أطفال ونساء ضحايا الإهمال والتقصير الطبي
يعاني القطاع الطبي في إدلب من إهمال وتقصير، وتعد النساء والأطفال الأكثر تأثراً إثر استهتار الأطباء والممرضين أو عدم أخذ شكواهم بجدية والتشخيص الغير دقيق لحالاتهم المرضية.
هديل العمر
إدلب ـ تعاني العديد من النساء من العنف أثناء الولادة، وهو عنف يمارسه بعض العاملين بالمجال الطبي والتمريضي خلال حمل المرأة وعملية الولادة، رغم أنها تكون في أكثر وقت تحتاج فيه إلى الدعم والعناية.
تعتبر غرف الولادة أحد أبرز الأماكن التي تسجل أعداداً من الضحايا اللواتي تنتهي حياتهن أو تصبن بمضاعفات خطيرة بعد عملية الولادة، بسبب إهمال الفريق الطبي لحالتهن الصحية.
كانت عملية الولادة التي خضعت لها فداء الصنبوري البالغة من العمر 25 عاماً، عبارة عن عنف وإهانة، بعد تعنيف الطبيبة لها بمنتهى القسوة، وخياطة الجرح دون تخدير.
وقالت أنها تتمنى ألا تعيد تلك التجربة، وخاصة أنهم لا يمتلكون القدرة على تحمل أجور المشافي الخاصة، كما أنهم لا يمتلكون أيضاً الوساطة التي من شأنها أن تجلب لهم الاهتمام من الكوادر الطبية.
بينما ما تزال حنين الشحادة البالغة من العمر 35 عاماً، تتذكر بكثير من الحزن والأسى الخطأ الطبي الذي افقدها جنينها في بداية شهرها التاسع حين شارفت على الولادة بعد عناء طويل مع الحمل ومضاعفاته.
وعن تفاصيل الحادثة قالت أن الطبيب المعالج رفض إجراء العملية القيصرية لها في بداية شهرها التاسع واستهتر بها بحجة أن الوقت لم يحن بعد وأن وضع الجنين جيد، في حين كانت تشعر حنين الشحادة أن حركة جنينها باتت شبه معدومة وهو في حالة خطيرة، لينتهي بها المطاف بوفاة الجنين قبل ولادته بأيام قليلة.
وأوضحت "لم يكن بوسعنا قصد المشافي الخاصة لغلاء أسعارها بينما أوضاعنا المادية ضعيفة للغاية، وسعيد الحظ من ينجو من إهمال الكوادر الطبية في المشافي المجانية واستهتارهم بأرواحنا".
وأشارت إلى أن العديد من النساء تضطررن لمواجهة ظروف صعبة عند الولادة كالانتظار الطويل في ممرات المشفى، أو تأخر الفحص، وفي أحيان أخرى تلد بعضهن على الأرض أو على الأسرة الموجودة في أروقة المشافي بسبب عدم وجود أسرة فارغة والافتقار لتجهيزات ملائمة تناسب حاجات النساء.
ومن جانبها لا تستطيع ميساء الخطاب البالغة من العمر 31 عاماً، أن تنسى تلك المشاهد التي حدثت في أروقة إحدى المشافي العامة حين رأت امرأة تستنجد بطاقم التوليد لإتمام عملية الولادة التي استمرت أكثر من يومين داخل غرفة التوليد وتدهور وضعها الصحي وبكاؤها الشديد وصراخها من شدة الألم، كل ذلك لم يشفع لها بأن يهتموا لشأنها بل كانوا، يشتمونها ويصرخون عليها ويتهمونها بالمبالغة، فأصيبت بنزيف حاد أدى إلى وفاتها على الفور".
وقالت "ما حدث مؤسف للغاية، وهو جريمة إهمال من الدرجة الأولى، راحت ضحيتها امرأة توفيت قبل أن ترى جنينها، إنها ليست مشافي بل هي مسالخ بشرية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى".
وتشكو سارة الكريم البالغة من العمر 36 عاماً، تقصير المركز الطبي الواقع في مخيمها قاح في إدلب، حين تعرض ابنها سمير العلي البالغ من العمر خمس سنوات لكسر في الرأس إثر سقوطه من أعلى خزان الماء الواقع أمام خيمتهم، وقالت "لم يلتفت لنا أحد في المركز، وبعد إلحاح طويل قامت إحدى الممرضات بالصراخ علي واتهامي بالإهمال لإصابة ابني، ثم راحت تعمل على تعقيم الجرح وخياطته دون مخدر بحجة عدم توافره في المشفى وهو ما آلم الطفل بشكل كبير".
وقالت الأخصائية النفسية ولاء الحمود البالغة من العمر 44 عاماً، إنه لا يمكن إنكار وجود الإهمال والعنف أثناء الولادة سواء في القطاع الطبي الخاص أو العام، وخصوصاً في القطاع المجاني.
وأوضحت أن الحمل يعتبر بحد ذاته ظاهرة معقدة تشمل تغييرات جسدية ونفسية كبيرة، ومن هذه التغيرات أنه قد يحدث تغييراً نفسياً قوياً ومرهقاً للأم، والذي عادة ما يرتبط بتغير المزاج المستمر، والتعب، والقلق، والإرهاق، والاكتئاب، ولذا وجب التعامل بحذر مع المرأة في هذه المرحلة الحساسة من حياتها وهو ما لا يحدث في بعض مراكز التوليد التي تتعامل "بفظاظة وغلظة" مع المرأة المشرفة على عملية الولادة، ما يعرضها للخطر الجسدي والنفسي التي تترك ندوباً نفسية طويلة الأمد يدفعها إلى العزوف عن الحمل وعدم رغبتها في إنجاب الأطفال، التردد في طلب العناية الصحية فيما بعد، فوبيا الولادة والخوف من تكرار تجربتها السابقة.
ودعت النساء بعدم السكوت عما يحدث من تجاوزات بحقهن وحق أطفالهن والتحدث عن تجاربهن، والمتابعة من المعنيين ليس في إهمال الحالات المرضية وحسب وإنما متابعة ما يحدث في غرف الولادة بشكل جدي، واعتبار الأمر قضية حساسة بحاجة إلى المعالجة.
وأكدت على ضرورة تخصيص نظام رقابة ومساءلة ومحاسبة فعال في كل مستشفى، والتحدث مع النساء لأخذ انطباعاتهن عن تجربتهن في الولادة من خلال موظفة صحة مجتمعية في كل مستشفى، وإنشاء صندوق شكاوى في كل مشفى أو مركز طبي، يتيح للنساء تقديم شكاوى عن ممارسة عنف حدثت بحقهن، وتحويل هذه الشكاوى إلى القسم المختص من أجل التحقيق بها وردعها وتصحيحها ومحاسبة المستهترين.