بعد توقف نشاطاته... مركز "الأمان" يعود لاحتضان التونسيات الناجيات من العنف

تعتبر مراكز إيواء النساء ضحايا العنف آلية لتمكين المرأة من تخطي تجربة العنف الذي تتعرض له في المجتمع، والإحالة دون استسلامها للعنف بكل أشكاله

زهور المشرقي
تونس ـ ، وكذا حتى لا تقع فريسة لأخطار الشارع.
وفي ظل إغلاق مركز إيواء النساء المعنفات في تونس، ظل مصير هذه الفئة من النساء عرضة للتشرد والشارع، لكن الآمال في تغيير بعض من هذا الواقع بدأت مع إعلان وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن بتونس أمال بلحاج موسى، في الأول من شباط/فبراير، عن استئناف عمل مركز "الأمان" لإيواء النساء ضحايا العنف بعد توقف دام قرابة سنة ونصف السنة للاستجابة لاحتياجات الناجيات من العنف الأسري.
وكانت الوزيرة قد وقّعت في الحادي عشر من كانون الثاني/يناير اتفاقية شراكة بين الوزارة والجمعية التونسية للتصرف والتوازن الاجتماعي، تتولى بمقتضاها هذه الجمعية تسيير مركز "الأمان" لإيواء النساء ضحايا العنف والأطفال المرافقين لهن على امتداد ثلاث سنوات، وتم تبعاً لذلك انتخاب مديرة للمركز ومكلفة بالإدارة والمالية وثلاث مرافقات.
وقد حرصت الوزارة على الإسراع في نسق أعمال صيانة المركز وتهيئته لتوفير أفضل ظروف الإقامة المؤقتة والآمنة للنساء ضحايا العنف وأطفالهن، وتقديم خدمات الإنصات والرعاية الطبية والنفسية والاجتماعية، إضافةً إلى التوجيه القانوني والمرافقة القضائية والإدماج الاجتماعي.
وأشارت الناشطة النسوية حياة بن عمر في تعليقها على المبادرة خلال حديث لوكالتنا، أن إعادة استئناف عمل مركز "الأمان" لإيواء النساء ضحايا العنف، سيسهم في تخفيف الضغط على قدرة استقبال ضحايا العنف الموجودات بجمعية "بيتي". 
وأوضحت أن مركز "الأمان" المركز العمومي الأول وطنياً والوحيد بتونس الكبرى، وقد أدى تأسيسه عام 2016، إلى تامين إيواء 518 ضحية للعنف من بينهن 252 طفلاً.
ويضم مركز الأمان 30 سريراً وقاعة متعددة الاختصاصات وورشة خياطة وأخرى لصناعة المرطبات، وفضاء خارجي يتم استغلاله لإنتاج الخضر والنباتات العطرية والطبية التي يتم تقطيرها في إطار تثمين المنتوجات الزراعية.
من جهتها أكدت الباحثة في علم الاجتماع صبرين عجرودي، على أن غياب وجود أكثر من مركز لإيواء النساء المعنفات قد تنتج عنه مآسي كثيرة، حيث يشكل عدم وجود إطار اجتماعي يكفلهن ويأخذ بأيديهن أرضية لاستقطابهن في تجارة الممنوعات أو توريطهن في شبكات الدعارة، لافتةً إلى أن الضحية قد ترضخ للعنف ما ينتج عنه مستقبلاً جيل جديد مطبع مع العنف وقابل له.
وأشارت إلى أن النساء المعنفات اللواتي يفتقدن إلى مركز يأويهن يتعرضن إلى كل محاولات الاغتصاب والتحرش، الوضع الذي يزيد من معاناة الضحايا بشكل كبير، كما أن عدم توفير ذلك الإطار من شأنه أن يخلق أمراضاً نفسية للضحية قد تدفعها إلى الانتحار أو الانحراف.
وتطرقت إلى مختلف التحديات التي تواجه تطبيق القانون عدد 58 لمكافحة العنف ضد المرأة، ومن ضمنها آليات تنفيذ القانون وعدم وجود طرق واقعية لحماية الضحية.
وعن النقص الحاد الذي تعرفه تونس في عدد مراكز إيواء النساء ضحايا العنف، أوضحت رئيسة جمعية صوت حواء جنات كداشي، أن وجود مركز واحد لإيواء النساء ضحايا العنف في تونس مشكلة حقيقية، لافتةً إلى أن مركز واحد لا يمكنه استيعاب العدد الهائل للنساء المعنفات ولا يمكنه تقديم الخدمات اللازمة لهذه الفئة، داعيةً وزارة المرأة إلى وضع ميزانية خاصة بمثل هذه المراكز سيما وأن مركز الأمان الذي استأنف عمله، يعد الأول من نوعه عمومياً.
وترى أن استئناف مركز الأمان بعد أكثر من سنة من التوقف، أمر إيجابي لطمأنة ضحايا العنف أن هناك مأوى ينتظرهن حتى لا يستسلمن للعنف ونتائجه.
وعن ارتفاع نسب العنف خلال السنوات الأخيرة في تونس، تقول الناشطة الحقوقية أن عدد النساء المعنفات ارتفع بطريقة مرعبة ويرجع ذلك بالأساس إلى عدم توفر مأوى للضحايا اللواتي صرن يطبعن ويتسامحن مع العنف، وبالتالي يقبلن بالبقاء مع معنفهن.
ودعت إلى فتح فروع أخرى لمركز "الأمان" في مختلف أنحاء تونس وتوفير الدعم الكافي والإحاطة النفسية والاجتماعية لضحايا العنف حتى لا يكن لقمة سهلة لدى معنفهن والمجتمع.
ونددت بإغلاق العديد من المراكز في الجهات الداخلية وعدم التعامل الجدي مع شكايات ضحايا العنف، مذكرةً بحادثة مقتل رفقة الشارني على يد زوجها الأمني بعدة رصاصات من سلاحه، "لو وجدت رفقة الشارني وغيرها مركز يأويهن في تلك المناطق لتجنبنا العديد من المآسي التي انتهت بالقتل".
وتطلق الناشطات صافرة إنذار بشأن ما يخلفه العنف من مآسي وآثار سلبية على حياة النساء خاصةً مع عجز مختلف الأطراف عن جبر الضرر الناجم عنه وتوفير الإمكانات والمحاسبة وفق ما يفرضه القانون. 
وتعتقد الناشطة النسوية والمختصة في علم الاجتماع رحمة بن سليمان أنه رغم المصادقة على قانون العنف ضد المرأة من قبل البرلمان، إلا أن العنف لازال منتشراً ضد النساء في الفضاء العام كما الفضاء الخاص، وهذا من شأنه أن يحيل إلى أن القوانين الردعية تبدو قاصرة نسبياً في الحد من شتى أنواع العنف ضدهن، معتبرةً أن عدم وجود مراكز لإيواء المعنفات من شأنه أن يزيد نسب العنف لاعتبار أن المعنف يعرف جيداً أن لا مأوى لضحيته.
وأفادت بأن مركز الإيواء من شأنه أن يخفض من وطأة معاناة المعنفات اللواتي يجدن أنفسهن مرميات في الشارع بسبب عدم وجود مأوى.
يشار إلى أن مركز الأمان لإيواء النساء ضحايا العنف، كان فضاء خاصاً بالأطفال قبل أن يصبح مركزاً للتعهد بالنساء الضحايا والناجيات من العنف، وكان محل جدل بين الجمعيات النسوية والسلطات حيث منعت الأخيرة الناشطات الجمعويات من إدارته بعد أن عاود الهلال الأحمر فتحه وتشغيله قبل انتقال إدارته إلى جمعية النساء التونسيات للبحث حول التنمية تحت إشراف وزارة الأسرة والمرأة عام 2013.
والجدير ذكره أن تونس سنت عام 2017 قانوناً لمحاربة العنف ضد النساء، ولا زالت الدولة تتعامل معه على أنه مكسب، في حين تستنكر النسويات طرق تنفيذه ويبرزن نواقصه المتعددة، وظلت الجمعيات النسوية بدورها تطالب بتأسيس مراكز إيواء إضافية لتوفير العناية والمرافقة النفسية والإرشاد القانوني لهن.