بين الإهمال والنبذ... لماذا تتفاقم ظاهرة الإدمان بين النساء في إيران؟

شددت إحدى عضوات زمالة المدمنين المجهولين، على ضرورة توعية المجتمع بكيفية التعامل مع المدمنين بدلاً من نبذهم ومعاملتهم كمجرمين، مطالبة الجهات المعنية بمكافحة المخدرات بإنقاذ المدمنين وتوفير بيئة آمنة لهم.

هيما راد

سنه ـ أصبح إدمان المخدرات أمراً شائعاً في إيران في ظل عدم وجود جهود من قبل المؤسسات الحكومية لمكافحة المخدرات في المجتمع وتوفير بيئة آمنة للمدمنين بعد التعافي.

 

"في أمس الحاجة إلى مكان آمن"

قالت إحدى النساء اللواتي تعانين من الإدمان (ت. ص) البالغة من العمر 42 عاماً "أعاني من الإدمان منذ 20 عاماً، وخلال تواجدنا في مدينة سنه كنت أشرب الكحول، وعندما انتقلنا إلى زاهدان بدأت بتدخين الأفيون".

وأضافت "في زاهدان، يتعاطى الرجال والنساء الأفيون بحرية، وكل منزل تذهب إليه، يتعاطاه عدة أشخاص، إنه أمر طبيعي، والأفيون جزء من حياتهم، لكن عندما عدت إلى سنه، كان الوضع أسوأ بكثير مما كان عليه في زاهدان، إذ يتعاطى الكثيرون في سنه الهيروين وغيرها من المخدرات، كما أنه يتم بيعها وشراءها بحرية".

وأشارت إلى أن الحكومة الإيرانية لا تتخذ إجراءات مناسبة لمكافحة المخدرات "في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات تأخذ الحكومة أربعة أشخاص إلى معسكرات علاج الإدمان وبعد فترة عندما يغادرون المعسكرات لا يجدون مكان يأويهم ولا وظيفة، وينتهي بهم المطاف في الحدائق ويصبحون مدمنين مرة أخرى"، لافتةً إلى أنه "إذا كانت الحكومة تريد مكافحة المخدرات عليها أولاً اعتقال البائعين الرئيسيين وثم توفر مكان آمن للمدمنين حتى يغيرون بيئتهم".

وأوضحت أن "الحكومة تقول إنها تهتم بالمدمنين حتى بعد مغادرة المعسكرات، لكن كل ذلك مجرد كلام، إذا كان هناك مكان أذهب إليه، كنت سأغادر، والآن أنا بحاجة ماسة إلى مكان آمن، لكن ليس لدي مال ولا أي شيء".

 

إجبار النساء على التعاطي

وقالت العضوة في زمالة المدمنين المجهولين (ن. س) "عانيت من الإدمان لمدة خمسة عشر عاماً، وتعاطيت كافة أنواع المخدرات، لكنني تعالجت من الإدمان منذ حوالي أحد عشر عاماً، وأشارك في الاجتماعات حول مكافحة المخدرات ولدي العديد من الخبرات في التعامل مع المدمنين".

زمالة المدمنين المجهولين هي جمعية غير ربحية، وتدار من قبل الأشخاص الذين استطاعوا معالجة أنفسهم بأنفسهم، حيث يجتمع المدمنون والممتنعون عن المخدرات بانتظام بهدف التعافي ولمساعدة بعضهم البعض لكي يبقوا ممتنعين.

ونوهت (ن. س) إلى أن "الضرر الذي يلحق بالمرأة من الإدمان أكبر بكثير من الأذى الذي يلحق بالرجل، فالنساء الأصحاء في مجتمعنا تعانين من الاضطهاد، فماذا عن المرأة التي تصبح مدمنة ويتم إبعادها عن كل مكان".

وحول الأسباب الجذرية لإدمان النساء، أشارت إلى أن الرجال هم الذين يجعلون زوجاتهم مدمنات خاصة أولئك الذين يتعاطون المخدرات، في محاولة منهم منع النساء من الرغبة في تركهم لذا فإن أفضل طريقة هي جعلها مدمنة بحيث تحتاج دائماً إلى رجل، كما أن معظم الرجال المدمنين يبيعون زوجاتهم من أجل شراء المواد المخدرة.

ولفتت إلى أن هناك حالات أخرى، على سبيل المثال، النساء اللواتي تعتقدن أنهن قبيحات بسبب معايير الجمال التي حددها المجتمع واكتسبن ضعف الثقة بالنفس، والقيود التي يفرضها المجتمع على المرأة، الثقافة والعادات الخاطئة، الأسباب النفسية، كل هذه الأمور تجبر المرأة على القيام بأشياء خارجة عن إرادتها فتتجه إلى تعاطي المخدرات مما قد يمنحها على المدى القصير تلك الثقة الزائفة بالنفس، لكن على المدى البعيد، تحدث تغيرات دائمة في طبيعة شخصية الفرد وتصرفاته، حيث تؤثر الرغبة المستمرة في تعاطي المخدرات، والتغيرات التي تحدث في الدماغ وما يصاحبها من اكتئاب وقلق على طريقة تصرف الشخص في حياته اليومية.

 

"النساء مستبعدات من المجتمع"

وبينت (ن. س) أن المجتمع والعائلة لا يتقبلان المرأة المدمنة بأي شكل من الأشكال حتى بعد العلاج، على خلاف الرجل الذي يمكنه العيش بين عائلته حتى وإن كان مدمن، مضيفةً "لم يتم اتخاذ الكثير من الإجراءات لإنقاذ هؤلاء النساء، ولا توجد بيئة مناسبة لهن من أجل العلاج، ولا تحصلن على فرصة للمغادرة ومعالجة أنفسهن، وليس لديهن فرصة كبيرة لعيش حياة طبيعية لأنه لا توجد ظروف مناسبة ولا يوجد خبراء لمساعدتهن".

وحول عمل الجمعية، تقول "بصفتنا أشخاص عانين من الإدمان، فقد بذلنا الكثير من الجهد لمساعدة هؤلاء النساء، من التعرف عليهن إلى التحدث معهن وإقناعهن، لكن نسبة عالية من هؤلاء النساء ليس لديهن دافع للتعافي والعودة إلى المجتمع والأسرة، وتقلن (ماذا نفعل بعد المغادرة؟ أين يجب أن نذهب وبأي وظيفة سنعمل؟ وهل سيتقبلنا المجتمع أم لا؟)، وعلى الرغم من ذلك، إلا أن بعضهن تعدن إلى حياتهن الطبيعية وأصبحت لديهن عائلة، ولكن بنسبة قليلة مقارنة مع من لا تجدن مخرجاً".

ولفتت إلى أنه يجب على النساء أن تعرفن أن لهن الحق في ارتكاب الأخطاء وإصلاحها تماماً مثل الرجال، ويكفي أن تؤمن النساء بأنفسهن "بالرغم من أن النساء هن الأكثر عرضة للخطر، إلا أنهن لديهن القدرة والقوة على تجاوز كافة المخاطر".  

 

التعامل مع المدمنات

وشددت (ن. س) على ضرورة توعية المجتمع بكيفية التعامل مع المدمنات بدلاً من نبذهن ومعاملتهن كمجرمات نظراً لاعتبار الإدمان مرضاً وليس جريمة، ويجب منحهن الأمان لكي تتعافين من الإدمان.

وأوضحت أن الحكومة لا تقدم الدعم اللازم لمساعدة مدمني المخدرات ونسيت واجبها في دعم النساء المدمنات "الحكومة راضية عن هذا الوضع لأنها تعتقد أن النساء والرجال المدمنين لا يطالبون بالتغيير".

وبينت أنه "كجمعية نؤمن بضرورة إعادة كرامة الإنسان، حتى لو كان قد ارتكب الكثير من الأخطاء، والمهم أنه يدرك أخطائه ويخطو خطوة نحو إنقاذ جسده وروحه".