أسباب تفشي العنف ضد المرأة في الفضاء المروري وخفاياه
تعددت أشكال العنف ضد النساء في المجتمع التونسي وتنوعت، وكان آخرها العنف المروري الذي بات يلاحق المرأة التونسية التي تقود السيارة من الصباح حتى المساء ويطالها بالشتم والسب بأفظع العبارات وأكثرها فحشاً.
إخلاص الحمروني
تونس ـ قدم كتاب "العنف والفحش المسلّط ضدّ المرأة في الفضاء المروري" فكرة مفادها أنّ العنف يمثّل أبرز سمة من سمات علاقات النّوع الاجتماعي، الّتي شرّعت للسّيطرة والتّسلّط الذّكوري، بالاعتماد على منظومة من القيم والعادات والتّقاليد التي أدت إلى استنباط مبدأ عدم المساواة والتّراتب والتّفاضلية بين النّساء والرّجال.
العنف ضد المرأة ظاهرة انتشرت في المجتمع التونسي وأصبحت تلاحق المرأة حتى في الشارع، هذا ما أكدت عليه الباحثة في علم الاجتماع الدكتورة رانية الغويّل، مشيرةً إلى أنها قامت بالتعاون مع ثلة من المختصين/ات، بتأليف كتاب تحت عنوان "العنف والفحش المسلّط ضدّ المرأة في الفضاء المروري" لدراسة هذه الظاهرة والشكل الجديد من العنف.
وأكدت أن العنف ضدّ المرأة في الطريق يتّخذ عدّة أشكال، تتمثّل في العنف اللفظي والمعنوي والجسدي، وقد ذهب مؤلّفو الكتاب إلى أنّ هذا العنف عائد للتّنشئة التّربويّة وللثّقافة الاجتماعية المخفيّة، وهذه الدّراسة العلميّة تبين أنّ نسبة 59.1% ممن شاركوا فيها يشتمون سائق العربة أحياناً حين يكتشفون أنّه امرأة، موجهين لها عبارات وأوصاف تحتلّ فيها الكلمات النابية المرتبة الأعلى بنسبة 33.9%، كما يحمّلون مسؤوليّة حوادث المرور للشّباب بنسبة 44.3%، تليها النّساء بنسبة 42.4%، فالمرأة دائماً تقع في خانة المتّهَمين حتى لو لم يكن ذلك صحيحاً.
وأضافت "كون المرأة في الفضاء المروري العامّ مستهدَفة من قبل الرّجل بثقافته الذّكوريّة المعتلّة المتراوحة بين الموروث العنيف والمكتسب حديثاً من المجتمع بفعل التّنشئة، فإنّ مصطلحات الشّتم التي تطال المرأة تخرج من قاموس بذيء، فتصبح المرأة معرّضة للعنف اللفظي والفحش، وكأنّ من ينطقها بصوت عال في الشّارع والطّريق ليس ابن تلك المرأة الّتي تقود السّيّارة أو الدّرّاجة النّارية في الشّارع الآخر الموازي لشارع ممارسة الفحولة على امرأة التزمت عموماً بالأخلاق ولم تنزلق ضمن موجة العنف اللّفظي والمادّي والشّتم والإهانة".
ولفتت رانية الغويّل إلى أن فريق العمل استطاع أن يحدد مفهوماً لهذا العنف المسلط ضد المرأة في الشارع أو في الفضاء المروري يتمثل في أن الشارع هو مرآة المجتمع ومرآة لكل فضاءات التنشئة الاجتماعية "اليوم عندما نتحدث عن العنف داخل الفضاء المروري أو في الشارع فهو إذن نتيجة للعنف ضد المرأة في كل الفضاءات الأخرى".
وعن الدراسة التي صدرت العام الماضي عن دار الكتاب قالت إنها "لاقت صدى كبيراً لأنها اعتمدت في منهجيتها على النوع الاجتماعي كمقاربة وذلك من خلال التركيز على فضاء جديد وهو الشارع، حيث بينت الدراسة أن هناك علاقة متوترة بين الرجل في تونس والشارع، وهناك أيضاً درجة من العنف تصل أحياناً إلى الفحش، وقد لا حظنا أن نسبة 30% من المشاركين في الدراسة تعنف المرأة بكلمات نابية داخل الفضاء المروري".
وأوضحت أن الرجل في تونس الذي عرف بأنه على درجة جيدة من العلم والمعرفة، في واقع الأمر يعتمد على الألفاظ النابية في تعامله مع المواقف وخاصة إذا كان المقابل امرأة بغض النظر عن وضعها، مشيرةً إلى أن العوامل التي أوصلت المرأة إلى هذه الدرجة الخطيرة من العنف أولاً هي عوامل ثقافية مرتبطة بالتنشئة الاجتماعية التي تبنى على التمييز ما بين الأبناء وثانياً الثقافة الذكورية الجماعية التي تبرز خاصة في الأمثال الشعبية التي تحط من قيمة المرأة وتجعلها في وضعية دونية وأقل من الرجل، ثالثاً الكتب المدرسية وما يحدث داخل المدرسة ومجموع المعلومات والمعطيات التي تقدم للتلاميذ وأيضاً التمييز فيما بينهم.
وعن أسباب تفشي هذا الشكل من العنف بينت أنه "عندما نرى المرأة تقود السيارة فهذه الصورة لها رمزية كبيرة لأنها تختزل صراعاً ضمنياً على القيادة وهي ليست مسألة قيادة السيارة فقط بل لها خلفيات رمزية نفسية واجتماعية، فلطالما اعتبر الرجل نفسه القائد وله سلطة القيادة، في الوقت الذي أثبتت فيه المرأة أنها تقود أفضل من الرجل وهي غير متسرعة وهذا ما أكدته معظم الدراسات".
وأضافت أنه "من النتائج الأساسية التي توصلنا إليها أن المرأة حصلت على الكثير من الحقوق في المجتمع التونسي وفي أسرتها، والرجل لم يتبق له إلا الفضاء العام، وبحكم عدم معرفته بالمرأة التي تقود معرفة شخصية، فهو يعتبرها فرصة لإفراغ مكبوتاته النفسية أو الاجتماعية من خلال سبها وشتمها وتعنيفها لفظياً".
وأكدت أن العنف الذي تتعرض له المرأة في الشارع "مرآة تعكس حجم العنف المسلط على النساء في الفضاءات الأخرى ولكن تختلف النساء حسب متغير مهم جداً تم ملاحظته من خلال هذه الدراسة وهو سنوات الأقدمية، فالمرأة عندنا تكون حديثة العهد بالقيادة تكون أكثر تأثراً بهذا العنف اللفظي من المرأة التي تمتلك تجربة طويلة من خمس إلى عشر سنوات، فالأولى تتفاجأ بهذا الكم الهائل من العنف باعتبارها سمعت لأول مرة كلاماً يمس كرامتها من شخص لا تعرفه مطلقاً".
وفيما يتعلق بتفاصيل الدراسة التي تم إنجازها لأول مرة في تونس حول هذا النوع المستجد من العنف، تقول الدكتورة بأنه "تم اعتماد الطريقة الكيفية والكمية من خلال توزيع ما يفوق 3500 استبيان على جميع مناطق البلاد بالتعاون مع الجمعية التونسية للوقاية من حوادث الطرقات، وتم اعتماد الطريقة الكيفية من خلال المجموعات البؤرية، بالإضافة للاعتماد على العديد من المتغيرات الاجتماعية الأخرى".
وللحد من هذه الظاهرة دعت رانية الغويل إلى ضرورة العمل بشكل أفضل على البرامج المدرسيّة وعلى الفئة العمرية بين 18 و35 سنة خاصة في مجال التوعية للحد من العنف المروري، وضرورة وضع رقم أخضر للتبليغ عن حالات العنف المروري وتطبيق القوانين خاصة في الجوانب المرتبطة بالضوابط القانونية للقيادة.
وأكدت أنه "من أهم الاستنتاجات التي توصلنا إليها أن هذا النوع من العنف يتقلص في المجتمع الريفي على اعتبار أن الناس يعرفون بعضهم البعض وهو ينتهي مع انعدام طابع المجهولية في حين أنه في العاصمة أو المدن الأخرى يكثر العنف سواء باللغة الفاحشة أو العنف بجميع أشكاله لفظي أو مادي أو بالحركات البيئة"، مضيفةً "للأسف الجانب القانوني لم يعد رادع ولم يعد يطبق بالكيفية اللازمة مقارنة بالواقع، لذلك نؤكد أن أسباب تفشي هذا الشكل من العنف هو بالأساس ثقافية ونفسية واجتماعية بحتة".