بطرق بدائية وقاسية... نازحات يخلقن مقومات الحياة الأساسية في إدلب

في ظل غياب شبه تام لأدنى مستويات المعيشة، وانقطاع الدعم والمساعدة عن معظم المخيمات، الأمر الذي دفع نازحات لتأمين ما يحتجنه بطرق بدائية تمكنهن من تدبر أمورهن في ظل العجز المعيشي والخدمي الذي تشهده مخيماتهن.

هديل العمر

إدلب ـ مع تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية والخدمية في مخيمات إدلب، اتجهت النازحات للاعتماد على أنفسهن في خلق بيئة تساعدهن على العيش من خلال ابتكار طرق وأساليب مختلفة لتأمين مقومات الحياة الأساسية في تلك المخيمات.

بالقرب من مخيمات بلدة أطمة الحدودية، تنهمك نورية القادري (38) عاماً وهي نازحة من مدينة معرة النعمان جنوب إدلب، بصناعة خيمتها باستخدام بعض شوادر النايلون والقطع البلاستيكية والقماشية، بعد تلف خيمتها القديمة وعدم صلاحيتها للعيش، خاصة وأن أحوالها الاقتصادية والمادية لا تسمح لها بشراء خيمة بديلة.

وقالت إنه ومع قدوم فصل الشتاء وتبعاته القاسية في كل عام، كان لا بد لها من تأمين خيمة سكنية جديدة بعد أن لاحظت اهتراء القديمة نتيجة العوامل الجوية والمناخية القاسية، إذ أن أسعار الخيام المرتفعة حالت دون قدرتها على شرائها من الأسواق، كما أن المنظمات الإنسانية العاملة لم تعد تقدم هذا النوع من المساعدات.

وأضافت أن قلة حيلتها وعدم وجود خيارات بديلة أمامها، دفعها لصناعة خيمة قماشية باستخدام وسائل بدائية الصنع مثل أكياس النايلون والقطع البلاستيكية والكرتون وغيرها من المواد التي تدخل في صناعة الخيام بعد أن جمعتها من بين المخيمات ومجمعات النفايات لاستخدامها في عملية التدعيم في وجه التغيرات الجوية كالأمطار والسيول.

وعن مراحل صناعة الخيمة تشير إلى أنها عمدت إلى تشكيل ثلاث طبقات لضمان نجاعتها في وجه العواصف والسيول والأمطار من خلال حياكة شوادر النايلون والقطع البلاستيكية في الطبقة الأولى والتي تضمن عدم تسرب المياه إلى طبقة القماش الثانية، في حين تكون الطبقة الثالثة مصنوعة من مادة الكرتون التي تكون بمثابة العازل الذي يمنع تسرب الهواء إلى الخيمة.

ولفتت إلى أنها ستستخدم الأعمدة الخشبية المتينة في عملية تثبيتها وتثقيلها ما يضمن متانتها وحمايتها من الانجراف أو السقوط، حيث أن عملها يقتصر على أدوات بسيطة وبدائية بواسطة إبرة وخيوط النايلون.

وتعاني النازحات من ظروف معيشية غاية في الصعوبة نتيجة غياب المساعدات الإنسانية وانعدام المستلزمات الأساسية للعيش، ما يجعلهن تواجهن مخاطر صحية وبيئية كبيرة في ظل الكثافة السكانية العالية والنزوح المتكرر الذي تشهده المخيمات بسبب العمليات العسكرية المستمرة بين أطراف الصراع في المنطقة.

ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، لم تستخدم رانيا اليوسف (39) عاماً وهي نازحة مقيمة في مخيمات بلدة عقربات الحدودية شمال إدلب، الغاز المنزلي للطهي والتسخين، بعد أن لجأت لاستخدام مادة "الجلّة" كموقد طهي بديل يساعدها على قضاء احتياجاتها بأقل تكلفة ممكنة.

وقالت إن بعد مخيمهم النائي والعشوائي عن مركز المدينة يجعل من تأمين الغاز المنزلي أمر غاية في الصعوبة فضلاً عن ارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية وغير مسبوقة، ما دفعها لصنع موقد طهي يعتمد في عمله على روث الحيوانات والعيدان والأشواك.

وأضافت أنها تعمل على تكوير روث الأبقار والأغنام وتجفيفه ومن ثم تستخدمه في إشعال النار عبر موقد تقليدي مصنوع من تربة "الفخار" الذي يعطي الموقد حرارة إضافية تضاهي مادة الغاز، حيث تستخدمه لطهي الطعام وتسخين المياه، وللتدفئة في فصل الشتاء.

وأشارت إلى أنها تعلمت صناعة "الجلّي" من والدتها التي كانت تستخدمها سابقاً، حيث وجدت من خلالها وسيلة تجنبها مشقة قطع المسافات الطويلة وتكلفة اسطوانة الغاز المنزلي التي لا تمتلك ثمنها أصلاً.

من جانبها، ترى المرشدة النفسية والاجتماعية رؤى السلوم (28) عاماً أن لجوء النازحات لمثل هذه الوسائل ما هو إلا منحنى خطير على الواقع الإنساني الذي يشهد تدهوراً كبيراً على جميع المستويات الخدمية والمعيشية والاقتصادية في مخيمات النزوح شمال إدلب.

وأضافت أن اتباع هذه الأساليب والطرق القاسية والصعبة تدل على رغبة المرأة السورية بالعيش والتأقلم مع الحياة التي فرضتها عليهن الأزمة السورية على مدى سنوات طويلة من قصف ونزوح وتشريد وعدم استقرار.

وأكدت على ضرورة توفير المستلزمات الأساسية للنازحات والمعيلات، وذلك من خلال تفعيل دور الفرق الجوالة للمنظمات الإنسانية في المخيمات العشوائية والمنسية، وتوفير الخدمات الصحية والخدمية والتنموية التي ستحد من معاناتهن المتمثلة بالنزوح.