عائشة الماشي عدوها الشمس والرسم حافزها نحو غد مشرق

من أجل أن تحيا وتعيش بدون مضاعفات صحية، فرض على عائشة الماشي وهي شابة مغربية، العيش طوال حياتها بعيدة عن الضوء وأشعة الشمس

حنان حارت
المغرب ـ ، مجبرة على التواري بين جدران البيت، فالأشعة المنبعثة من الشمس تؤذيها وتسبب لها مشاكل صحية خطيرة.
 
الشمس عدو
تعاني عائشة الماشي من مواليد 1997، والتي تقطن بمدينة العيون جنوب المغرب، من مرض جلدي نادر معروف باسم جفاف الجلد المصطبغ - المعروف أيضاً باسم إكس بي، وهو ما يجعلها شديدة الحساسية للأشعة فوق البنفسجية، سواءً القادمة من الشمس أو من أنواع معينة من الإضاءات، ما يعني أنها قد تعاني من حروق خطيرة مع أدنى تعرض لهذه الأشعة، وهو ما قد يجعلها عرضة للإصابة بسرطان الجلد.
ويلقب مرضى "إكس بي" بأطفال القمر لعدم قدرتهم على الظهور بشكل طبيعي إلا تحت ضوء القمر أي بعد غروب الشمس، وبهذا يشكل الظلام سلاحاً يضمن لهم البقاء على قيد الحياة، وبالتالي ليس أمام عائشة الماشي سوى اتخاذ الاحتياطات والتدابير، لتخفيف وتيرة تطور المرض بشكل سريع في ظل عدم وجود علاج له.
وعادة ما يولد مرضى القمر بصحة جيدة لكن بمجرد تعرضهم لأشعة الشمس في الأشهر الأولى تظهر الأعراض، مثل احمرار الجلد وعدم القدرة على النظر إلى الضوء كما هو الحال بالنسبة لعائشة الماشي، التي تقول لوكالتنا "مرضي اكتشفه والدي عندما بلغ عمري ستة أشهر، حينها بدأت تظهر علي أعراض غير معتادة، احمرار في الجلد ومع الاستمرار في التعرض للشمس، تظهر علامات أكثر خطورة، على شكل تصبغات جلدية بيضاء أو حمراء ثم تتغير إلى اللون البني والتي تتحول بمرور الوقت إلى سرطان الجلد".
تقول عائشة الماشي "لم يدرك والدي حقيقة ظهور تلك البقع في جلدي، فاصطحبتني والدتي إلى طبيب أطفال لكن لم يتم تشخيص حالتي، وصف لي الطبيب فقط بعض الأدوية لكن حالتي لم تتحسن وازدادت تدهوراً". 
لم يستسلم والدي، إلا أنهما قررا عرضي على أطباء آخرين في مدينة الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتضيف "بالفعل تم تشخيص مرضي هناك ووصف لي الأطباء بعض المراهم التي تقي من أشعة الشمس، وحاولوا توعية أمي بطريقة التعامل معي للحفاظ على حياتي، لأنه لا وجود لأي علاج للمرض".
وتبين عائشة الماشي "والدتي ووالدي التزما بكل طرق الوقاية للحفاظ علي من التعرض للشمس، إذ كانت والدتي تغطيني جيداً لدى خروجها، حتى أنها تفادت الخروج نهاراً".
وعندما أكملت عائشة الماشي عامها الأولى وبدأت تخطو خطواتها الأولى، كانت عندما ترى باب المنزل مفتوحاً ترغب في الخروج، لكن سرعان ما تجبرها أشعة الشمس على العودة، لعدم قدرتها على تحملها وفتح عينيها، وهكذا بات الباب يشكل بالنسبة لها شيئاً مخيفاً وخلفه عالم لا تستطيع الاقتراب منه نهاراً.
تقول عائشة الماشي أنه بحكم أن والديها كانا في تلك الفترة يقطنان في الأرياف، اضطرا إلى الانتقال لمدينة العيون والبحث عن منزل يكون أكثر أماناً.
 
عزلة وتنمر
تكمل عائشة الماشي حديثها "عندما كنت طفلة وبسبب عدم توفر ظروف ملائمة لطبيعة المرض، مروراً بظروف العيش الاستثنائية من ملابس أثناء الخروج من المنزل، وصولاً إلى انعدام الحياة الاجتماعية، وذلك لنقص الوعي المجتمعي بالمرض، نظراً للملامح الغريبة، خاصة عند تطور المرض، كان نفور الأطفال مني يؤثر على نفسيتي".
وتضيف "نمط حياتي كان مختلفاً عن الأطفال في سني، فأنا الحياة تبدأ عندي بمجرد غروب الشمس، كانت تحملني أمي وتذهب بي إلى الحدائق للتنزه التي تضم العائلات برفقة أطفالهم"، تشير عائشة الماشي بأنها كانت تسعد كثيراً بهذه النزهة المسائية، وكانت تحاول الاقتراب من الأطفال للعب معهم لكنها كانت تتعرض للتنمر بسبب البقع التي تظهر على وجهها ويديها.
تقول عائشة الماشي بحسرة أنه نتيجة لتعامل الأطفال ورفضهم اللعب معها، لم يبقى لديها رغبة في الخروج من البيت،  وبابتسامة عريضة تضيف أنها كانت ترغب بأن تلد لها والدتها أختاً حتى تتمكن من اللعب معها، ومخافة أن يكون المولود الجديد يحمل نفس مرض عائشة كان والديها متخوفان من إنجاب طفل آخر، لكون المرض وراثي وينتج عن زواج الأقارب وهو ما ينطبق على والديها.
توضح عائشة الماشي بأنه تشاء الأقدار وتلد أمها طفلة، وكانت فرحتها كبيرة بقدوم المولودة التي ستؤنس وحدتها وتلعب معها وقتما شاءت داخل البيت، وتضيف قائلة "للأسف أختي الصغيرة كوثر ظهر لها المرض نفسه وهي في عمر السنتين حيث تأخرت الأعراض في الظهور لأنها كانت تتبع نفس نمط عيشي"، تقول عائشة أن الخبر نزل على والديها كالصاعقة، بعد علمهم أن اختي تعاني من نفس المرض، وهكذا تضاعفت معاناة والدي في حمايتنا أكثر.
 
كفاح العائلات
تكافح العائلات في المغرب من أجل الاعتراف بمحنة أطفالهم ومن أبسط الحقوق المتمثلة هي الذهاب إلى المدرسة، تقول عائشة الماشي إنه عندما بلغت سن الدخول إلى المدرسة، تردد والديها في تسجيلها، لكن والدتها لم ترغب في حرمانها من هذا الحق، ارتأت الحديث مع مدير المؤسسة وشرح طبيعة مرضها، وهكذا تم تسجيلها بالمدرسة.
تقول عائشة الماشي "رحلة الذهاب إلى المدرسة كانت مختلفة، والدتي كانت تغطي كافة جسمي ورأسي وتلبسني نقاباً حتى لا تدع مجالاً للشمس يتسرب إلي، واقترحت على المدير أن أجلس في طاولة بعيدة عن أشعة الشمس والضوء حتى أتمكن من متابعة دراستي ولا تحصل لي أية مضاعفات".
تستمر عائشة الماشي في الحديث بلهفة "درست الصف الأول والثاني وكنت متفوقة على أقراني، لكن رغم ذلك لم  تكن تلك السنوات سهلة علي، إذ رغم الاحتياطات التي تتخذها والدتي إلا أني كنت أعاني، حتى جاء يوم والتقت والدتي بامرأة لها طفلة تعاني نفس مرضي، وبعثت الخوف في نفس أمي قائلةً لها إنها تخاطر بحياتي عندما أخرج بشكل يومي للذهاب إلى المدرسة، فاقتنعت أمي بفكرتها وقررت إيقافي عن الدراسة". وتضيف "لا أستطيع أن أصف شعوري حينها رغم أني كنت أعي خطورة الأمر إلا أني لم أستوعب فكرة توقفي عن الدراسة". 
تقول عائشة الماشي إنه في ظل وجود حالات أخرى مثل حالتي في مدينة العيون أتفق أولياء الأمور بتأسيس جمعية لمطالبة نيابة التعليم بتخصيص قسم في المدرسة يتم فيه تدريس أطفال القمر في المساء، وبعد أن وافقت الجهات المسؤولة، وتطوع بعض الأساتذة تمكنت من العودة إلى فصول الدراسة وتابعت إلى الصف السادس، ثم توقفت عن الدراسة.
 
لا علاج لمرضى القمر
اضطرت عائشة إلى إجراء عمل جراحي، بعدما أصيبت ببثور على مستوى الأنف نتيجة حساسيتها المفرطة للشمس وقلة المناعة، ومخافة تحول البثور إلى خلايا سرطانية، حيث عمل الأطباء على إزالتها.
تقول عائشة الماشي غالبية المرضى لا يحصلون على الحماية الملائمة، فغطاء الوجه الذي يحمي بشكل كلي باهض الثمن، ولا يحصل عليه إلا الميسورين، بالإضافة إلى المراهم التي تحمي من أشعة الشمس، هي الأخرى تثقل كاهل الأسر، فلا علاج يذكر لحالتنا سوى الوقاية وأخد كافة الإحتياطات والابتعاد عن التعرض للشمس قدر الإمكان. 
وفي ظل عدم تمكن عائشة الماشي من الحصول على غطاء تتوفر فيه شروط السلامة والحماية، تكتفي بغطاء بلاستيكي عادي لا يحميها بشكل كلي، تشير عائشة إلى أنها وجدت وأختها في الجمعية التي تم تأسيسها بمدينة العيون ملجأ للمساعدة وتوفير المراهم بالمجان، وتضيف بأنها لو لم تستفد من هذه المساعدات، لكانت صحتها تدهورت.
 
"يعيشون ويموتون في صمت"
الكثير من أطفال القمر لا يتجاوزون سنوات المراهقة، وتضيف عائشة قائلة "إن مجموع الحالات في مدينة العيون التي تعاني من نفس مرضها يقارب 15 حالة، توفي 5 منهم، وتضيف بنبرة مكسورة "هكذا هم أطفال القمر يعيشون في صمت ويموتون في صمت، وهذا ما لا أريده، أود أن أحقق حلمي ويتكلم عني الناس حتى لا أبقى طي الكتمان". 
 
بداية الأمل
لم تسمح عائشة الماشي للظلام الذي تعيش فيه أن يتسلل كلياً إلى قلبها، وظل نور الأمل بغد أفضل حافزها، حيث اكتشفت أن لديها موهبة في الرسم، تقول "كنت أشعر بفرحة كبيرة في حصة الفنون، وكان الأستاذ يشجعني وأخبرني ذات يوم أن لدي موهبة كبيرة وإن عملت على  تطويرها سأحقق النجاح".
تعرفت عائشة الماشي على امرأة متخصصة في الأعمال اليدوية، واقترحت عليها الرسم على القماش فعلمتها تقنيات الرسم  وكيفية تغليف اللوحة بالقماش، وتضيف "في كثير من الأحيان عندما كانت تنفذ الألوان، ولم يكن لدي نقود، كنت أستعين بالملونات الغذائية، فالمهم لدي أن أرسم وأخرج كل مكنوناتي في لوحاتي، أحببت الألوان، وبت أقضي وقتاً طويلاً أمامها، وبدأ شغفي بالرسم يزداد شيئاً فشيئاً.. عندما أرسم أشعر أنني أخرج من الظلام الذي أعيش فيه إلى النور".
 
تميز وثقة
كان أول ظهور لعائشة الماشي في حفل للتميز كانت السلطات في مدينة العيون قد نظمته، تقول "اتصل بي أستاذي ليقول لي إنه سيأتي ليأخذ لوحاتي لعرضها في الحفل، لأكون أول طفلة من أطفال القمر تتميز في الرسم على القماش، حصلت على جائزة التميز، وكانت فرحتي أكبر عندما نودي إسمي".
وعن شعورها تقول "كنت متخوفة، خاصة من ناحية تقبل المجتمع لظهور فتاة من أطفال القمر، لكن الجائزة أنستني مخاوفي، ودفعتني هذه الخطوة لكي أسخر كل طاقتي للرسم، وعلمتني كيف أكون واثقة بنفسي وبقدراتي".
 
رسالتها
ومن أجل إيصال صوتها وصوت مرضى أطفال القمر في المغرب، أنشأت عائشة الماشي صفحة على موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك لتظهر من خلالها للناس معاناة أطفال القمر وأنها رغم كل شيء فهي تبقى فتاة عادية، وقادرة على العطاء رغم المرض.
وتأمل عائشة الماشي ألا تبقى موهبتها طي الكتمان، ترغب أن تقيم معرضاً خاصاً تعرض فيه لوحاتها، وتختم حديثها بالقول "أمنيتي أن يتم إيجاد علاج لمرضى القمر كي تتجدد آمالنا قبل أن تنتهي أعمارنا ولا نفقد ملامحنا".