انتحار أبنها دفعها لتأسيس جمعية "ابتسامة رضا" لمنع انتحار الشباب

تعمل جمعية "ابتسامة رضا" على حث كافة الفاعلين المؤسساتيين وهيئات المجتمع المدني والمواطنين في المغرب بأهمية تكاتف الجهود من أجل مساعدة الشباب على تجاوز أزماتهم النفسية وحمايتهم من كل ما من شأنه أن يؤدي بهذه الفئة إلى التشاؤم أو التفكير في الانتحار.

حنان حارت

المغرب -"لا شيء صعب على الشباب" مقولة للفيلسوف سقراط تؤمن بها المجتمعات المتقدمة التي تولي الاهتمام الأكبر لهذه الفئة التي تعتبر عنواناً لتقدّم البلدان وازدهارها، وتكرسها جمعية "ابتسامة رضا" المغربية التي أولت كل جهودها من أجل الاستماع لهذه الفئة والأخذ بيدها ومساعدتها في تجاوز العقبات التي تعترض تحقيق أهدافها وتعرقل نجاحاتها.

رئيسة جمعية "ابتسامة رضا" مريم العراقي، أكدت في حوار مع وكالتنا على أهمية وجود مثل هذه الجمعيات للنهوض بفئة الشباب وتشجيعه على الإبتكار والإبداع وغرس فكر تقدمي ينهض أكثر بالشعب المغربي، وشددت على أهمية إيصال معاناة الشباب المغربي وتكريس الجهود لحمايتهم من كل الظواهر السلبية التي قد تؤثّر على مستقبلهم.

 

كيف تعرفين جمعية "ابتسامة رضا"، وما هي الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها؟

جمعية ابتسامة رضا تعنى بالشباب الذين يفكرون في وضع حد لحياتهم "الانتحار"، حيث جاءت جمعيتنا لتسلط الضوء على هذه الظاهرة في المغرب التي يلجأ إليها بعض الشباب في مقتبل العمر.

الجمعية رأت النور بعد إقدام أبني رضا على الانتحار وهو في سن13 عاماً، وتسعى إلى فهم المعاناة التي يعيشها الأطفال والشباب وتفسيرها وبالتالي مكافحتها.

الجمعية جعلتنا نعي أن المعاناة يمكن أن تكون في صمت قاتم والنهاية مأساوية لشبابنا، كما أن العديد من الشباب يجدون صعوبة كبيرة في تحديد ما يعانون منه والتعبير عن ذلك بكل طلاقة، وحتى إن فعلوا ذلك فإنهم يعبرون عنه بطريقة غير سليمة، ما يجعلهم يشعرون أن لا أحد يفهمهم أو يدرك جسامة مشاكلهم، ما يؤدي بهم إلى الانغلاق؛ وهذا الخلل التواصلي كفيل بمضاعفة التفكير في الانتحار والإقدام على تنفيذه.

من هذا المنطلق تم إنشاء الجمعية، حتى يتمكن الشباب الذين لديهم هواجس الانتحار على البوح بمعاناتهم ومخاوفهم، والاستفادة من الأنشطة التي تقوم بها الجمعية، ومن ثمة الحفاظ على حياتهم.

 

تعمل الجمعية على نشر ثقافة الحياة ومحاربة الانتحار، كيف تسعى لذلك وبأي وسائل؟

نحاول من خلال الحملات التحسيسية أن نستمع أولاً إلى معاناة الأطفال والشباب لإخراج هذه الفئة من الدائرة السوداء التي تحصر فيها نفسها، لهذا في عملنا نتوجه إلى الأشخاص الراغبين في تقديم المساعدة والإنصات وتزويدهم بالوسائل الضرورية، لجعل الشباب أكثر قدرة على البوح بمعاناتهم؛ فالإنفتاح كفيل بمساعدة هذه الفئات على التعبير عن أحاسيسها بكل عفوية، ومساعدتها على استرجاع هدوئها، وبالتالي العودة إلى التفكير بجدية ورزانة في الحياة، وثنيها عن الإقدام على الانتحار.

هناك أيضاً جانب آخر نهتم به وهو التوجه إلى المدارس، للقيام بورشات لتيسير التواصل ما بين المدرسين والتلاميذ، وتلقينهم الآليات الكفيلة لتقديم المساعدة للشبان والشابات، وكيف يمكن أن تكون ردود أفعالهم في حالة ما صادفوا أشخاصاً يفكرون في الانتحار.

ومن أجل الوصول إلى أكبر عدد من الشباب الذين ربما لديهم أفكار انتحارية، أطلقنا خدمة الدعم المجاني عبر الدردشة (التشات)، وهي الأولى على مستوى الدول العربية، بحيث تعتبر هذه الخدمة سرية ومجانية، تمكن الاستماع للشباب بشكل إيجابي دون إعطاء أحكام، حيث يرتكز عملنا حول شخصية الشاب في احترام تام للخصوصية.

وتهدف الخدمة إلى تقديم دعم فوري للشباب ومساعدتهم على التعبير عن معاناتهم وبالتالي إيجاد الحلول المناسبة، وهذه العملية يتم فيها تسخير طاقم استماع؛ تتراوح أعمارهم بين 25 و60 سنة، يخضعون لدورات تكوينية من أجل اكتساب قدرة الإنصات الجيد كما يتلقون تكويناً عميقاً مطابقاً للمعايير الدولية.

 

ما هي أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى التفكير بالانتحار؟

البعض يعتقد أن ما يوصل الشباب إلى الانتحار هو وجود سبب واحد، لكن يجب أن نعلم أن هناك عدة عوامل مختلطة فيما بينها يمكن أن تؤدي بالشخص إلى التفكير في الانتحار، فالوضعية التي يعيشها الشاب هي التي تتحكم في هذا الموضوع؛ فمثلا: كأن يكون الشاب يعيش في وسط أسري مضطرب، وهناك أيضاً الوضع الإقتصادي؛ كأن يكون الشخص يعاني من أوضاع مادية سيئة أو المرور بتجربة مؤلمة مثل: وفاة أحد المقربين جداً، مما يترك تأثيرات سلبية تبقى مع هؤلاء وتكبر مع الأيام وبالتالي قد تتسلل أفكار انتحارية ورغبة في الموت للتخلص من أعباء هذه الضغوط، وفي خضم ذلك إن لم يجدو من يدعمهم نفسياً ويخرجهم من ظلامهم، يرون أن الانتحار هو الحل.

 

كيف ساهمت حملات "ابتسامة رضا" في كسر جدار الصمت حول ظاهرة الانتحار وفتح المجال أمام فئات الشباب للتعبير عن معاناتهم؟

عند نشأة جمعية ابتسامة رضا لم نكن نتحدث عن الانتحار بشكل مباشر، لكن كنا نركز في حملاتنا على العنف الذي يمارسه الشخص على نفسه؛ اعتباراً من كون أن الانتحار هو عنف يمارسه الشخص بحق نفسه، كما تحدثنا عن حالة الصمت التي تتملك الشاب خلال معاناته، ومع مرور السنوات بدأنا ندرج مصطلح الانتحار، والسبب أن الناس يخافون من الانتحار لهذا كان لابد من التدرج.

فبعد أربع سنوات تقريباً من إنشاء الجمعية وتحديداً في عام 2013، عملنا على كسر التابوهات، وبدأنا نتحدث عن ظاهرة الانتحار في صفوف الشباب، وفي عام 2014  بدأت وسائل الإعلام المغربية تنفتح علينا، وفي عام 2015 قررنا أن يكون 5 شباط/فبراير من كل عام يوماً وطنياً ضد الانتحار.

وفي عام 2018؛ دخلت الجمعية في إطار استراتيجية مع وزارة الصحة وعدد من الشركاء، من أجل تنظيم ورشات تهم المغرب بشكل عام للحديث عن ظاهرة الانتحار، ودفع الشباب إلى كسر الصمت، وفتح المجال أمام فئات الشباب للتعبير عن معاناتهم.

 

ماهي رسالتك للشباب الذين لديهم تفكير سلبي ويفكرون في الإنتحار؟

ما ينبغي أن نعرفه هو أن عدداً من الأشخاص في العالم يفكرون في الانتحار مرة واحدة في الحياة، ولا يعني أن هذا الشخص يمكنه الإقدام على الانتحار.

وهناك من لديهم أفكار انتحارية متكررة، هؤلاء لا بد أن نفهم أنهم وصلوا لحد يظنون أن معاناتهم لن تنتهي، وفي هذه اللحظة يكونون في أمس الحاجة للمساعدة، وحينها يمكنهم طلب المساعدة من الأشخاص الذين يثقون فيهم، أو يمكنهم اللجوء للجمعية، حيث سيعلم الشاب أنه ليس وحيداً وأن هناك من على استعداد للاستماع إليه، وبالتالي تشجيعه على البوح والتدخل لتقديم المساعدة في الوقت المناسب لتجنب حدوث الأسوأ، وعلى الشباب أن يتأكدوا أن الغد يحمل أشياء جميلة.