بخيوط الإرادة والشغف... فتيات من أصحاب الهمم تنسجن أحلامهن
يعتبر الدعم ضروري لأصحاب الهمم وذوي الاحتياجات الخاصة، ليسلكوا درباً ينمي قدراتهم ويضعهم على الطريق الصحيح ليصبحوا خلاقين وملهمين في المجتمع، لا عالة عليه.
فاديا جمعة
لبنان ـ لطالما كانت الآلام محركاً رئيسياً لتخطي الآلام نفسها، بداية لمخاض وثورة إيجابية تساعد على تخطي الألم الجسدي والنفسي لتشكل من خلالهما علاجاً يصغر معهما المرض وتجعل ممن يعاني شخصاً متميزاً ومحلقاً في سماء الإنجازات والبطولات.
زهراء حاتم قمح تبلغ من العمر 31 عاماً من بلدة كفرحتى في قضاء صيدا جنوبي لبنان، ولدت بعملية قيصرية بعد مشاكل صحية تخطتها والدتها خلال الحمل بها، ولكنها أطلت على الدنيا حاملة مرض الصفار الأبيض أو اليرقان، وكانت بحاجة لتدخل طبي سريع لتغيير الدم، إلا أن تقاعس الطبيبة، بحسب والدتها، أدى الى إصابتها بنوع من الشلل الدماغي، لكنها مع اهتمام وعناية والديها استطاعت أن تتطور وتتابع دراستها رغم التأخر في النمو والضعف في الحركة والعضلات والسمع والنطق.
قالت والدتها ألفت قمح "أكتشفت حالتها خلال الأشهر الأولى من ولادتها، فيما تأخر التشخيص الطبي الصحيح بسبب الطبيبة التي كانت تشكك فيما أصف وأقول، وتربط مخاوفي بمشاعر ومخاوف الأمومة، وقبل إتمام زهراء عامها الأول عرضتها على طبيب أعصاب شخص حالة التأخر لديها وربط الحالة بمرض اليرقان حين ولادتها".
وأوضحت "بعد معرفة حالتها بات بحاجة إلى عناية ومتابعة طبية دقيقة، وقبل أن تبلغ سن الدراسة كنت قد جهزتها لدخول مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة في "جمعية التضامن والتنمية"، ومن بعدها انتقلت إلى "مدرسة حسام الدين الحريري" قسم الصعوبات التعلمية، وخضعت لاختبارات الذكاء والقدرات وأكملت دراستها ثم توجهت إلى التخصص المهني.
وحول موهبتها وقدراتها بينت "كانت زهراء تبدي حباً كبيراً للرياضة والأشغال اليدوية، ولكن هذا لم يكن متوفراً في مدرستها والإمكانيات المادية كانت ضعيفة إلى أن تعرفنا على إحدى المدربات الرياضية الكوتش إيمان صباغ في مدينة صيدا وهي مهتمة بالحالات الخاصة وتدرب هذه الحالات مع استخدامهم للكرسي المتحرك".
وقالت زهراء حاتم قمح "لم أكن بالبداية أعرف ما أريد وكان همي أن أمارس أي رياضة إلى أن تعرفت على الكوتش إيمان صباغ التي وجهتني ودربتني على لعبة البوتشي التي برعت فيها وحققت أعلى المستويات، وهي لعبة بسيطة لها تاريخ عريق وتحمل طابعاً من التحدي والذكاء، وتدربت أيضاً على لعبة الرماية ولعبة كرة السلة على الكرسي المتحرك، وكذلك ألعاب القوى والركض، والرياضة هي أكثر شيء يسعدني"، مشيرة إلى أنها شاركت بالبطولات الرياضية على صعيد محلي في بيروت والمناطق الأخرى "أشارك بالمسابقات بفخر وإصرار على إنني قادرة على التحدي والإنجاز".
ريان إسماعيل البالغة من العمر 26 عاماً من بلدة إنصار قضاء النبطية جنوبي لبنان، واجهت موت وضمور عضلاتها يوماً بعد يوم، ورغم ذلك لم تستسلم للمرض الذي سلب منها قدرتها على المشي، فواجهت بالفن والإبداع وبيديها المتعبتين إنجاز أشغال يدوية حرفية تعرف بـ "المكرمية" وتشكل لها مصدر رزق تعيش منه وأنشأت على منصة إنستغرام صفحة أطلقت عليها اسم "Raynbow.official".
وعن مرضها قالت "أعاني من مرض جيني وراثي يصيب العضلات ويتسبب بضمورها وضعفها تدريجياً، اسمه "limb gridle muscular dystrophy" وسببه غالباً زواج الأقارب، وعندما كنت في الخامسة من عمري كنت كبقية الأطفال ألعب وأركض ولكن كنت أختلف عنهم بالإرهاق السريع والتعب الذي يحل علي بعد أي مجهود حركي، ومع تقدم العمر عامٌ بعد عام شهدت تدهور حالتي، وفي الثانية عشر من عمري لم أعد أستطيع تسلق الدرج وبعدها بأعوام أصبحت بحاجة لمن يساعدني على الوقوف إذا كنت جالسة".
وأكدت على إن "المرض مع تقدم العمر كان من الممكن أن يلزمني الجلوس في كرسي متحرك، إلا أن خضوعي لعملية تطويل أوتار منذ سبع سنوات سرع في تدهور حالتي الصحية".
وأضافت "نحن أصحاب الهمم لا فرق بيننا وبين الأشخاص العاديين، لدينا القدرة العقلية الكاملة للتفكير والإنجاز، لدينا أحلام، وأهداف أكبر من أحلام وأهداف الآخرين، لكن بسبب السفر وتغير اللغات لم أكمل دراستي، تابعت فقط حتى الصف العاشر ما جعل فرصة حصولي على وظيفة تتقلص، فما كان أمامي إلا أن ابدأ بعمل خاص وهو بيع الملابس "أونلاين"، ولفتني فن "المكرمية" عندما شاهدته عبر صفحات الأنترنت، وقررت بإصرار أن أتعلم، وبالفعل هذا ما حصل، ودون أن أخضع لدورات تدريبية، فقد تعلمت هذا الفن من خلال مشاهدة الفيديوهات والتطبيق والتعلم من الأخطاء وتكرار التجارب حتى وصلت إلى المرحلة التي أصبحت فيها جاهزة لتطبيق ما تعلمته".
وأوضحت "بدأت مشروعي في تشرين الأول عام 2021، ونالت أعمالي إعجاب الأقارب والأصدقاء، فبصمتي وتعبي فيما أنتج منحني سعادة لا توصف، ولا زال النجاح حليفي وأصبحت مبيعاتي تغطي احتياجاتي من الناحية المادية، وزبائني هم من مختلف فئات المجتمع ومن مختلف الأعمار، من لبنان وأفريقيا والكويت وأطمح للوصول لباقي العالم، ففن المكرمية فن عريق يتمثل بتقنية صياغة الخيوط وحبكها لتعطي شكلاً فنياً ذي مظهر جمالي، وهو أحد أهم الفنون العربية الأصيلة المنتشرة في كافة أنحاء العالم".
ووجهت ريان إسماعيل المفعمة بالحب والحيوية رسالة للنساء والفتيات قالت فيها "أولاً ابحثي عما تحبين لتعملي به لا على ما يقترح ويعرض عليكِ من أعمال، وجربي لتصلي إلى ما ترضي تطلعاتك فالشغف فيما نحب هو طريقنا للأبداع والنجاح، وثانياً اهتمي بالتحصيل العلمي، فمتابعة الدراسة ضرورية للفتاة، وفي حال لم يتيسر ذلك لا تدعي هذا الأمر يشكل عائقا أمامك، لأن بإمكانك أن تنجزي مما تحبين عملاً تبرعين فيه ويحقق لك استقلاليتك وطموحاتك"، مؤكدة أن "التجارب والخبرات التي راكمتها في هذا الوقت القصير جعلتني أكثر ثقة لأقدم نصيحة وأشارك تجربتي مع الآخرين".