ارتفع معدلها مؤخراً... جرائم قتل الزوجات تفضح الانتهاكات بحق النساء

في الآونة الأخيرة تم الإعلان عن أكثر من جريمة مرعبة قام بها أزواج ضد زوجاتهن، وهو الأمر الذي كان فاضحاً لكم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء فقط لأنهن زوجات وعليهن الرضوخ للسلطة الذكورية التي لا تخلوا من الممارسات العنيفة.

أسماء فتحي

القاهرة ـ تبحث العديد من مؤسسات المجتمع المدني خاصة تلك المعنية بقضايا المرأة المصرية، في جذور مشكلة قتل النساء على يد أزواجهن، مطالبين بمزيد من الاجراءات الحمائية للنساء وفي مقدمتها "إصدار قانون موحد لمناهضة العنف".

تأتي أزمة قتل الزوجات ضمن سياق اجتماعي يحتاج أيضاً للبحث عن حلول جذرية له لأن أسلوب الزواج نفسه، حيث يعتبر البعض تكوين أسرة جديدة صفقة تسلب المرأة فيها كامل حقوقها لصالح الرجل الذي يعتبر نفسه المقرر لها في مختلف نواحي الحياة، ويتعامل معها وكأنها ملكية خاصة انتقلت من الأب إليه، لذا فحتى حقها في الحياة يمكنه سلبها إياه تحت بند "الشرف" أو غيره، وهو الأمر الذي دفع البعض للعمل من أجل نشر ثقافة التشاركية في بناء الأسر لتغيير هذا الواقع.

 

المجتمع يدعم قهر النساء داخل الأسر ولا يقبل بخروجهن منها والقانون يعطلهن

أوضحت الكاتبة النسوية المتخصصة في الشأن النسوي، شيماء الشوربي، أن المجتمع نفسه ساهم في ارتفاع معدل الجريمة لكونه يمارس الضغط على النساء لتقبلن بحياة مع أزواج لا يشعرن معهم بالأمان خوفاً من الطلاق وويلاته ومعاناتهن بعده، مؤكدةً أن ثقافة المجتمع تمنح الرجال دائماً السلطة على النساء وبالتالي لا يقبل حتى بالمرأة التي تعيش بمفردها لأي سبب كان وكذلك الأرملة التي فارقها الزوج على غير إرادتها لا تسلم من تدخلاته، وهو ما يشكل ضغطاً على الزوجات ويجعلهن تقبلن بالتعنيف وتواصلن العيش في كنف أزواج لا يحترمونهن ولا يتعاملون معهن بآدمية.

وعن قصص النساء التي تعبر عن هذا الواقع فقد روت شيماء الشوربي، أنها بحكم عملها صادفت الكثير من النساء اللواتي قررن الفرار من جحيم الأزواج لتنجين بحياتهن، مشيرةً إلى أن إحدى النساء ضربها زوجها وأخرجها من المنزل، وقررت اللجوء للمحاكم وهو الأمر الذي تسبب في سحب جميع الصلاحيات منها ولم تجد دعم من أسرتها لأنهم رافضين لمبدأ الطلاق نفسه.

واعتبرت أن المسار القانوني نفسه يعطل النساء في نيل حقوقهن لأنه طويل وروتيني، مؤكدةً أن قضية كالنفقة في أحسن الأحوال يحكم فيها بعد عام وعادة ما تحصل المرأة بها على الفتات، والتمكين من المنزل يأخذ أمد طويل وإن لم تكن منجبة لأطفال فلا حق لها في أي شيء، كاشفة أن هناك نساء يبتن في الشارع وأخريات معرضات للابتزاز بمختلف أنواعه ومع ذلك لا تقبلن الانتهاكات التي يمارسها الأزواج عليهن وتسعين لنيل حقوقهن لكونهن كاملات الأهلية ولسن أقل منه في شيء.

 

الجرائم باتت مرعبة والأسباب وهمية

تواترت الكثير من المناقشات حول أسباب ارتفاع معدل الجريمة خلال الفترة الأخيرة خاصة داخل نطاق الأسرة والبعض أرجعها للبعد الاقتصادي وآخرون رأوا أنها ميراث فترة العزلة خلال جائحة كورونا، بينما يرى البعض أنها ناتجة عن ثقافة التربية ذاتها التي جعلت أجساد النساء ملكاً للرجال في حياتهن.

وقالت الكاتبة شيماء الشوربي أن أسباب الجريمة الأسرية متعددة ولكن الواقع مزعج فهناك جريمة كان سببها أن أهل الزوجة لم يحضروا له "ياميش رمضان"، وأخرى قام الزوج فيها بقتل زوجته وشرع في قتل طفلته لمجرد أنها طلبت منه مصاريف يومية في منزلهم، وثالثة قرر فيها الزوج قتل زوجته وأسرتها أثناء جلسة صلح بينهم، معتبرةً أن الحديث عن مثل هذه الجرائم مزعج وأسبابه قد تكون متعددة منها الضغوط الاقتصادية وتعاطي المخدرات والانفلات الأخلاقي وغيرها من الأمور المركبة التي تحتاج لمواجهة.

وأكدت على أن الفترة الأخيرة شهدت ارتفاع في معدل الجريمة الأسرية وأصبح القتل يحدث لأتفه الأسباب، مرجعة جانب ليس بالقليل منها للتحايل على المسار القضائي وتخفيف العقوبة واستخدام مادة الرأفة وغيرها من الأمور التي قلصت من تأثير أدوات الردع على المجرمين.

ولفتت إلى أن الأسرة رسخت في عقول الفتيات فكرة التحمل والتضحية من أجل استمرار الحياة الأسرية وهو الأمر الذي نتج عنه خضوع من الزوجة وزيادة سطوة وقهر أشباه الرجال عليها ولا يدركون أن الزمن تغير وأنه يجب رفع وعي الأسرة بالتربية التي تضع النساء في مساواة مع الرجال لكونهن كاملات الأهلية، حيث باتت هناك ضرورة لحماية حياتهن ذاتها.

 

طلبت الطلاق ومازالت معلقة وتخاف أن يتحول التهديد لواقع

"نجوت من زواجي خوفاً على حياتي، فقد هددني زوجي مئات المرات بالقتل الذي لم استطع إثباته حتى الآن"، بهذه العبارة بدأت الثلاثينية سمر جميل "اسم مستعار" حديثها لوكالتنا حول مخاوفها والانتهاكات التي تعرضت لها أثناء زواجها والتي اضطرتها لرفع دعوى تطليق ضد شريكها المعنف.

تلك القصة ليست الوحيدة من نوعها فلا يمر يوم دون ورود أنباء عن مقتل زوجة على يد الزوج لأسباب متعددة أغلبها يرتبط بالوضع الاقتصادي للأسرة أو ما تم الاصطلاح على تسميته بـ "جرائم الشرف" وغيرها، كما أن البحث عن مبرر لإزهاق روح هو في حد ذاته جريمة لكونه يحرض على ممارسات ضد حقوق الإنسان تصل لحد سلب الحياة ذاتها.

قالت سمر جميل، إنها تعرضت للتعنيف من قبل زوجها نال من كرامتها على حد وصفها وجعلها تشعر بالإهانة واستمر الأمر لأكثر من عامين حتى بدأ في التطاول عليها وضربها مرات ومرات ولكونها أم لطفل حينها ارتضت بالأمر الواقع واستمر الحال في التدهور إلى أن وجدت نفسها بعد 7 أعوام من الزواج معها ثلاثة أطفال.

وأضافت "أشعر وكأنني كنت في غيبوبة وفجأة أدركت أنه قد أُقتل في أي لحظة فيتم ضربي وكأن الأمر طبيعياً على مرأى ومسمع من أهلي وأهله، حيث يتم تهديدي بالقتل على أتفه الأسباب، وطوال الـ 5 أعوام اطمأن نفسي بأنها لحظات غضب وسرعان ما ستزول ولكن خفقان قلبي لم ينته وظلت مخاوفي تطاردني في يقظتي ونومي".

وفي أحد الأيام قررت سمر جميل أن تنتصر لمخاوفها وتهرب من حصار الزوج مقررة الانفصال عنه، مؤكدةً أن "القرار لم يكن سهل فلن يقبل به أحد ولكن الخوف تمكن مني وأصبحت ارتجف كلما عنفني وأحضن أطفالي وكأن حياتنا ستنتهى الآن، والآن أصارع من أجل الحصول على الطلاق والنجاة وكل آمالي أن أحيا في سلام وأربي أطفالي في مناخ لا يرون فيه أمهم تصفع على وجهها من حين لآخر وكأنها بلا مشاعر أو حقوق".

 

الانتقاص من حقوق النساء وتعنيفهن يتم بمباركة أسرية

وأشارت إلى أنها اشتكت لأسرتها في أغلب المرات التي تعرضت فيها لتعنيف الزوج وأن ردودهم تغيرت مع مرور الوقت وكانت جميعها لصالح معنفها تحت دعوى أن الزوجة هي من "تعشش" و"تصبر"، وهو الأمر الذي جعلها تضيع من حياتها نحو 7 سنوات لاعتقادها أن كل النساء عليهن فعل ذلك، مضيفة أن بعض ردود فعل أهلها وأهل الزوج جاءت لمجرد استمرار الحياة بينهم "في بداية زواجي وجدت زوجي عصبي ويسبني بأسوأ الألفاظ فجريت على أهلي تاركة منزله، أخبروني آنذاك أنه علي التحمل وطاعته وألا أحدثه في غضبه وبالفعل عدت له، وبعد انجاب طفلي الأول وضربي لم أحتمل فذهبت لهم وأخبروني أن طفلي له حق وأيضاً يجب أن اتحمل من أجل مستقبله، حتى بعدما أصابني بجروح بالغة قالوا لي كيف ستتمكنين من رعاية ثلاثة أطفال والإنفاق عليهم وأخيراً أخبروني أنهم لن يقبلوا أن تصبح ابنتهم مطلقة".

ولم تكن سمر جميل الوحيدة التي تضحي بحياتها بمباركة الأسرة على هذا النحو فالخوف من كلمة "مطلقة" وتبعات ذلك كونها موصومة مجتمعياً جعل البعض يبرر تعنيف الزوجة وكذلك بعض الأفكار الدينية المغلوطة وجميعها أمور تحتاج لعمل دؤوب على المفاهيم لرفع وعي المجتمع بها واستبدال تلك الأفكار التي تعرض آلاف النساء للخطر بأخرى تدعم حقوقهن الإنسانية وتحميهن.