بعد 14 عاماً من الحرمان... هاجر إسماعيل تحقق أحلامها
واجهت هاجر إسماعيل المجتمع الرجعي وكسرت العادات والتقاليد في إقليم كردستان واستطاعت بإرادتها وعزيمتها أن تصل إلى أعلى تحصيل علمي رغم إعاقتها الحركية.
شنيار بايز
السليمانية ـ تعمل هاجر إسماعيل محاضرة في كلية العلوم الإنسانية في جامعة السليمانية بإقليم كردستان ومدربة في مجال التنمية البشرية، كما أن حياتها مليئة بالجهود والنضال والسعي وراء تحقيق أهدافها وهواياتها بالرغم من أنها تعاني من إعاقة حركية في الأقدام.
"كان حقي الأساسي أن أعامل كإنسان طبيعي"
ولدت هاجر إسماعيل في كركوك وشعرت أنها مختلفة جسدياً عن الأطفال من حولها، مما جعلها تعامل بشكل مختلف لكن هذه الاختلافات خلقت إرادة في قلبها.
تقول هاجر إسماعيل أنها ذهبت إلى المدرسة في سن مبكرة وواجهت صعوبات لأن البيئة التي كانت تعيش فيها لم تكن تلائم وضعها الصحي، مما جعل معاملة الأطفال في المدرسة مختلفة لها، لافتةً إلى أن تلك الصعوبات والعقبات التي واجهتها أصبحت سبباً لقوة إرادتها في الاستمرار والمحاولة حتى تحقق أهدافها الأمر الذي تطلب منها قوة كبيرة للتغلب على العقبات.
وأشارت إلى أنها كانت تُعامل بطريقتين مختلفتين، أشخاص يتعاطفون معها وآخرين يعنفونها، وعلى الرغم من أن الطريقتين متضادتين إلا أن كلاهما تؤلمان هاجر إسماعيل لأنهما بعيدتان كل البعد عن المعاملة الطبيعية، لذلك كانت أصعب مرحلة في حياتها هي الطفولة كما أوضحت، أي كان عليها أن تواجه صعوبات الحياة في سن مبكرة.
واصلت هاجر إسماعيل تعليمها حتى وصلت إلى الصف السادس الابتدائي، ولكن بسبب تقاليد وعادات المجتمع التي حالت دون تعليم الفتيات، منعتها عائلتها من مواصلة تعليمها، وظل حلم الدراسة راسخاً في قلبها وكانت تأمل أن تعود في يوماً ما إلى المدرسة مرة أخرى، مشيرةً إلى أنها شعرت أن كل المشاكل التي كانت تمر بها هي بسبب جهل الناس من حولها، لذلك فهم بحاجة إلى مثقفين لرفع الوعي.
الوضع السياسي والاقتصادي منعها مجدداً من الدراسة
وعندما حاولت هاجر إسماعيل أن تعود لمقاعد الدراسة مرة أخرى، اندلعت انتفاضة 1991 التي تسببت في نزوحهم إلى مدينة السليمانية، وبقيت خارج المدرسة لمدة 14 عاماً لتستأنف دراستها فيما بعد.
وخلال تلك السنوات الـ 14 كانت هاجر إسماعيل تفكر دائماً في العودة إلى المدرسة، واعتقدت أنها لا يجب أن تعيش كشخص عديم الفائدة، فدفعها الوضع الاقتصادي السيء إلى تعلم مهنة الخياطة حتى تتمكن من دفع تكاليف دراستها في المستقبل.
وبالإضافة إلى ذلك، كان لديها هوايتان الرسم والمطالعة وعن ذلك تقول "طورت هواياتي بدعم من أخي الذي لم يعد على قيد الحياة. معظم الكتب التي قرأتها كانت اجتماعية، كما أنني كنت أقرأ الصحف والمجلات لمواكبة آخر الأخبار في كردستان وأتعلم الدروس من خلال القراءة".
"النهوض بعد السقوط هو ما يجعلك تنهض بقوة أكبر"
ولفتت إلى أنه "منعتني عائلتي من المشي بمفردي وكان دائماً يرافقني أحد أفراد العائلة، وأول مرة ذهبت فيها إلى السوق كنت أبلغ من العمر 18 عاماً حينها واجهت العديد من الإهانات لكنني أكملت طريقي غير آبهة بكلام الناس ونظراتهم لي، حتى وصلت إلى المكان الذي كنت ذاهبة له الأمر الذي خلق إرادة وعزيمة كبيرة في قلبي حتى أحقق كل أهدافي دون النظر أو السماع لمن حولي".
لطالما كانت عائلتها تخشى عليها من الانهيار وضعف الإرادة، لكن هاجر إسماعيل قالت لهم "احرص على النهوض كلما أسقط، لأنه ليس السقوط هو المهم، بل النهوض بعد السقوط الذي يجعلك تنهض بقوة أكبر".
وأشارت إلى أنه بعد انقطاعها عن الدراسة لمدة 14 عاماً وبعد محاولات عديدة لإقناع والدها، استأنفت دراستها وتمكنت من اجتياز الامتحانات الثانوية ومن ثم تخرجت من كلية العلوم بجامعة السليمانية.
وعن بداية دراستها في الجامعة تقول "في اليوم الأول نظرت إلى الكلية رأيت أن المرحلة التي تم قبولي فيها كانت في الطابق السادس من المبنى، لم يكن صعود 101 درجاً يومياً أمراً سهلاً فأصبحت مترددة في اتخاذ قرار بشأن الدراسة أو الاستسلام، ولكن بعد المناقشة مع نفسي قررت الاستمرار في تحقيق هدفي وبدأت الدراسة".
"التمسك بهدفي قادني إلى درجة الماجستير"
وأوضحت أنه في البداية عاملها الطلاب والأساتذة بلطف ورأفة، ولكنهم أدركوا أنها قادرة على أن تعامل مثل شخص عادي، وكانوا يجلبون لها الطعام كل يوم حتى لا تضطر إلى النزول على الدرج، وواصلت دراستها لتصبح الأول أو الثاني في الكلية كل عام الأمر الذي ساعدها على أن تصبح أستاذة مساعدة بعد التخرج، وعلى الرغم من أن عائلتها كانت مترددة للغاية في السفر إلى الخارج، إلا أنهم غيروا رأيهم ودعموها لأنهم رأوا مدى قدرتها، كما أنها حصلت لاحقاً على درجة الماجستير في مصر.
وفي ختام حديثها قالت هاجر إسماعيل أنه رغم كل التغييرات والتطور الذي حدث في إقليم كردستان إلا أن النساء لم تستطعن الحصول على حقوقهن، وهناك قوانين تدعم المرأة لكن غالباً ما أدت المفاهيم الخاطئة إلى فقدانها لحقوقها، مشيرةً إلى أنه يجب على النساء محاولة نيل حقوقهن من خلال زيادة الوعي.