بعد 18 عاماً من الانقطاع عن الدراسة... مغربية تحصل على شهادة الثانوية العامة
لا تزال المغربية رشيدة جاعيد 35 سنة، التي تقطن بحي "سيدي مومن" الشعبي بمدينة الدار البيضاء تستقبل التهاني، بعد نيلها شهادة الثانوية العامة "البكالوريا" ضمن المترشحين الأحرار غير المنتظمين في المدارس
حنان حارت
المغرب -، وذلك بعد انقطاع عن الدراسة دام لمدة 18 سنة.
عقدة الثانوية العامة
تغمر السعادة قلب رشيدة جاعيد، وتبدو على ملامح وجهها الفرحة وهي تتحدث لوكالتنا وكالة أنباء المرأة، عن حصولها على شهادة الثانوية العامة، وتقول "لم يمنعني العمر والظروف الصعبة التي عشتها من متابعة تحصيلي العلمي، فعدم حصولي على شهادة البكلوريا كان بمثابة عقدة في حياتي؛ كنت أشعر بالخجل عندما يسألني أحدهم فأقول إني غير حاصلة عليها، لكنني اليوم استطعت تحقيق حلمي، الذي كان يتأجل بسبب العديد من الظروف التي مررت بها في السابق".
وتضيف رشيدة جاعيد المتزوجة والأم لطفلتين "انقطعت عن الدراسة عندما كان عمري 15 عاماً، حينها كنت أدرس في السنة الأولى ثانوي، فقررت عدم استكمال الدراسة، كنت أتمرد على الحياة خلال هذه المرحلة العمرية التي تزامنت مع سن المراهقة، فلم أكن أتخذ الأمور على محمل الجد؛ كنت أتغيب بشكل مستمر، وبعدها تركت مقاعد الدراسة بشكل نهائي".
وتكمل "رغم صغر سني آنذاك إلا أني كنت أفكر في دخول سوق العمل، لكني لم أكن أرغب بامتهان مهنة بسيطة كالخياطة أو التطريز، فقررت التسجيل في الهلال الأحمر، وبعدما انهيت مدة التدريب عملت لدى طبيب أسنان، وكم كانت فرحتي كبيرة بهذه الوظيفة، لكن مع مرور السنين صرت أحس بنقص عندما أتحدث إلى أحدهم ويعرف أني غير حاصلة على شهادة البكلوريا".
تأجيل الحلم
تقول رشيدة جاعيد "تزوجت وانغمست في مسؤوليات الزواج والبيت وتربية الأبناء، ومع كل حدث عشته خلال السنوات السابقة كان يتأجل حلم الحصول على البكالوريا".
وتشير إلى الظروف والصعوبات التي واجهتها "أنجبت ابنتي البكر وكانت فرحتي كبيرة ولم أكن أفكر في شيء إلا أن أكون بالقرب منها وأهيأ لها كل الظروف حتى تكبر بشكل جيد، مرت خمس سنوات، وحملت بابنتي الثانية وعانيت كثيراً خلال مرحلة الحمل والوحم، كما أن ظروفي الصحية تدهورت وأدت إلى إنجابي مبكراً في الشهر الثامن". مضيفةً "خرجت من المستشفى وعدت للبيت، وانغمست من جديد في التزامات المنزل ومسؤولية تربية بناتي".
مرض الابنة كان سبباً آخر أبعدها عن تحقيق حلمها "بعد بلوغ ابنتي ستة أشهر بدأت ألاحظ أنها لا تنمو بشكل عادي؛ أخذتها للطبيب وبعد إجراء العديد من الفحوصات، اكتشف أنها تعاني شللاً في الدماغ"، وتضيف "في البداية كان الأمر صعباً، لم أتقبل أن تكون فلذة كبدي تعاني من المرض، وأنها لن تعيش حياة طبيعية كباقي الأطفال، كما كنت خائفة من نظرة المجتمع، ما أدى بي إلى الوقوع في دوامة الاكتئاب؛ لم أعد أرغب في مخالطة الناس وصرت أميل أكثر إلى العزلة، وصارت تطاردني بعض الأفكار السوداوية؛ كأني سأفقد ابنتي، وأنه لم يعد لوجودي سبباً، كما كانت فكرة الانتحار تراودني كثيراً، وبينما كنت أتجه إلى طريق مظلم، قررت في لحظة استجماع قوتي وبدأت رحلة علاج مع طبيبة أخصائية".
ما بعد الإكتئاب
تمكنت رشيدة جاعيد من الخروج من دوامة الاكتئاب بعد خضوعها لعدة جلسات مع الطبيب وتناولها لأدوية مضادة للاكتئاب، وبدأت في ممارسة الرياضة، وقررت فتح قناة على اليوتيوب لتحكي من خلالها تجربتها وتقدم نصائح للأمهات اللواتي لديهنَّ أطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقديم وصفات الطبخ، وقد استطاعت قناتها أن تحصل على الدرع الذهبي، فكان ذلك حافزاً لها نحو تغيير حياتها وفرض ذاتها في المجتمع من جديد.
وأضافت "قررت أن أحدث تغيراً في حياتي من سيدة متزوجة غير فاعلة إلى امرأة متعلمة وحاصلة على شواهد لها دور فعال في المجتمع ولم يكن أمامي سوى طريق العلم هو الذي يحقق طموحاتي وذاتي".
وتؤكد أن الظروف الصعبة التي مرت بها صنعت منها امرأة قوية وطموحة وأن الصعوبات التي واجهتها كانت حافزاً لتثبت ذاتها كامرأة فاعلة في المجتمع، تقول إن سنتي (2020 ـ 2021) شكلت قفزة في حياتها "في الوقت الذي فرض الحجر الصحي في المغرب لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد الذي يجتاح العالم، استغليت هذه الفترة للتسجيل في الباكلوريا، خضت صراعاً مع ذاتي، بكل جد واجتهاد لكي أنجح".
عزيمة وإرادة
تتذكر رشيدة جاعيد كيف واجهت كلمات المثبطين ولم تجعلها تنال من عزيمتها، لقد حولتها إلى دافع شجعها على المضي في الطريق الذي اختارته، وتصف فترة الإعداد للامتحان في هذه السن بالممتع، فما اكتسبته من معارف وقيم خلالها هون عليها كافة الصعاب وذلل أمامها كافة العراقيل، وفق تعبيرها.
وأضافت "لكن في غمرة الانتقادات التي كانت تحيط بي من كل جانب، كنت أجد الدعم والمساندة والتشجيع من طرف زوجي، الذي لم يمانع من عودتي للدراسة، حيث كان يقدم لي بعض المساعدات عندما كنت أستعد للامتحانات، كان يصطحب ابنتي الصغرى للطبيب ويساعدني في بعض المهام داخل البيت".
وتكمل "نجحت بالرغم من الظروف الصعبة التي كنا نمر بها بالتزامن مع انتشار وباء كورونا". كما عبرت عن سعادتها الكبيرة عند الإعلان عن النتائج الكاملة للامتحان الوطني لنيل شهادة البكالوريا، وبحصولها على الشهادة بميزة مشرفة "كان ذلك مثل الحلم، ولشدة فرحي لم أعرف كيف أتمالك نفسي، كان شعوراً جميلاً جداً، افتخر بكوني بعد كل هذه السنوات والظروف الصحية ومسؤوليات بناتي وخاصة مرض ابنتي الصغرى تمكنت من التحصيل العلمي، وأفكر باستكمال دراستي الجامعية، ولن يثنيني شيئاً اليوم عن تحقيق أهدافي، لن أتوقف عن الدراسة حتى لو بات سني 60، ولن تكون هذه الشهادة نهاية المشوار بالنسبة لي، بل أعتبرها نقطة بداية في مساري الأكاديمي، فقد قررت التسجيل في الجامعة ومتابعة الدراسة إما في الأدب الإنكليزي أو القانون".
رسالة للنساء
وتؤكد رشيدة جاعيد على أهمية التعليم، مشيرة إلى أن الإنسان الغير متعلم لا يمكنه فرض نفسه في المجتمع ولن يكون لوجوده معنى.
وفي الختام وجهت رسالة لربات البيوت اللواتي انقطعنَّ عن الدراسة، ولديهنَّ رغبة التعلم ولكن يؤجلنَّ ذلك، تقول "لا يجب أن تقف المسؤوليات الزوجية وتربية الأبناء عائقاً نحو تحقيق الأحلام، البداية صعبة لكن بمجرد المحاولة كل شيء يصبح سهلاً".