيث تتعرض النساء لظروف قاسية، تتضاعف فيها أساليب تهميشهن واستغلالهن وسط أزمة إنسانية خانقة.

تعاني غزة من ظروف إنسانية متدهورة بسبب الحصار المستمر وانقطاع الخدمات الأساسية، ونقص الغذاء والمياه النظيفة والرعاية الصحية كل ذلك يجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة، خاصة بالنسبة للنساء والأطفال الذين يشكلون الفئة الأكثر تضرراً، هذه الظروف تزيد من هشاشة الوضع الإنساني وتفاقم معاناة الأسر.

في هذا السياق الصعب، تبرز قصص النساء اللاتي تعانين من التمييز والاستغلال بالإضافة إلى آثار الحرب المباشرة التي تحرمهن من حقهن في المساعدات الإنسانية، إلى جانب معاناتهن من السيطرة الإدارية التمييزية التي تضعهن في أسفل سلم الأولويات، وتعكس هذه الأوضاع التمييز المنهجي الذي يفاقم معاناتهن، كذلك السطوة الذكورية التي تحول دون وصولهن إلى حقوقهن المشروعة، ما يزيد من تدهور أوضاعهن الاقتصادية والنفسية.

مها الشامي فلسطينية وأم لطفلة، تعيش في شمال غزة المحاصرة، تجددت معاناتها عندما أصيب زوجها بجروح خطيرة أثناء محاولته الحصول على كيس من الدقيق لعائلته في ظل انتشار المجاعة لكنه عاد محمولاً على الأكتاف، مما استدعى إجراءه عملية جراحية طارئة، وعن وضعها وعائلتها قالت "منذ أن أصيب زوجي أصبحنا دون مصدر دخل، مما دفعني للبحث عن عمل لتوفير القوت اليومي لي ولطفلتي وزوجي المصاب".

وأضافت "اضطررت كغيري لطلب المساعدات الإنسانية التي يتم الحصول عليها باسمي، إلا أن الإدارة المسؤولة عنها حرمتني حقي في الحصول عليها، وعند مراجعتي ومطالبتي بحقي قوبلت بالحرمان المباشر دون أي مناقشة"، هذه المعاملة الجائرة تكشف عن حجم التمييز الذي تتعرض له النساء في الحصول على المساعدات الإغاثية، حيث يُنظر إليهن على أنهن أقل أولوية مقارنة بالرجال.

مع غياب الدعم الكافي، تضطر النساء للبحث عن فرص عمل مقابل أي أجر كان، ومع ذلك، غالباً ما تواجهن بالاستغلال والأجور الزهيدة التي لا تكفي لتلبية احتياجات أسرهن الأساسية، مما يزيد الأعباء النفسية والجسدية التي تتحملنها في ظل ظروف معيشية قاسية.

مع استمرار معاناة زوج مها الشامي الصحية وانعدام مصدر الدخل، اضطرت للبحث عن أي فرصة عمل بعدما كانت تعمل عاملة نظافة في الثلث الأول من الحرب المستمرة على غزة، ومن ثم قررت ألا تعمل وتكتفي بأجر زوجها فضلاً عن إهانتها وقلة تقدير مجهودها خلال عملها، ولكن بدلاً من الحصول على عمل يوفر لها دخلاً يكفي لتلبية احتياجات أسرتها، تعرضت للاستغلال بأجر بخس مرة أخرى رغم عدد ساعات العمل التي تمتد لتسع ساعات "هذه المستحقات لم تكن تكفي حتى لتوفير الطعام اليومي وكنت مجبرة على البقاء في عملي، وفي حال تقديمي أي اعتراض على العمل سيقوم المسؤول بطردي مباشرة، مما زاد من معاناتي اليومية وتدهور أحوالي".

التمييز الذي تتعرض له النساء في ظل النزاع ليس مجرد حالة فردية، بل هو ظاهرة اجتماعية تحتاج إلى معالجة جذرية، حيث يتم تجاهل احتياجات النساء وحقوقهن بشكل ممنهج، مما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية والاجتماعية لهن.

وأكدت مها الشامي تعرضها للإهانة والتقليل من شأنها لمجرد أنها امرأة ونازحة بذات الوقت، "لم أكن الضحية الأولى والوحيدة التي عانت الويلات من أجل سد جوع أسرتها، بل هناك آلاف الضحايا من النساء اللواتي تفضلن الصمت خوفاً من معاقبتهن أو طردهن من أماكن نزوحهن".

إن معاناة مها الشامي وغيرها من النساء تدعو إلى ضرورة إعادة النظر في آليات توزيع المساعدات الإغاثية لضمان العدالة والمساواة، وأن تكون هناك شفافية في توزيعها مع مراعاة احتياجات جميع الفئات المتضررة بدون تمييز؛ للتخفيف من حدة الأزمة الإنسانية التي تواجه المنطقة، كما يجب على المجتمع الدولي والمحلي تكثيف الجهود لتأمين حقوق النساء الأساسية وحمايتهن من كافة أشكال التمييز والعنف.