أستاذة فلسفة تونسية تؤكد: الجنولوجيا علم يدافع عن قضايا المرأة

شددت أستاذة الفلسفة التونسية فاطمة ميداني، أن الجنولوجيا الذي انطلق من موروثٍ عريقٍ، جاء لتوضيح الجوانب الداخلية لعالم المرأة المشابهة للطبيعة في عطاءها.

إخلاص حمروني

تونس ـ يعرف الجنولوجيا على أنه "علم المرأة" يسعى إلى تسليط الضوء على قضايا المرأة بكافة أشكالها بقصد معالجتها والدفاع عنها عبر تشجيعها على مواجهة الذهنية الذكورية وبناء علاقات اجتماعية على أساس المساواة والحرية.

عرفت أستاذة الفلسفة فاطمة ميداني (من مدينة القصرين) التونسية الجنولوجيا على أنها "علم يهتم بالمرأة أراد أن يصحح مسار العلوم الإنسانية التي اهتمت بدراسة مواضيع عامة لها علاقة بالرجل والمرأة والأسرة والمجتمع دون التركيز على المرأة كموضوع بحثي مستقل"، موضحةً أن هذا العلم يدفع نحو التركيز على المرأة كموضوع بحثي رئيسي مهم وخلاق للظواهر الإنسانية وليس كموضوع عارض في الظواهر الاجتماعية.

وأضافت "بقدر ما هو علم يقوم على رصد التجارب ودراسة الظواهر المهتمة بقضايا المرأة، يسعى الجنولوجيا إلى تثمين حياتها النضالية بين الشعوب وداخل المجتمعات باعتباره علم ذا أبعاد فلسفية يحمل في طياته كلّ معاني النضال والكفاح وسعي المرأة إلى ضمان حياة حرة وكريمة لأنه في مستوى تعريفنا لهذا العلم نقول هو علم يقوم على فلسفة: الحياة والطبيعة والحرية".

بخصوص علاقة هذه الفلسفة بالحياة، تفسر فاطمة مبداني قولها بأن الجنولوجيا علم الحياة لأنه بات من الضروري جداً فهم طبيعة الحياة لأنه من غير الممكن أن تنسجم المرأة فيها وهي غير قادرة على فهم سر الحياة.  أما فيما يخص علاقته بالطبيعة توضح "الجنولوجيا علم طبيعة المرأة، فعندما نتأمل المرأة في كثير من الأحيان تكون متوافقة مع الطبيعة لأن المرأة هي عبارة عن شجرة حتى أن دورة الحياة بالنسبة لهذه الأخيرة تشبه كثيراً دورة الحياة بالنسبة للمرأة في نقطة جمال الروح والعطاء اللامتناهي، فالجنولوجيا تؤكد على هذه الخاصية وتدافع عن هذه الفكرة".

واعتبرت هذا العلم هو بالأساس "علم حرية المرأة" لأنه إذا لن تكن المرأة حرة لن تستطيع الاستمتاع بهذه الحياة ولا بالطبيعة بحكم أن الإنسان عموماً يتمتع بحريته كلما كان واعياً ومدركاً ومتفهماً لما يدور حوله، مؤكدة أن الجنولوجيا دفعت بالمرأة إلى المحاربة لتكون إنسانة حرة واعية ومدركة لقضاياها وحقوقها، مشيرةً إلى أن لهذا العلم دوراً مهماً جداً في رفع مستوى وعيها بقدراتها الذاتية وتعزيز مفاهيم ثورة المرأة خاصة وأنها عرفت عبر التاريخ الكثير من الاضطهاد في مجتمعات تغلب عليها ثقافة الهيمنة الذكورية الموجودة سواء في المجتمع التونسي أو بقية المجتمعات.

وبالنظر إلى الواقع الراهن، ترى فاطمة ميداني أن الشكل السلطوي المهيمن الاستبدادي الذي تخضع له المرأة في هذه المجتمعات لا يتجسد فقط في العنصر الذكوري، بل يتجسد في ظهور عبودية جديدة (والتي على ما يبدو أن المرأة لا تدركها بشكل جيد وعميق)، تفرضها الرأسمالية التي تريد السيطرة على المجتمعات مستغلة المرأة باعتبارها "الأكثر تأثراً" عبر قصفها بوابل من المنتجات الاستهلاكية وإقناعها في كل مرة بأن هذه المنتجات ضرورية لضمان استقلاليتها، وعندما تصبح المرأة تابعة لهذه القوى الغربية فأنها لن تنعم بحريتها التي يدافع عنها علم الجنولوجيا انطلاقاً أولاً من فكرة أن استقلال المرأة اقتصادياً يكون أحسن داعم للمجتمعات حتى تنهض بنفسها اقتصادياً وثقافياً، وثانياً من فكرة أن انتهاك حقوق المرأة وحرمتها واستغلالها واستعبادها يكون أسهل في المجتمعات التابعة لهذه القوى الغربية، الأمر الذي يتطلب مواصلة المعركة ليس فقط ضد الذهنية الذكورية بل أيضاً ضد إيديولوجية الرأسمالية.

وفيما يتعلق بمدى حضور هذا العلم في تونس، تقول "ما ألاحظه أن حضور هذا العلم يبدو منقوصاً قليلاً إذ تغيب إلى حد كبير المنتديات العلمية المتعلقة بعلم المرأة وتغيب الدراسات الأكاديمية المتعلقة بقضايا المرأة"، موضحة أنه في تونس يوجد ما يسمى بعلم الاجتماع لكنه لا يهتم بالمرأة كموضوع خالق للظواهر الاجتماعية وإنما يتناولها كموضوع عارض، داعيةً إلى تكريس هذا العلم الفلسفي في البلاد.

وترى فاطمة ميداني أن تونس حققت مكسباً هاماً متعلقاً بحضور ما يسمى مادة الفلسفة في المناهج التعليمية اعتباراً أن الخطاب الفلسفي هو خطاب قيمي أخلاقي تربوي حضاري بامتياز عكس الخطاب العلمي الذي يبقى خطاب مادي وبراغماتي وكمي وإيماناً أن مادة الفلسفة تلعب دوراً أساسياً في تكوين شخصيته الناشئة لأن هذا العلم يدعم القيم الأخلاقية والجمالية على غرار ما تتبناه الجنولوجيا لأفكار داعمة لاستقلالية المرأة ومدافعة عن حريتها.

وأضافت "من هنا يمكننا القول إن الخطاب الفلسفي هو خطاب القيم من شأنه أن يرد للمرأة إنسانيتها ويثبت وجودها في ظل انقلاب المعايير وسيطرة القيم النفعية التي من شأنها أن تدمر الشعوب ولن تنهض بمكانة بالمرأة"، مؤكدة أن النهوض بالشعوب يتطلب دعم كامل لعلم المرأة المسمى بالجنولوجيا".

وفي ختام حديثها أوضحت أستاذة الفلسفة فاطمة ميداني أن تقدم الشعوب يبقى رهينة تقدم وضع المرأة لأن استنقاصها لحالها والنظر إليها كعنصر غير فاعل في المجتمع لن يغير حال الشعوب ولن يدفعها إلى الأمام، قائلة "من غير الممكن أن نتحدث عن حرية الشعوب في ظل انتهاك حقوق المرأة وطمس هويتها وجعلها مسلوبة الإرادة، ومن هنا تأتي أهمية الجنولوجيا باعتبارها علماً مهماً حاملاً لأفكار فلسفية داعمة لحرية المرأة".