بعد جريمة المنوفية... أسباب ارتفاع معدل العنف في الفترة الأخيرة

لا يمر شهر بسلام في مصر دون واقعة جديدة، فخطورة العنف الممارس ضد النساء بات واضحاً، وهو الأمر الذي يجعل من الوقوف على أسبابه ضرورة للتعامل مع الواقع.

أسماء فتحي

القاهرة ـ ترتكب جرائم العنف بمعدلات ونسب كبيرة منذ سنوات ولكنها أصبحت بشكل أكثر وضوحاً خلال السنوات الأخيرة بفضل تسليط الضوء عليها من قبل الناشطات النسويات ومواقع التواصل الاجتماعي مما زاد من درجة الوعي لدى النساء والفتيات والمجتمع.

تعد واقعة قتل أماني عبد الكريم في محافظة المنوفية بمصر الثالثة من نوعها في وقت قصير بعد قتل نيرة أشرف وسلمى بهجت، وقصتها لا تختلف كثيراً عن سابقاتها، فترفض الفتاة أو الأهل الارتباط بالشاب الذي يقرر أن التخلص منها وينهي كل أحلامها، ولكن الأمر هنا لم يقف عند ذلك الحد فقد قرر الجاني فيما بعد أن يقتل نفسه بذات السلاح مما أربك الكثيرون حول واقع الشباب وما يمرون به من تأزم نفسي بات واضحاً مؤخراً.

ويعد قتل الشاب لنفسه تطور يستدعي أيضاً مناقشة أسبابه والقيام بعمل تشريح نفسي للواقع بعد التعرف على أراء بعض النشطاء والمهتمين بهذا النوع من القضايا، وهو ما قمنا به تفصيلاً في التقرير التالي، فالكثير من الفتيات أصبحن مهددات في الشارع مع غياب نسبي للأمان أو حتى التأكد أنهن قد تنجون عقب اتخاذهن قرار الرفض، خاصة مع انتشار معدل التهديدات.

وأزمة العنف الممارس على النساء ليست وليدة اللحظة رغم زيادة معدلها إلا أن هناك الكثير من الأسباب رسخت في الوجدان قبول تعنيف المرأة وإجبارها على الزواج بل وتعريضها للتأديب والضرب وأحياناً القتل إن لزم الأمر، وهو أمر ترى فيه المشاركات بتقريرنا خطورة يجب التعامل معها ومراقبتها من قبل الأسرة أولاً لحماية الشباب من التأثر السلبي بها.

 

العنف الممارس ضد النساء تطور في تكوينه وطبيعته مؤخراً ويستلزم آليات مواجهة

قالت المدير التنفيذي لمؤسسة إدراك للتنمية والمساواة نجوى رمضان، إن النساء يتعرضن للعنف منذ القدم، إلا أن هناك مجموعة من العوامل هي التي تغيرت وجعلت الأمر كما هو واضح في الفترة الأخيرة ومنها على سبيل المثال امتلاك القدرة على البوح بالتعرض له وامتلاك الوعي بطبيعة الممارسات التي تتعرض لها النساء، فالكثيرات لم يكن مدركات أنهن تتعرضن لعنف سواء في المجال العام أو حتى الخاص.

وأضافت أنه بإمعان النظر في جرائم العنف نجد أنها ترتكب بمعدلات ونسب كبيرة منذ سنوات ووفقاً لآخر إحصائيات ودراسات رسمية فالنسب لم تكن بالقليلة، وأن ما تغير هو درجة الوعي لدى النساء والفتيات والمجتمع، فضلاً عن التشجيع على الإفصاح وتسليط الضوء على ما يرتكب من جرائم وتشجيع الناجيات على الإبلاغ والتحدث.

وأوضحت أن لمنصات التواصل الاجتماعي دور كبير أيضاً حيث أنها استخدمت في نشر الجرائم والحشد لدعم الناجيات والضحايا وقيام جهات التحقيق ومنها مكتب النائب العام أو المجالس القومية ومكاتب المساندة القانونية بمنظمات المجتمع المدني سواء في الشكاوى والاستجابة بالتحقيق أو تحريك الدعاوى للتحقيق فيها بمجرد عرضها على تلك المنصات.

وعن طبيعة الجريمة نفسها أكدت نجوى رمضان، أنها اختلفت من حيث حجم بشاعتها، فأصبحت الجرائم التي تمارس ضد النساء أكثر عنفاً وتطوراً، مضيفةً أن التحرش على سبيل المثال أصبح نتيجة مواجهة الناجية للجاني والأمر قد يتطور لقتلها أو قتل من يدافع عنها، مشيرةً إلى أن جرائم رفض الزواج كانت تقابل بالترصد والمضايقة والتهديد بالرسائل والآن بات إنهاء حياة الفتاة هو الرد الانتقامي عليها.

وأشارت إلى أن أشكال جرائم العنف الممارسة على النساء والفتيات تطورت لتصبح مرتبطة بالفضاء الإلكتروني والمساحات والمنصات الرقمية والتواصل الاجتماعي مثل الابتزاز أو التهديد الإلكتروني أو المضايقات من خلال إرسال محتوى غير ملائم من صور وألفاظ، وهي أنواع جديدة من الجرائم تشكل تحدي يحتاج لتداخلات قانونية وتطوير آليات حماية للنساء والفتيات.

 

تجارب واقعية مع العنف والتهديدات

وبدورها قالت مؤسسة مبادرة برا السور أسماء عبد الحميد، أن العنف الممارس على النساء عند رفضهن الارتباط بشخص ليس جديد وإن اختلف في تكوينه وتطور، معتبرةً أنه تصاعد لمستوى غير أخلاقي وساهمت وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام في تسليط الضوء عليه بشكل أكبر مؤخراً.

وتحدثت أسماء عبد الحميد، عن تجربتها الذاتية مع العنف الذي وقع عليها إثر رفضها لشخص وإنهاء خطبتها منه "ارتبطت بشخص وكنت صغيرة في السن وهو أكبر مني بكثير، ولم أكن أرغب في استمرار الخطبة وظل يلاحقني لسنوات بالمشي خلفي أينما ذهبت وضرب أصدقائي وتهديده بنشر صوري في كل مكان".

وأضافت "بعد 11 عام من واقعة الرفض والملاحقة أخبر هذا الشخص أمي بأنه قام بعمل سحر لي ودفنه في أحد جدران المنزل وربما لن نجده إذا بحثنا أو نستطيع العثور عليه، وحاول بشتى الطرق المنطقية والغير منطقية أن ينتقم من رفضي له".   

وأكدت أن التهديدات لا تقف عند حد يرسل لي صورة سلاح ورصاصات بجواره كتهديد مرفق برسالة قال فيها أن تفكيري خاطئ ولكنه لا يقتل النساء، مشيراً إلى أنه إذا التقى بي في مكان مهجور وبالتالي سأموت وحدي من الجوع والعطش".

 

"جزء كبير منها ناتج عن غياب دور الأسرة وقلة وعيها"

ومن جانبها قالت مسؤولة الدعم النفسي بمؤسسة قضايا المرأة المصرية ناهد عمارة، أن العنف موجود منذ القدم ولكنه لم يكن بهذه البشاعة، معتبرةً أنه مواقع التواصل الاجتماعي سلطت الضوء عليه بشكل أكبر، موضحةً أنه تمت تغذيته من خلال العلاقات التي باتت على الهواء في مواقع التواصل المختلفة.

وأكدت أن هناك بعض الشخصيات لا تتقبل فكرة الرفض ومن ثم يصبح رد الفعل انتقامي سواء من خلال الابتزاز الإلكتروني أو تسليط الضوء على حياتها الخاصة كما حدث في الجرائم الأخيرة، فمنذ قتل نيرة أشرف ويتم الخوض في سمعتها وحياتها وحتى لباسها وكأن هناك تبرير للقتل يمكن قبوله والتعاطف مع مرتكبه.

وأضافت أن العنف بات انتقامي وليس مجرد رد فعل غاضب كما كان في السابق وهناك عدد من المروجين له بلا ضابط على وسائل التواصل المختلفة، بل هناك تصدير لصور مغلوطة عن الزواج والعلاقات بشكل عام تحتاج لتدخل من الأسرة للحد من آثارها السلبية، مؤكدة أن هناك أيضاً اختلال في المعايير المجتمعية للارتباط وهناك أسر تبحث عن شكل لزوج ابنتهم مميز وكذلك الفتاة نفسها لديها تطلعات قد لا تختلف عن المجتمع المحيط بها وهذا ربما يكون طبيعي ومنطقي ولكن الزواج والارتباط ليسا كذلك فلابد من وجود تفاهم ومودة.

وأوضحت ناهد عمارة، أن للدراما دور كبير في الترويج لفكرة إجبار الفتاة على الزواج والضغط عليها، لذلك يجب مراجعة ما يتم ترويجه لصالح السلطة الأبوية المطلقة على الفتيات.   

 

انتشار معدل العنف بين الشباب في سن صغير يحتاج لتدخل من الأسرة والمجتمع المدني

وقالت ناهد عمارة، إن مؤسسة قضايا المرأة المصرية تنبهت لخطورة السن الواقع بين 20 لـ 30 عاماً وعقدت ورش توعوية للشباب قبل سن الزواج بعد حادث لنيرة أشرف، وبه جزء مخصص حول تقبل الرفض وسبل طلب الدعم والجهات التي توفره، ولم يكن الأمر مقتصراً على العلاقات العاطفية بل في التعامل مع رفض القبول في كلية محددة أو حتى وظيفة يرغب فيها.   

وأشارت إلى أن واحد من أسباب تفاقم الأزمة هو قيام الشخص الذي تم رفضه بالشكوى للكثيرين حوله ولأن الموقف يشعره بالضعف، لذا فطلب الدعم النفسي هو أول الخطوات التي يجب القيام بها، لأن المتخصص سيكون على الحياد ومدرك لطبيعة الحالة وهو الأجدر على التعامل مع مثل هذه الأزمات.

وأكدت أن دور الأسرة رئيسي من خلال مراقبة وسائل التواصل التي يجلس الأبناء عليها والتعامل مع ما يتم طرحه بها لتقليل حجم السلبيات المصدرة للشباب من خلالها.

وأضافت ناهد عمارة، أن على الحكومة التوعية بدور الدعم الذي يحتاجه الشباب لتحسين صورة الوصمة النفسية خاصة لمن يتعرضون لصدمات عاطفية لأنها لا تقل خطورة عن المرض العضوي بل أنها أكثر تدميراً للأشخاص وللمحيطين بهم فتأثيرها قد يستمر لسنوات دون وعي من صاحبها بوجودها، لذلك يجب التوعية بها.

 

ثقافة نفسية مغلوطة في المجتمع والأسرة تدمر الشباب

وأكدت أن هناك ثقافة مجتمعية مغلوطة تدمر الشباب ومنها "الراجل مبيعيطش" وهو ما يجعل الطفل في الصغر يتربى على كتم مشاعره فتترجم في معاملاته العنيفة فيما بعد وتزيد من حدة ردود أفعاله تجاه الأزمات لأنه لم يستطع تفريغ غضبه والتنفيس عما يدور بداخله من ألم.

وأوضحت أن هناك علامات يجب مراقبتها في الشباب وإدراك أنها مؤشر على وجود الاكتئاب منها "النوم الكثير أو القليل عكس المعتاد، شرود الذهن، الصمت لفترات طويلة، عدم تنظيف الغرفة والرغبة في التواجد في الفوضى عكس المعتاد، عدم الأكل، الضحك بصوت مرتفع وردود الفعل الغير معتادة"، فكلها أمور يجب الانتباه لها خاصة في فترة المراهقة.

وأضافت أن الأهالي بحاجة للتوعية بخطورة التمييز الممارس داخل الأسرة بين الشاب والفتاة، فالابن يمكنه البوح بارتباطه ومشاعره بل يشاركه الأهل في الاختيار دون أي تعنيف، بينما لا تجرؤ الفتاة على البوح بمشاعرها وأن حدث ذلك يتم التنكيل بها وضربها إن لزم الأمر في محاولة لكبت مشاعرها باعتباره "عيب".

والجدير بالذكر أن مؤسسة إدراك للتنمية والمساواة سبق وأصدرت تقرير عن العنف مؤخراً رصدت خلاله توثيق لنحو 813 حالة عنف في عام 2021 مقارنة بنحو 415 حالة في عام 2020 كمؤشر على تضاعف معدله معتمدين على الحالات التي قامت باتخاذ إجراء قانوني بالإبلاغ عن تلك الممارسة.

ووفق التقرير تتصدر محافظة الدقهلية معدلات العنف، وفيما يخص الصعيد نفسه فالوضع هناك غاية في التعقيد بحسب التقرير فرغم ارتفاع معدلات العنف فعلياً إلا أن الإبلاغ عنه لا يحدث إلا إذا ارتبط بوقوع جريمة قتل، وتعالج الأزمات هناك بالصمت كنوع من قبول التعنيف أو اللجوء للمجالس العرفية وهو السبب الرئيسي لعدم تصدرها معدلات العنف المبني على أساس النوع الاجتماعي.