ارتفاع الرسوم الجامعية يحرم الفتيات من إكمال دراستهن

بالتزامن مع بدء الدوام الجامعي في قطاع غزة تجلس الكثير من الفتيات في بيوتهن بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي جعلت من الجامعة بالنسبة إليهن حلم بعيد المنال في القطاع المحاصر والذي تصل نسبة الفقر به إلى 53% حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني

رفيف اسليم
غزة ـ ، مما يعني أن أكثر من نصف السكان لا يستطيعون تأمين الاحتياجات الأساسية لأسرهم بالتالي أصبح تعليم الفتاة الجامعي لديهم رفاهية.
بالرغم من تفوق بعض الفتيات وحصولهم على معدلات تفوق والتي تصل إلى 90%، إلا أن ذلك لم يشفع لهن بالحصول على منحة دراسية كاملة أو تخفيض للرسوم الجامعية، بفعل تحول الجامعات في قطاع غزة إلى مشاريع استثمارية، الهدف منها هو تحصيل المبلغ المالي من الطالبة وحسب، فحتى إن استطعن تدبر أمورهن لدخول الجامعة والبدء بالدراسة الكثير منهن ينسحبن دون إكمال ما بدأن به خاصة في التخصصات العليا كالطب والهندسة. 
تقول سها محمود وهي طالبة تخرجت من الثانوية العامة حديثًا بمعدل (99%)، أنها كانت تعلم جيداً أن المرحلة الثانوية هي نهاية المطاف بالنسبة لها خاصة أنها تسكن في إحدى المناطق الريفية بالقطاع والتي يعتمد سكانها على الزراعة كمصدر دخل، والذي بالكاد يكفي الأسرة مأكل ومشرب بعيداً عن أي رفاهية، لافتةً إلى أن تلك الظروف لم تثنيها عن بذل قصارى جهدها دون الاستعانة بالدروس الخصوصية أو خلافها من المصادر المكلفة مادياً والتي يعتمد عليها غالبية الطلبة خلال الدراسة.
ولا تنكر سها محمود أنها الآن تعاني مرارة النظر لحلمها وهو ينهار فيما تذهب فتيات أقل منها ذكاءً إلى الجامعات بسبب امتلاكهن المال الكافي لتسديد الرسوم الجامعية الباهظة، مشيرةً إلى أنها ناشدت أكثر من جهة كي تنظر إليها بعين العطف وتساندها على الوصول، علها تجد عمل بعد إنهاء دراستها الجامعية تحسن به من مستوى العائلة الاقتصادي ويجعل منها مهندسة قادرة على خدمة مجتمعها ذات يوم. 
المشكلة حسبما وصفتها سها محمود هي أن يتكفل أحدهم بدفع الفصل الدراسي الأول ثم يقرر الانسحاب بعد أن رتبت كافة حسابتها على إكمال دراستها، موضحةً أن بعض الجامعات في غزة حتى وإن حظيت الطالبة بمنحة الأوائل يلزمها مبلغ إضافي يعادل نصف الرسوم، الأمر الذي لا تستطيع العائلة تحمله لذلك ستكون هي على المحك ومهددة في أي وقت بترك الدراسة والجلوس بالمنزل.
أما تسنيم القطاوي (23) عاماً، فقد تخلت عن حلمها بالوقوف أمام الكاميرا أو الحديث خلف الميكرفون بعد أن تتخرج من كلية الإعلام في أحد الجامعات الفلسطينية حسب حديثها، لأنها أدركت أن ذلك الحلم لا فائدة منه طالما أن الجامعات الفلسطينية تتعامل مع الطالب على أنه ماكينة صرافة ويجب أن يسدد ما عليه في الوقت المحدد، مشيرةً أن طرد الطلبة من القاعات أو حرمانهم من المشاركة في المواد العملية جعلها تنهي دراستها وتنسحب قبل إكمال السنة الثانية.
وأوضحت أن كل ما كانت تحتاج إليه هو بعض الوقت لتدبر أمورها وتدفع الرسوم كاملاً إلا أن إدارة الجامعة لم تلفت لها واعتبرتها متهربة من سداد ما عليها، منوهةً إلى أن الجامعات الفلسطينية هي جزء من المجتمع ويقع عليها مسؤولية اجتماعية في مساندة أبناء شعبها في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والأزمات المتكررة التي يمر بها القطاع لكنها لم تلمس سوى الطريقة التقليدية في التدريس والتي لا تخدم الطالب أو الرسالة الإعلامية.
اليوم وبعد خمسة سنوات ما زالت تسنيم القطاوي تنظر إلى أبواب الجامعة بحسرة كلما صادفتها في طريقها بالرغم من مرور وقت طويل على تركها لها، مضيفةً أنها لو وجدت من يساعدها في دفع الرسوم لم تكن لتتركها كما أنه لو خففت إدارة الجامعة من الضغط الممارس من قبلها عليها وعلى الكثير من الطلبة لتمكنت من أن تصبح صحفية بدلاً من مراقبة الصحفيين خلال ممارسة أعمالهم متخيلة نفسها لو أنها هي من تجري المقابلة.
فيما يتكرر شعور الرعب من تأجيل الدراسة مع سارة السعيد البالغة من العمر (22) عاماً في بداية كل فصل دراسي، تقول إن دراسة طب الأسنان في قطاع غزة باهظة جداً حيث يتكلف الطالب بإحضار المعدات ودفع الرسوم قبل بداية الفصل وإلا لا تسمح إدارة الجامعة بدخول العيادات، لافتةً إلى أن الاجتهاد في كلية الطب لا يضيف شيء فلا منح أو تخفيض على الرسوم المدفوعة لذلك هي تواجه خوفها على جبهتين.
وأوضحت أن وضع أسرتها المادي لم يكن يسمح لها بدخول مجال الطب لكنها لم تستطيع التخلي عن حلمها بأن تصبح طبيبة وقررت ألا تسجل في تخصص آخر وأن تجلس بالمنزل، إلى أن فاجأتها أخواتها بالتنازل عن إكمال دراستهن لتلتحق هي بكلية الطب، مشيرةً أن لديها أختان إحداهن درست في معهد للغة الإنجليزية والأخرى اختارت طريق مماثل كي تستطيع العائلة تدبر أمورها من خلال تخفيض نفقات المنزل لأقصى حد ممكن.
وتصف سارة السعيد أن ما يحدث في الجامعات الفلسطينية ظلم ففي حين أن الطالبات تدخلن تلك الكلية بمجموع أعلى من الطلاب يسمح للطالب الذي يتخرج من الثانوية بمعدل (85) بأن يصبح طبيب من خلال رسوم إضافية "رشوة" على حد وصفها يدفعها للجامعة ويطلق عليها "موازي"، مشيرةً إلى أنها مهددة في أي وقت بترك دراستها أو منعها من استخدام مرفقات الجامعة كالخزانة التي تضع بها المواد الخاصة بتدريب العيادة وبعض الأوراق والملابس متمنية أن تستطيع الخلاص بأقرب وقت.