بعد سنوات من الدراسة... صاحبات الشهادات العليا أمام واقع مأساوي في تونس
بحسب الإحصائيات والأرقام المتداولة فإن أكثر من 180 ألف امرأة من الحاصلات على الشهادات العليا عاطلات عن العمل في تونس، في ظل قلة فرص العمل
نزيهة بوسعيدي
تونس ـ آلاف العاطلات عن العمل من الحاصلات على الشهادات العليا في تونس، فقدن أملهن في إيجاد عمل يتماشى مع مؤهلاتهن العلمية, العديد من منهن طالت بطالتهن لتتجاوز العشر سنوات على أقل تقدير، وبعضهن رضين بالعمل في مهن لا تتناسب وشهاداتهن الجامعية لأن وضعهن الاجتماعي وانتمائهن إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة يفرض عليهن ذلك.
كان إقرار القانون عدد 38 لتشغيل من طالت بطالتهم من أصحاب الشهادات العليا بصفة عامة بمثابة الأمل لهن، إلا أن قرار عدم العمل به من قبل رئيس الجمهورية قيس سعيد وإعلان وزير التشغيل والناطق الرسمي باسم الحكومة غلق باب الانضمام إلى الوظيفة العمومية كان بمثابة الصدمة للجميع وساهم في مضاعفة حجم المعاناة وأدى بالتنسيقية الوطنية للحركات الاجتماعية إلى الاحتجاج وإصدار بيانات لتوحيد الصف من أجل الوقوف ضد خيارات الحكومة.
سناء مساهلي واحدة من خريجات الجامعة اللواتي بقين لفترة طويلة عاطلين عن العمل، تقول لوكالتنا أنها "تخرجت من الجامعة وحصلت على الإجازة التطبيقية في إنجليزية الأعمال منذ عام 2010، ولم أحصل على عمل جيد يحقق استقلالي المادي ويعوضني عن سنوات التعب والجهد التي قضيتها في سنوات الدراسة"، مشيرةً إلى أنها منذ 12 عاماً من تخرجها وهي تعمل في مهن ظرفية إما بالسياحة أو بالتجارة.
وأضافت "خلال العشرية الأخيرة تم الانتداب بالولاءات والمحاصصة الحزبية وبعد 25 تموز عاد بصيص الأمل بتحقيق العدالة في توفير فرص عمل لكن للأسف الحكومة واجهتنا بالمماطلة في تنفيذ تعهداتها ولم يبقى أمام صاحبات وأصحاب الشهادات العليا غير الخروج للشارع والمطالبة بالحق في الحصول على عمل".
وأشارت إلى أن "عدم حصولي على عمل جيد كانت له تداعيات نفسية ومعنوية ومادية كبيرة خاصةً وأنني أم لطفلة ولدي التزامات مادية وليس لي منزل وزوجي اضطر للسفر إلى خارج البلاد وتركني أربي ابنتي بمفردي كما أن عائلتي قلقة دائماً بشأن مستقبلي وتترقب إيجاد حل نهائي لبطالتي لكن هيهات تمر السنوات تباعاً ونحن على نفس الحال".
من جانبها قالت بثينة بن عمارة خريجة اختصاص تقني سامي في الكهرباء الصناعية بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية، عاشت تجربة مريرة مع البطالة رغم أنها صاحبة شهادة عليا، أنها "تخرجت منذ 16 عاماً، وحتى الآن لم أحصل على عمل غير أني قمت بتربص للتأهيل المهني بسنة واحدة وعملت لمدة سنة ونصف عبر عقد كرامة بإحدى الشركات ثم تخلت عني ودفعتني إلى مقاضاتها للحصول على مستحقاتي".
وأوضحت أنها حالياً تعمل بأحد المصانع براتب عاملة أي كما لو أنها لم تدرس يوماً بالجامعة وذلك حتى تواجه شبح البطالة وتساعد زوجها على مصاريف المنزل ومصاريف ابنتها التي تدرس بالمعهد الثانوي، مشيرةً إلى أن الظروف قست عليها خلال السنوات الأخيرة إلى درجة أنها لم تستطع تسديد فاتورة الكهرباء.
ولفتت إلى أنه لا يوجد أي بصيص للأمل في تونس وحال الخريجين يزداد سوءاً عاماً بعد الآخر والكل أصبح يرغب في مغادرة البلاد بأي طريقة ولو باستعمال قوارب الموت.
ووضعية الخريجات المادية والنفسية والمعنوية تقريباً متشابهة وعن ذلك تقول ألفة عبيشو خريجة كلية الحقوق والعلوم الاقتصادية والسياسية بسوسة "تخرجت من الجامعة في عام 2010، لأجد نفسي في مواجهة شبح البطالة ومنذ ذلك الوقت لم أترك باباً إلا وطرقته حتى أجد عملاً، وأواكب تقريباً جميع الاجتماعات والملتقيات غير أني لم أظفر إلا بفرص عمل هشة".
توفير فرص عمل
الاتحاد الوطني للمرأة التونسية من الهياكل التي تساعد المرأة على إيجاد فرص عمل ومنهن صاحبات الشهادات العليا وذلك من خلال توفير قروض صغرى تساعدهن على تأسيس مشروع صغير إضافة إلى تأطيرهن ومساعدتهن على إنجاحه.
تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي، أن صاحبات الشهادات العليا في تونس استطعن تجاوز بطالتهن من خلال بعث مشاريع صغرى وخاصة فلاحية بل إن الكثيرات منهن غيرن الاختصاص من خلال الانضمام إلى اختصاصات جديدة وتحولن إلى العمل في ميادين فلاحية أو صناعات تقليدية لتوفير مورد رزق لهن ولعائلاتهن.
وأوضحت أن الاتحاد يقوم بدور كبير في الحد من البطالة في صفوف النساء ويساعد على التمكين الاقتصادي خاصة في مجال قطاع الصناعات التقليدية والقيام بأعمال ذات طابع فلاحي.
وذكرت أنه يمكن تسويق المنتوجات داخلياً وخارجياً لذلك الاتحاد يعمل على التدريب والتكوين والتهذيب لجعل منتوجات النساء قابلة للمنافسة وكذلك يقوم بدور مهم في مجال التوعية والتحسيس في كيفية ترويج المنتوجات خاصة.
وأشارت إلى أن الاتحاد يعمل على توعية النساء على ضرورة الاهتمام بالاقتصاد الأخضر وتدريبهن على جودة الاستفادة من المياه والتعليب وتثمين فوائض المنتوجات الفلاحية يومياً، كما يعمل على التنقل على عين المكان لمتابعة المشاريع والوقوف عند الصعوبات والنقائص والمساعدة على تجاوزها.