بين الكوميديا والدراما... قضايا النساء تحجز مساحتها الخاصة في دراما رمضان

أكدت الصحفية والناقدة الفنية زكية الديراني أن الدراما هي انعكاس للواقع، ولطالما كان هناك رسائل تتناول قضايا المرأة وتتم معالجتها في الأفلام والمسلسلات، لكن في الآونة الأخيرة أصبحت تتم معالجة القضايا بطريقة سطحية.

كارولين بزي

بيروت ـ تزدحم الشاشات اللبنانية بالأعمال الدرامية في شهر رمضان من كل عام، فينصرف الجمهور لاختيار الأعمال التي تناسب ذوقه الخاص وسط عشرات الأعمال التي يبتعد أغلبها عن الواقع الاجتماعي، ويلتحق بأعمال تجذب الجمهور أكثر كمسلسلات الحركة والتشويق أو الكوميديا. أما الأعمال الدرامية التي تناقش قضايا اجتماعية ولاسيما قضايا النساء فتحجز لنفسها مساحةً خاصة.

 

"غياب الدراما اللبنانية والمشتركة"

تعتبر الصحفية والناقدة الفنية زكية الديراني أن دراما رمضان لعام 2022مميزة جداً، من حيث النوعية لا الكمية، مشيرةً في حديثها لوكالتنا إلى أن عدد الأعمال الدرامية لهذا العام كبير جداً ولكن عدد ضئيل من الأعمال يتميز بمحتوى غني وعميق.

وقالت زكية الديراني أن "هناك غياب تام للدراما اللبنانية في الموسم الرمضاني لهذا العام، والأمر ينطبق أيضاً على الدراما المشتركة التي طغت في السنوات السابقة على الأعمال الرمضانية، إذ يوجد هذا العام عملان لا أكثر وهما "للموت 2"، "ظل"، ولكن أغلب الأعمال الأخرى هي مصرية وسورية".

وأضافت "هذا العام شهدت الدراما مناقشة قضايا اجتماعية مهمة، قضايا طُرحت في السابق ولكن طريقة معالجتها جديدة"، موضحةً أن "مسلسل "فاتن أمل حربي" الذي تلعب بطولته نيللي كريم، يناقش قضية الطلاق والحضانة، وعلى الرغم من أن قضايا الطلاق والحضانة نوقشت في السابق، ولكن هذا العمل يعتبر لوحة فنية جميلة ومتكاملة، بعيد عن الكآبة والضغط النفسي الذي تعيشه المرأة في مرحلة ما بعد الطلاق علماً أنها تمر بصعوبات كثيرة، إذ يوجد معالجة درامية جميلة جداً".

 

"فاتن أمل حربي تعيش صراع كل امرأة عربية بعد الطلاق"

وأشارت زكية الديراني إلى أننا نشهد هذا العام عمق في طرح القضايا الاجتماعية ولاسيما قضايا النساء، وتروي بعضاً من تفاصيل مسلسل "فاتن أمل حربي"، فتقول أن "فاتن امرأة انفصلت عن زوجها، وأنجبت منه ابنتان. ثم تبدأ مشاكل الحضانة ويحاول زوجها أن يحرمها من البيت والأملاك لكي يحصل على حضانة أطفاله"، موضحةً أنه "في موضوع حضانة الأطفال يتم تشريح المشكلة بالتفصيل من الناحية الدينية والقانونية، لكن تم تقديم العمل وهذه القضايا بقالب جميل وسلس. لم نر مشاهد نكد وبكاء بل على العكس رأينا "فاتن" امرأة قوية ونشيطة تحاول أن تصل إلى معالجة قضيتها من مختلف النواحي".

ولفتت إلى أن هذه القضية عولجت في "فاتن أمل حربي" من الناحية الدينية والقانونية والاجتماعية، فنرى فاتن تطرح على زوجها أسئلة تطرحها عادةً النساء المطلقات يومياً. الصراع الذي تعيشه "فاتن أمل حربي" في المسلسل هو صراع كل امرأة عربية تبحث عن السلام بعد الطلاق، والتي تعتبر أنها بالطلاق ستستعيد حياتها مجدداً، لكنها ستصطدم بذكورية المجتمع والأفكار البالية والأسلوب الذكوري في التعامل مع المرأة المطلقة".

وأضافت أن قوانين الأحوال الشخصية تختلف من بلد لآخر، وبأن الحضانة في مصر من نصيب الأم، ولكن حاول زوج "فاتن" أن يقفل كافة الأبواب بوجه زوجته لكي يأخذ حضانة أطفاله، إذ سلبها البيت والسيارة ثم توجه نحو المحكمة ليقول بأنها لا تملك بيتاً وبالتالي لا تستطيع أن تؤمن مسكناً آمناً لأولادها وبالتالي يستطيع من خلال أفعاله أن يأخذ الحضانة. أعتقد أن هذا العمل يتوجه إلى كل امرأة تحاول أن تبدأ حياتها من جديد، كل امرأة تساورها تساؤلات حول الحضانة. كما أن العمل أثار جدلاً كبيراً في مصر وحتى قيل إن الأزهر تداول بموضوع الحضانة والزواج والانفصال بسبب المسلسل".

وأشارت إلى أن ما يميز العمل طريقة تقديمه، كما أن الممثلة نيللي كريم قدمت الدور بطريقة جذبت المشاهد لها، وجعلته يحب هذا الصراع بينها وبين طليقها، لأنها امرأة قوية لم تستسلم وليست منهارة أو مدمرة. رحلة صراعها مع ابنتيها تؤكد أن المرأة ليست كائن ضعيف أبداً، وبالعكس في الصدامات والصراعات الاجتماعية يجب أن تتحلى المرأة بالصبر والطاقة الإيجابية والقوة لكي تقف عند كل نقطة ولا تتنازل عن حقها".

 

"لم يتم تخصيص مساحة كبيرة لقضايا الحضانة سابقاً"

وأكدت أن العمل مناسب لكل الأزمنة ولكل العائلات، ومن الملفت أنه لا يهاجم الرجل هجوماً عنيفاً، حتى أن الطليق يظهر كشخصية خفيفة الظل، ويعيش صراعاً بين الأفكار الذكورية التي ورثها عن مجتمعه وبين حبه لزوجته السابقة.

وأضافت "لطالما كانت نيللي كريم مدافعة عن حقوق المرأة وفي أغلب أعمالها ناقشت قضايا المرأة، من قضية الخيانة الزوجية في مسلسل "الأعلى سعر" وقبلها مسلسل "تحت السيطرة"، ولكن تخصيص مساحة كبيرة لها علاقة بالحضانة لم نشهده سابقاً في الدراما. لذلك من غير المهم عدد المسلسلات مقارنةً بنوعيتها".

وأشارت إلى أن هناك تراجعاً كبيراً في الدراما المصرية من ناحية طرحها للقضايا الاجتماعية، إذ هناك توجه نحو الكوميديا أو الأعمال التاريخية، وغياب أو تهميش للدراما الاجتماعية. وذلك بسبب تغير مزاج العام الذي أصبح يفضل الأعمال الكوميدية، كما أن المنصات الإلكترونية لعبت دوراً بتغيير مزاج المشاهد، إذ هي تقدم أعمالاً درامية على مدار السنة، وبالتالي تذهب شركات الإنتاج إلى إيجاد أعمال ذات نكهة خاصة.

 

"مع وقف التنفيذ"

وأضافت زكية الديراني "هناك العديد من الأعمال الرمضانية لهذا العام تناقش قضايا المرأة، مثل مسلسل "للموت 2" تحدث عن صراعات المرأة وتناول زواج القاصرات، وتطرق إلى الاغتصاب والتحرش، ولكن العمل وتحديداً فيما يتعلق بزواج القاصرات لم يناقش القضية أو يعالجها بطريقة جديدة"، لافتةً إلى أن "كذلك الأعمال الدرامية السورية لهذا الموسم تطرقت إلى قضايا المرأة والصراعات التي تعيشها، مثل مسلسل "مع وقف التنفيذ" يناقش قضايا مهمة جداً مثل تأثير الحرب على النساء وعلى أساليب عيشهن، ويطرح قضية تملك الأب لبناته وكيف تتحول الابنة كدمية بيد والدها حيث يتحكم بها وبقراراتها من دون الرجوع إليها"، موضحةً أن "الدراما لم تخرج من القضايا الاجتماعية، ولكن هذا العام هناك غنى في محتوى بعض الأعمال".

وقالت إن الدراما هي انعكاس لصورة المجتمع، ولطالما كان هناك رسائل تتناول قضايا المرأة وتتم معالجتها في الأفلام والمسلسلات، لكن للأسف في الآونة الأخيرة أصبحت تتم معالجة القضايا بطريقة سطحية، مثلاً "في قضية زواج القاصرات يتم تصوير القصة بطريقة سطحية لا يتم تسليط الضوء على الأسباب والتداعيات، وكذلك التحرش والاغتصاب وحتى المشاكل والأمراض التي تتعرض لها النساء، دائماً ما كانت تتم معالجتها بسطحية وكأننا لا نستطيع أن نغوص بأعماق هذه القضايا لذلك يتم التطرق إليها بسرعة".

 

"بطلوع الروح"

كما لفتت إلى أحدث الأعمال الدرامية التي انطلق عرضها في 16 من رمضان الحالي، وهو مسلسل "بطلوع الروح" الذي تشارك في بطولته منة شلبي. وتقول "يمزج العمل بين الدين والسياسة والقضايا الاجتماعية، وتدور أحداثه حول امرأة متزوجة من رجل تكتشف أنه التحق بتنظيم داعش، ويقوم باستدراجها إلى سوريا حيث يتواجد. المسلسل مستوحى من قصص ومشاهد حقيقية حصلت وواجهت المرأة. ويسلط العمل الضوء على نضال المرأة من أجل استعادة حريتها، إذ زوجها قام بخطف ابنها واستدرجها إلى سوريا لتكتشف أنها تقيم في مخيم تابع لتنظيم داعش، ويكون أمامها حلين إما أن تلتحق بالتنظيم أو تُقتل، هذا الصراع والظلم والخوف على ابنها هو قضية نضال طويلة وصعبة".

وعن سبب تراجع عدد الأعمال الاجتماعية، تقول "لا يوجد أزمة كُتّاب أو مؤلفين في العالم لكن يوجد أزمة إنتاج، إذ أن شركات الإنتاج تبحث عن الأعمال السريعة والسطحية والأكثر مبيعاً".

وتعتبر زكية الديراني أن قضايا النساء تهم جميع أفراد العائلة لأنها عالم قائم بحد ذاته، إذ يحب الرجل أن يكتشف أشياءً لا يعرفها عن قضايا المرأة من خلال الأعمال الدرامية.