بعد أن حرمنّ من زيارة قبور أبنائهنّ يشهدنّ على نبشها عبر المقاطع المُصورة
بعد أن حرمت أمهات الشهداء في شمال وشرق سوريا من زيارة قبور أبنائهنَّ، يشهدنَّ اليوم عبر المقاطع المصورة عمليات نبشها
نورشان عبدي
كوباني ـ .
في 20 كانون الثاني/يناير 2018 هاجمت تركيا ومرتزقتها مقاطعة عفرين بـ 72 طائرة حربية وأسلحة ثقيلة، في حرب همجية ضد المدنيين، للقضاء على وجودهم وتاريخهم الأصيل، والنيل من إرادتهم ومشروعهم الديمقراطي، تصدت وحدات حماية المرأة والشَّعب والأهالي لها بمقاومة دامت 58 يوماً.
وباشر الاحتلال التركي منذ احتلاله لعفرين بالتغيير الديمغرافي، وارتكاب المجازر، وقام باختطاف المدنيين والنساء، ونهب ثروات المقاطعة وحرق لطبيعتها، في ظل صمت دولي، ليدعي في الأيام الماضية عثوره على مقبرة جماعية في مركز المقاطعة، واتهم وحدات حماية المرأة والشعب بارتكاب مجزرة، وهو ما أحدث ردود فعل ساخطة من قبل الأهالي وخاصة عوائل الشهداء، بانتهاك حرمة المزارات والتعدي على المقدسات.
بدأ الاحتلال التركي بنبش وتخريب مزار الشهداء في عفرين، والادعاء بأنها لمدنيين قتلوا على يد وحدات حماية الشعب والمرأة، وهو في الحقيقة لمقاتلات ومقاتلين دافعوا عن عفرين وأهلها ووقفوا بوجه العدوان.
ويضم المزار جثامين ما يقارب 73 من المقاتلين والمقاتلات، منهم 12 مقاتلة من وحدات حماية المرأة، و14 مقاتلاً من وحدات حماية الشعب، و5 من قوات الأساييش، و3 من جبهة الأكراد، وجثمان مقاتل من واجب الدفاع الذاتي، 5 مدينين، كما أن هنالك رفات أشخاص شاركوا في مقاومة عفرين ولم يتم التعرف على هويتهم.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف تركيا فيها وتهدم وتخرب مزار الشهداء، إذ دمرت مزار الشهيد رفيق في شرا، والشهيد سيدو في جنديرس، ومزار الشهيدة آفيستا على طريق كفر شيله في مركز المدينة، وفي رأس العين/سري كانيه هدمت المزار وبنت معمل قطن، هذا عدا الانتهاكات والتدمير للمزارات في شمال كردستان، في آمد وماردين، وشرناخ، وان وسيرت، ونقلت 282 من جثامين قوات الدفاع الشعبي في مقبرة خرزان التابعة لبدليس، ووضعتهم تحت الأرصفة في إسطنبول، وفي إقليم كردستان منذ عام 2015 وحتى الآن تقوم بتخريب مقابر الشهداء.
وتقول فاطمة علي (65 عام)، والدة الشهيد سيبان آكري "الاسم الحقيقي عثمان عثمان" الذي استشهد في مقاطعة عفرين خلال مقاومة العصر في 20 شباط/فبراير 2018 "انضم ابني للدفاع عن أرضه عام 2012، وشارك في العديد من المعارك ضد مرتزقة داعش في كوباني والقرى التابعة لها، ومدينة منبج، والطبقة، والرقة". مضيفةً "ناضل بكل قوة وإيمان من أجل حرية الشعوب في المنطقة، وتوجه إلى عفرين للمقاومة أمام الاحتلال الذي أراد كسر الإرادة وطمس الهوية والوجود".
وأضافت "آخر مرة تواصلتُ معه كان في ناحية بلبله، وأخبرني عن مدى همجية ووحشية الاحتلال واستخدامه الطائرات ضدهم، وأن المناضلات والمناضلين يسطرون الملاحم بروح ومعنويات عالية، وأن إرادتهم أقوى من طائرات المحتل".
وتابعت "يرتكب الاحتلال التركي أفظع الجرائم والانتهاكات المنافية للقوانين الدولية والمبادئ الإنسانية في عفرين، نبشوا مزار الشهداء الذي يضم رفاة ابني أيضاً، ولا نعلم إلى أين أخذوهم".
منذ استشهاده وهي تعيش على أمل الذهاب إلى عفرين ورؤية ضريح ابنها الشهيد، ولتقوم بنقله إلى مزار الشهداء في كوباني "عشت ولا زالت على بصيص الأمل لنقل رفاة ابني حتى أتمكن من زيارته كل يوم، إلا أن الاحتلال التركي يحاول إضعاف إرادتنا والقضاء على أحلامنا، من خلال نبش قبور الشهداء".
وأكدت على أنهنَّ كأمهات الشهداء لن يسمحنَّ لتركيا بالتمادي على مقدساتهنَّ، وأنهنَّ سيناضلنَّ في سبيل دحر الاحتلال "لا يحق لأي قوة مهما كان التعدي على حرمات أماكننا المقدسة، شهدائنا هم منارة درب حريتنا وأساس الحياة الحرة والمجتمع الديمقراطي".
وطالبت المجتمع الدولي ومنظمة حقوق الإنسان بتشكيل اللجان للتحقيق في جرائم الاحتلال التركي خاصة اعتداءه على مزار الشهداء، وإظهارها للعالم، ومحاسبته أمام المحاكم الدولية.
وتقول حليمة مسلم حبش، والدة الشهيدة برفين كوباني "الاسم الحقيقي مدينة عمر"، إحدى الأمهات اللواتي شاركنَّ في قوافل المساندة التي توجهت إلى عفرين لدعم مقاومة أهلها، ومن الشاهدات على لحظات استشهاد ومقاومة المقاتلين، ومراسم دفنهم في ذلك المزار، "استشهدت ابنتي في 2012 على يد جبهة النَّصرة المدعومة من قبل تركيا في قرية الشَّيوخ غربي كوباني، وسمعنا أنهم قاموا بالتمثيل بجثمانها بعد استشهادها في مدينة جرابلس، وهذا ليس غريباً عليهم".
وترى أن الدولة التَّركية تعيد ما فعلته أيادي جبهة النّصرة اليوم في عفرين، عبر نبش القبور وإخراج الجثامين، وتلقي بوابل الاتهامات على قوات سوريا الدّيمقراطية.
وتروي لنا بعض التَّفاصيل التي تتعلق بالمقبرة المذكورة، أثناء زيارتها لعفرين "شاركت في تشييع الشّهداء في تلك المقبرة، وكما حرمتني تركيا من وجود قبر لابنتي أزوره، تحرم اليوم المئات من الأمهات من ذلك".
وتؤكد حليمة مسلم حبش أن ذلك دليل خوف الدَّولة التّركية، من الشهداء وهم تحت التّراب ونزعتهم الانتقامية الوحشية.