بعد تشديد عقوبته... واقع التحرش وتأثيره على النساء
تعاني النساء في مختلف الأعمار من التحرش خاصة من يخرجن للحياة العامة سواء للعمل أو الدراسة وغير ذلك، وهو الأمر الذي دفعهن للتحرك سنوات طويلة حتى تم تشديد العقوبة على مرتكبي تلك الجريمة في الداخل المحلي.
أسماء فتحي
القاهرة ـ "مازلت لا أصدق، فقد تعرض لي أحدهم وقررت اصطحابه لقسم الشرطة، إلا أن المارة حالوا دون ذلك وأخافوني فلم أعد أعلم من منا الجاني ومن الضحية"، لم تكن تلك الشهادة الوحيدة التي قصتها علينا نساء بشأن منعهن من سلك المسار القانوني تجاه المتحرشين بل كثرت الروايات الشبيهة والتي تعبر عن واقع بات يحتاج لعمل متكامل لتغييره.
جريمة التحرش مرت بمراحل عدة وإجراءات تشريعية داعمة للنساء ومشددة للعقوبات بشأنها، إلا أن واقع المجتمع مازال يحتاج لتدخلات أخرى كون الكثيرون ما زالوا لا يرون فيما يقع على النساء من انتهاكات وعنف جريمة وبالتالي يحولون دون تنفيذ ما يتم توقعه من عقوبات بشأنها.
ولكون الثقافة المجتمعية ترى أن المرأة عليها التحمل وتجاوز ما قد تتعرض له من انتهاك صادفنا في تقريرنا التالي عشرات القصص التي وجدت النساء فيها تدخلات من المارة أو سكان المنطقة أو الباعة لمنعهن من الإبلاغ عن وقائع التحرش التي تحدث لهن في الشارع، بل أن بعضهن تعرضن لهجوم وعبارات نابية وكأنهن مذنبات مما جعلهن في ورطة وآثرن التنازل والسير بدلاً من التصادم مع المواطنين بالشارع.
فتيات يرون أن تشديد العقوبة حال دون تنفيذها
رأت العديد من الفتيات والنساء أن هناك محاولات لدعم المتحرش في الشارع من المواطنين خاصة بعد تغليظ العقوبة على تلك الجريمة وهو الأمر الذي يحتاج لتدخل حتى يتم رفع الوعي تجاهه.
فروت سمر حمدي "اسم مستعار"، أنها تعمل بواحدة من الشركات الكبرى، وخلال سيرها بالشارع تعرضت لمضايقات من شخص تطاول ولمس جسدها فقررت الإمساك به والإبلاغ عنه، إلا أن عدد من الرجال في المقهى المجاور هرعوا إليهم وقرروا فض الأمر وتخليص المتحرش من يدها.
وأضافت "لا أعلم كيف حدث ذلك لكني فوجئت بعدد من الأشخاص حولي يخبروني أن الأمر لا يستحق وعليّ تركه وحينما رفضت قاموا بتخليصه، وأخبرني أحدهم أنها مجرد كلمة لن تؤثر وحينما صرخت بأنه مسك بجسدي أكدوا أن ذلك لا يقارن بتدمير مستقبله وشعرت للحظات أني المجرمة وأنه الضحية من كثرة التعاطف معه".
وقالت سمر حمدي، إنها لم تبرح منزلها لثلاثة أيام بعد مشاجرتها مع المتحرش والمارة في الشارع، لكونها لم تقبل بما تم عليها من اعتداء ولم تحصل على حقها، والأسوأ كما تروي في حديثها إلينا "نظرة التعاطف التي وجدتها من المارة تجاه المتحرش"، لافتة إلى أنها شعرت بالإحباط الشديد والخوف وأن تلك الواقعة مر عليها نحو عامين ولكنها لن تنسى ما حدث وكأنه يتكرر كل يوم.
بينما قالت سلوى فوزي "اسم مستعار"، أنها تشاجرت في أحد مواقف المواصلات مع سائق اعتدى عليها أثناء انتظارها، ووجدت هجوم شديد عليها من المتواجدين في النطاق فور تهديدها له بإبلاغ الشرطة عما يقوم به قائلة "لا أعلم ما سر التضامن مع المتحرش الذي تشاجرت معه والذي وصل لحد قول أحدهم "الستات هتعوز إيه أكتر من اللي واخداه البلد كلها بقت بتاعتكم" بل وصمني آخر بأنني أستحق وأن ملابسي سبباً في ذلك".
بينما أكدت سلوى فوزي، أنها لا تستطيع ارتياد المواصلات العامة ومنذ تعرضها لواقعة التحرش في أحد المواقف لم تكرر الأمر مجدداً ورغم أن ركوب المواصلات الخاصة "التاكسي" مكلف بالنسبة لها، إلا أنها لا تقوى على تحمل الأفكار التي تعصف بمخيلتها فور تفكيرها بالذهاب لموقف الركاب مرة أخرى، كاشفة أنها تعاني من أزمة ثقة بعدما خذلها الركاب في الموقف ودافعوا عن المتحرش الذي اعتدى عليها ووجهوا لها اتهامات ولوم كونها امرأة فقط قررت الحصول على حقها من المعتدي.
القوانين والتطبيق المجتمعي
وكشفت فاطمة سراج مديرة الوحدة القانونية بمؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن تغيير السياسات التشريعية فيما يتعلق بجريمة التحرش ضد النساء والعلاقة الطردية المتعلقة بزيادة معدل تلك الجرائم لا تتحقق إلا في وجود وعي مجتمعي كبير بكون التحرش نفسه والعنف ضد النساء خطأ وجريمة أخلاقية لا يجب القيام بها.
واعتبرت أن غياب الوعي أحد أهم أسباب ممارسة تلك الجريمة ونصوص القانون الخاص بها، لذلك الأمر يحتاج لعمل على مستويات عدة في المدارس والجامعات والنوادي ومراكز الشباب، والنزول للفئات الاجتماعية لرفع وعيهم وبعد ذلك يأتي دور القانون وفاعليته.
وأوضحت أن ما يحدث من دعم للمتحرشين والضغط الممارس على الفتيات حتى لا يسرن في الإجراءات القانونية موجود بالفعل وذلك لأن حملة التوعية الضخمة التي كانت تقوم بها الحكومة في هذا الصدد توقفت وكان لهذا النوع من الدعاية دور كبير في الردع، وبالتالي أصبح المواطنين يرون أن ما يحدث من انتهاك لا يستحق العقوبات الواقعة على المتحرش حال اصطحابه لقسم الشرطة.
وأكدت فاطمة سراج أنه لوجود تشريع منصف وعادل ومرضي مجتمعياً يجب أن يناقش على نطاقات واسعة ويفتح حوله حوار يشارك به جميع الفئات، ولكن غياب ذلك يجعل المواطنين في وادي وتلك القوانين في واد آخر وبالتالي فمسألة التطبيق أو القبول به صعبة وأحياناً تجد مناهضة لنفاذها.
الانتهاكات التي تتعرض لها النساء وخاصة الجنسي منها يبقى أثرها لسنوات في ذاكرتهن وقد تحول دون قدرتهن على الخروج أو تفضيلهن لأعمال من المنزل خوفاً مما قد تتعرضن له في الشارع.
والجدير بالذكر أن معدلات التحرش والاغتصاب مرتفعة على مستوى العالم فبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسف"، فإن واحدة من كل ثمانية نساء حول العام تعرضن للتحرش أو الاغتصاب قبل سن الـ 18 عام.