بعد تصاعد الاعتداءات على الأحياء العلوية مجلس الأديان يحذر من فتنة طويلة الأمد

في ظل أزمة سوريا المعقدة وما رافقها من اضطرابات سياسية وأمنية واجتماعية، تتجدد المخاوف من انزلاق البلاد نحو صراع طائفي مفتوح، وذلك بعد سلسلة اعتداءات استهدفت الأحياء العلوية خلال الأيام الماضية، مخلفة حالة ذعر بين الأهالي.

أسماء محمد

قامشلو ـ تشهد سوريا منذ سنوات حالة من التصدع العميق نتيجة تراكم الأزمات وتداخل الأبعاد السياسية والأمنية والاقتصادية، ومع دخول البلاد مرحلة انتقالية تتصاعد مؤشرات خطيرة تهدد السلم الأهلي نتيجة للمارسات الوحشية التي ترتكبها جهاديي هيئة تحرير الشام ضد الطوائف والأديان المختلفة.

إدارية مكتب العلاقات لمجلس الأديان والمعتقدات في إقليم شمال وشرق سوريا دلال خليل تحدثت لوكالتنا عن الاعتداءات الأخيرة التي طالت الأحياء العلوية في مدينة حمص وقالت أنه لا يمكن النظر اليها كحوادث منفصلة، بل هي بحسب ما تقول ذات طابع منظم يستهدف مكوناً بعينه ويضرب أسس التعايش.

وترى أن هذه الهجمات تحمل أبعاداً طائفية واضحة، وتكشف هشاشة الإجراءات الأمنية، الأمر الذي يستدعي تدخلاً عاجلاً ومسؤولاً لحماية المدنيين ومنع توسع الشرخ بين المكونات السورية قبل فوات الأوان "البلاد تقف اليوم أمام مفترق طرق بالغ الحساسية، ويتحتم على القوى السياسية والاجتماعية أن تجد صيغة مشتركة تحول دون انزلاق البلاد نحو مزيد من الانقسام والصراع".

 

استمرار الهشاشة ينذر بانفجار جديد

وبينت أن المرحلة الراهنة تفرض مسؤولية مضاعفة على الأطراف كافة لإعادة بناء الثقة المفقودة بين المكونات، والتخفيف من الاحتقان، وفتح المجال أمام عملية انتقال مستقرة تعكس إرادة الشعب، وإلا فإن استمرار الهشاشة الراهنة ينذر بانفجار جديد قد يكون أشد خطراً وتعقيداً من كل ما سبق.

وأكدت أن المجلس ينظر إلى الاعتداءات من قبل جهاديي هيئة تحرير الشام على الأحياء العلوية باعتبارها خطراً بالغاً لا يمكن التعامل معه بخفة، وذلك لأنها تستهدف مكوناً محدداً بشكل مباشر، وهو ما يضفي عليها طابعاً طائفياً منظماً، ويجعلها تتجاوز نطاق الجرائم الفردية أو الطارئة "هذه الاعتداءات تشكل في جوهرها رسائل تهديد جماعية تمس السلم الأهلي وتفتح الباب أمام دوامة من العنف قد يصعب احتواؤها إذا استمرت أو توسعت".

وخطورة الهجمات بحسب ما توضح دلال خليل لا تكمن فقط في آثارها المادية، بل في أبعادها المتعددة التي تجمع بين الجانب الأمني والطائفي والاجتماعي والسياسي وحتى النفسي "الاستهداف المتكرر للمناطق العلوية لا يمكن قراءته كحوادث منفصلة، بل كجزء من نمط منظم يسعى لضرب التعايش وزرع العداء بين المكونات، وهو ما يهدد بتحويل التوترات الراهنة إلى فتنة طويلة الأمد إذا لم تتم معالجتها بشكل سريع وحاسم".

 

الحماية واجب لا يقبل التسيس أو المساومة

وشددت على أن المطلوب الآن هو انتشار أمني محايد في المناطق ذات الوضع الحساس، واتخاذ إجراءات واضحة لمحاسبة المسؤولين عن الهجمات أياً كانت خلفياتهم، إلى جانب منع استخدام الانتماء الديني أو الطائفي كذريعة لاستهداف المدنيين أو التلاعب بمشاعرهم.

وأكدت دلال خليل على أهمية العيش المشترك والعلاقات اليومية التي تربط الطوائف والأديان وتشكل أحد أهم ضمانات استمرار المجتمع السوري وحمايته من التفكك "الاعتداءات الأخيرة ضربت هذا النسيج المتماسك ودفعت بالكثيرين للشك في جدوى الحلول السياسية وقدرة السلطات على حماية المكونات، الأمر الذي قد يؤدي لاتساع فجوة عدم الثقة بين الشعب والجهات الحاكمة إذا لم تتم معالجته بسرعة ومسؤولية".

 

الخطاب المسؤول هو خط الدفاع الأول

ويعمل المجلس حالياً، كما تبين على إطلاق مبادرات حوارية موسعة تجمع بين رجال الدين والقيادات المجتمعية، بهدف تعزيز التواصل وإعادة بناء الجسور بين المكونات، إضافة إلى دعوته لوقف استخدام المنابر الإعلامية والدينية في التحريض، وتشجيع خطاب يركز على وحدة المجتمع ورفض الانتقام، مشيرةً إلى أن "الخطاب المسؤول هو خط الدفاع الأول ضد محاولات بث الفرقة واستغلال الوضع الراهن لإضعاف المجتمع. الإخفاق في كسب ثقة الشعب ما زال أحد أبرز التحديات، إذ أن الهجمات التي شهدتها مناطق الساحل والسويداء واستهداف دور العبادة خلال الأشهر الماضية أظهرت ثغرات كبيرة في الجانب الأمني. المطلوب اليوم هو وضع قوانين جديدة بمشاركة جميع الجهات والمكونات، وتشكيل لجان أمنية مشتركة تضمن عدالة التمثيل، ونشر قوات محايدة قادرة على التدخل السريع، إلى جانب إطلاق حملة وطنية شاملة لمناهضة الطائفية تشمل المدارس والإعلام والمؤسسات المجتمعية".

ولفتت إلى أن المجلس أطلق في وقت سابق برنامج حماية التعايش الذي يتضمن عقد منتديات ولقاءات تجمع ممثلي الطوائف والأديان مع المجتمع المدني، بهدف تعزيز الروابط الانسانية وخلق مساحات للحوار البناء، كما يتضمن البرنامج حملة إعلامية بعنوان معاضد الطائفية، تهدف لمواجهة الخطاب التحريضي وتذكير السوريين بأن العيش المشترك ليس خياراً ثانوياً بل ضرورة لبناء وطن قادر على تجاوز أزماته".

وفي ختام حديثها أكدت الرئيسة المشتركة لمجلس الأديان والمعتقدات في إقليم شمال وشرق سوريا دلال خليل على أن إرادة الشعوب هي الأساس الحقيقي لنجاح أي نظام، فهي التي تمنح الشرعية وتحدد مسار السياسات وتضمن استقرار المجتمع "التجارب العالمية أثبتت أن الدول التي احترمت إرادة مواطنيها تمكنت من بناء مؤسسات قوية قادرة على مواجهة الأزمات، بينما تلك التي تجاهلت أصوات شعوبها غرقت في الانقسامات والصراعات، لذلك على جميع الأطراف الاستماع لصوت الناس باعتباره الطريق الوحيد لبناء مستقبل مستقر وعادل".