بحثاً عن عوائلهن المشتتة... نساء في إدلب تواجهن مخاطر الهجرة إلى أوروبا
لم تعد تقتصر الهجرة على الرجال في إدلب، إنما شملت النساء اللواتي حرمن العيش ضمن أجواء أسرية طبيعية بعد هجرة معظم أفراد عوائلهن إلى الدول المجاورة مع امتداد رقعة الحرب السورية.
هديل العمر
إدلب ـ تواجه نساء في إدلب، مخاطر الهجرة واللجوء إلى الدول الأوروبية بهدف الالتحاق بأزواجهن وأبنائهن الذين شردتهم الحرب منذ سنوات.
لم تفلح محاولات فاطمة عبد العزيز (48 عاماً) وهي نازحة من مدينة خان شيخون جنوب إدلب، بالدخول إلى الأراضي التركية بطريقة (التهريب) بعد أكثر من عشر محاولات فاشلة تعرضت من خلالها لمختلف أنواع الضغوطات النفسية والمضايقات من حرس الحدود التركي.
وتأتي محاولات فاطمة عبد العزيز لدخول الأراضي التركية على أمل وصولها إلى أولادها المقيمين في ألمانيا منذ ست سنوات، خاصة بعد أن فقدت زوجها خلال الحملة العسكرية الأخيرة، ونزحت عن مدينتها ومنزلها، لتبقى وحيدة في مواجهة أعباء ومصاعب الحياة.
تقول إن قرارها باللجوء جاء بعد أن غدت وحيدة دون سند وحاجتها الملحة لمن يرعاها ويعتني بها بعد إصابتها بأمراض مزمنة كالضغط والسكري في ظل عدم وجود أي أقارب لها في إدلب.
وأضافت أن العناصر والجنود الأتراك لم يدخروا وسيلة تعذيب إلا واستخدموها على المهاجرين الراغبين بالعبور إلى الأراضي التركية، بما فيهم النساء اللواتي يتعرضن لوسائل تعذيب ممنهجة ومنها "نزع الحجاب، والضرب، والتحرش" وذلك لضمان عدم عودتهن مرة أخرى.
كلام المهربين وتطميناتهم المستمرة كانت تدفع فاطمة عبد العزيز لنسيان المآسي السابقة، وخوض مخاطر جديدة على أمل لقاء أبنائها الثلاثة الذين آثرت هجرتهم وابتعادهم عنها، على بقائهم في منطقة صراع دائمة ومستمرة حصدت أرواح العديد من الأهالي والسكان الذي كان زوجها واحد منهم.
وأشارت إلى أنه وفي محاولتها الأخيرة أطلق حرس الحدود التركي النار عليهم بشكل مباشر، ما أدى لإصابة طفل وامرأة بجروح متفاوتة الخطورة، الأمر الذي دفعها للامتناع عن المخاطرة مرة أخرى، بعد يأسها من إمكانية عبور الجدار الحدودي والوصول إلى الجانب التركي.
ومنذ العام 2018 وثقت منظمة هيومن رايتس ووتش، في تقرير لها، إطلاق الجندرمة التركية النار عشوائياً على طالبي اللجوء السوريين في مناطق حدودية مع إدلب.
واتهمت المنظمة الجندرمة بإطلاق النار على السوريين وضربهم، عند محاولتهم الدخول إلى تركيا، ما تسبب بمقتل وإصابة عدد منهم بجروح خطيرة، داعية السلطات التركية إلى التوقف عن صد طالبي اللجوء السوريين والتحقيق في استخدام القوة المفرطة من قبل الحرس.
ولا توجد إحصائية رسمية ودقيقة لأعداد النساء اللواتي تحاولن العبور من إدلب إلى الأراضي التركية ومنها إلى أوروبا، في حين أكدت ناشطات تحدثن لوكالتنا ازدياد أعدادهن بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، مع كثرة الحديث عن قوافل وموجات هجرة جديدة.
وبعد أن تمكنت هي وطفلها من الوصول إلى الأراضي التركية، عادت نصرة الشيخ أحمد (28 عاماً) أدراجها إلى إدلب، بعد أن رحلتها السلطات التركية أثناء توجهها إلى مدينة لواء اسكندرون للعبور إلى قبرص اليونانية حيث يقطن زوجها.
تقول إنها نجحت بعد محاولات شاقة وعديدة في الوصول إلى الأراضي التركية، ولكن سرعان ما اعتقلتها إحدى الحواجز التابعة لجهاز الأمن التركي بحجة عدم حيازتها على بطاقة "الـ كيمليك وإذن سفر" أثناء توجهها إلى نقطة الانطلاق مع أحد المهربين في منطقة اسكندرون جنوبي تركيا.
وأضافت أن السلطات التركية احتجزتها مدة 72 ساعة قبل أن تجبرها على التوقيع على ورقة العودة الطوعية، ليتم ترحيلها عبر معبر باب الهوى الحدودي إلى إدلب، ما أدى لخسارتها خسارة تصفها " بالكبيرة" بعد أن دفعت مبلغ 1500 دولار أمريكي للوصول إلى الأراضي التركية.
وأشارت إلى أن زوجها هاجر بمساعدة أحد أقربائه إلى قبرص أواخر عام 2019، بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية المزرية التي حاصرتهم غداة نزوحهم من مدينة معرة النعمان، إذ أنها لا تمتلك أي خيارات أخرى سوى المخاطرة والمجازفة للحاق بزوجها.
من جانبها تطالب روان قدور وهي مستشارة أسرية واجتماعية بضرورة حماية النساء اللواتي فرضت عليهن الهجرة واللجوء كخيار وحيد للحفاظ على أسرهن من التشتت والضياع.
وتقول إن الهجرة لم تعد تقتصر على الرجال في إدلب، إنما شملت النساء اللواتي حرمن العيش ضمن أجواء أسرية طبيعية بعد هجرة معظم أفراد عوائلهن إلى الدول المجاورة مع امتداد رقعة الحرب السورية.
وأضافت أن هؤلاء النساء تتعرضن لمختلف أنواع المخاطر خلال رحلاتهن التي فرضتها عليهم الحرب الدائرة، خاصة وأن هذه الرحلات تتم عبر "مهربين وتجار بشر همهم الوحيد هو الحصول على الأموال دون الاكتراث لسلامتهن وأمنهن".
وأشارت إلى ضرورة تحمل المنظمات الدولية مسؤولياتها تجاه النساء اللواتي فقدن عوائلهن بالهجرة أو الشتات، من خلال إيجاد آليات وطرق آمنة وقانونية تخفف من معاناتهن الناتجة عن الفقد والحرمان، دون تعريضهن للمخاطر وطمع المهربين.