استعداداً لفصل الشتاء... نساء يجمعن الحطب من الأحراش في إدلب
دفع ارتفاع أسعار مواد التدفئة هذا العام بالكثير من النازحات في إدلب للتفكير في كيفية مواجهة برد الشتاء وسط ظروفهن المعيشية الصعبة
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، فكان الحل الوحيد المتاح لهن هو العمل على جمع ما يمكنهن جمعه من بقايا العيدان والحطب المنتشرة في الحقول والأحراش والأراضي القريبة علها تمنع قساوة البرد عن أجساد أطفالهن الصغيرة.
تنطلق مروى البركة (35) عاماً باتجاه الأراضي المجاورة يومياً منذ ساعات الصباح الباكر لتعود بحزمة من العيدان عند ظهيرة اليوم فتضعها في زاوية خيمتها التي غدت مخزناً لما تحضره للتدفئة بشكل يومي.
تقول مروى البركة التي نزحت عن ريف إدلب الجنوبي واستقر بها الحال مع أطفالها الخمسة داخل مخيمات قاح الحدودية إنها تواجه ظروفاً صعبة خاصة وأنها تفتقد المعيل بعد اعتقال زوجها منذ أكثر من ست سنوات، "لا أحد ينظر لحالنا، فلا معونة ثابتة ولا كفالات دائمة، وكثيراً ما أواجه البرد والصقيع مع أطفالي هنا في هذه الخيام البالية دون تمكننا من شراء ما يكفي للتدفئة طيلة فصل الشتاء".
وتشير إلى أنها حائرة في كيفية تأمين الاحتياجات اليومية الأساسية ولا قدرة لها على تأمين مواد التدفئة أيضاً، فهي لا تملك عملاً أو مهنة تمكنها من تحمل كل تلك الأعباء.
حال مروى البركة يشبه حال السواد الأعظم من النازحات في مخيمات إدلب ممن ضاقت بهم الحياة وانقطعت بهم السبل وباتوا يتجرعون مرارة صعوبة مواجهة الشتاء في كل عام بلا مدافئ أو مواد تدفئة.
علياء السليم (٤٠) عاماً تنطلق بصحبة ولديها أحمد (١٢) عاماً وجمال (١٤) عاماً، كل يوم لإحضار ما يمكن أن يجدوه من مواد بلاستيكية وأحطاب وعيدان يمكن الاستفادة منها في التدفئة شتاءً.
وبينما هي منشغلة بجمع العيدان وأغصان الأشجار اليابسة المتساقطة في إحدى الكروم القريبة من مخيمها في حربنوش شمال إدلب، تقول علياء السليم إنه حالها قبل بدء برد كل شتاء، العمل مسبقاً على تجميع ما يمكن جمعه من أجل حرقه شتاءً، وقد اعتمدت هذا الأمر بعد عجزها عن شراء مواد التدفئة المرتفعة الثمن والتي لم يعد يستطيع تأمينها إلا الأغنياء وميسوري الحال فقط.
وتشير علياء السليم وهي نازحة من مدينة كفرنبل إلى أن سعر طن الحطب وصل هذا العام إلى ١٦٥ دولار أميركي، وليتر المازوت الواحد ٧ ليرات تركية، أما البيرين فبلغ سعر الطن الواحد منه ١٥٠ دولار أميركي، وقشر الفستق ١٧٥ دولار أمريكي، عدا عن أسعار المدافئ المرتفعة أيضاً والتي وصل سعر الواحدة منها إلى ٢٠٠ دولار أمريكي للمدفأة الواحدة، في الوقت الذي لا تقوى فيه العائلات النازحة على تأمين 100 دولار أمريكي شهرياً.
و"البيرين" مادة قابلة للاشتعال، مصنوعة من بقايا الزيتون بعد عصره لاستخلاص زيت الزيتون منه، ويستخدم كإحدى الوسائل الأساسية للتدفئة، في ظل نقص المحروقات وارتفاع أسعارها.
وبينما تجهد علياء السليم في وضع الأكياس التي أحضرتها مع ابنيها وترتيبها بشكل عامودي فوق بعضها البعض تقول "كان الله في عوننا نحن النازحين الفقراء، حالنا في الشتاء يبكي الحجارة، فنحن نواجه في كل عام برد الشتاء بإمكانيات معدومة، وما نجمعه من عيدان لا يكفي لأول شهر فقط من الشتاء وتنبعث من حرق النفايات والمواد البلاستيكية التي يتم جمعها أيضاً للاستعانة بها من أجل التدفئة روائح كريهة وأدخنة تسبب الأمراض".
وهي تضع اللوم على التجار الذين يستغلون حاجة الناس لمواد التدفئة فيرفعون الأسعار بشكل كبير، وأيضاً على المنظمات الإغاثية التي غفلت عن جانب التدفئة خلال الأعوام السابقة.
واعتمد أهالي إدلب من مقيمين ونازحين خلال السنوات الأخيرة على المازوت والبيرين كوسائل تدفئة ولكن أسعار هذا العام سجلت ارتفاعاً ملحوظاً في هذه المواد وغيرها، خاصة مع انخفاض قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي وزيادة الطلب على مواد التدفئة تزامناً مع زيادة عدد السكان والنازحين في منطقة إدلب.
المرشدة الاجتماعية فاتن السويد (٤٠) عاماً، شددت على ضرورة مساعدة النساء في المخيمات العشوائية في تأمين احتياجاتهن الأساسية، لا سيما ممن يفتقدن المعيل، فهن وحيدات في تلك المخيمات ولا يجدن الدعم المادي والمعنوي مما يزيد من الضغوطات الملقاة على كواهلهن وخاصة مع قدوم فصل الشتاء.