انقطاع الطرق الرئيسية يضاعف معاناة النساء المصابات بالفشل الكلوي
أدى الصراع المستمر في اليمن إلى ضعف الرعاية الصحية، التي أثرت بدورها على المرضى، فبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، واحد من كل 4 مرضى يموتون بسبب ضعف الرعاية الصحية في البلاد.
رانيا عبد الله
اليمن ـ انقطاع الطرق الرئيسية في مدينة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن ضاعف من معاناة المريضات المصابات بالفشل الكلوي، وأدت الطرق البديلة إلى وقوع حوادث متكررة وسقوط العديد من الضحايا.
لم تكن إصابة زين عبد الله (45) عاماً، بمرض الفشل الكلوي منذ 9 سنوات المعاناة الوحيدة لديها، فانقطاع الطرق الرئيسية في مدينة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن ضاعف من معاناتها بل وغير مسار حياتها للأسوأ.
فبعد أن كانت تقضي أقل من ساعة للوصول إلى مركز الغسيل الكلوي في هيئة مستشفى الثورة الواقع وسط مدينة تعز للحصول على جلسة الغسيل أصبحت تقطع أكثر من 9 ساعات عبر طرق جبلية وعرة المعروفة بطريق (الأقروض) وتكاليف باهظة للمواصلات تصل إلى (20) ألف ريال يمني أي ما يعادل 20 دولار.
الحرب بداية المعاناة
تصف زين عبد الله معاناتها منذ اندلاع الحرب وتقول "أخضع لجلسة الغسيل الكلوي مرتان في الأسبوع، قبل الحرب كنت أحضر لمركز الغسيل الكلوي عبر الطرق الرئيسية، ثم أعود إلى منزلي بنفس اليوم بأقل من ساعة ومبلغ بسيط، ولكن بعد أن اندلعت الحرب في المدينة بدأت معاناتي حيث كنت أسلك الطريق مشياً على الأقدام بسبب المواجهات ومنع مرور السيارات، وأحياناً تكون الطرق مغلقة أمامنا لنعود من منتصف الطريق إلى بيوتنا، لتنقطع الطرق الرئيسية نهائياً، ولا يوجد لدينا خيار آخر إلا منفذ واحد هو طريق الأقروض أو سامع".
غربة في الوطن
اضطرت زين عبد الله البقاء وسط المدينة تاركة ابنائها الثلاثة، أصغرهم لم يكمل الثانية عشر من عمره لتتمكن من الحصول على جلسات الغسيل الكلوي، وكانت تقضي وقتها تحت الأشجار أو في باحة المستشفى، وأوقات أخرى كانت تبيت في غرفة صغيرة هي وأخريات مصابات بذات المرض "كنت أبيت في غرفة مزدحمة مع عدة نساء مصابات بالفشل الكلوي ونفترش الكراتين بعيداً عن أهالينا، وكل هذه المعاناة كانت نتيجة انقطاع الطرق التي منعتنا من الوصول بسهولة إلى مركز الغسيل الكلوي بالمدينة".
بعد افتتاح دار إيواء مرضى الفشل الكلوي في العام 2018 عبر مؤسسة معكم، وجدت زين عبد الله و15 امرأة أخرى مصابة بالفشل الكلوي مأوى مؤقت لهن قريب من مركز الغسيل الكلوي وسط المدينة إلى أن يتم إعادة فتح الطرق الرئيسية والذي تتمناه جميع نزيلات الدار.
12 ساعة في الطريق
قررت زين عبد الله زيارة ابنائها وقضاء العيد معهم، لكنها لم تصل إليهم إلا بعد معاناة طويلة عبر الطريق البديل "في العيد قررت زيارة ابني، توجهت الساعة 11 صباحاً ووصلت الساعة 10 ليلاً، قضيت معهم ثلاثة أيام ثم عدت مجدداً بنفس الطريق وذقت نفس المعاناة".
لم تكن هذه معاناة زين عبد الله وحدها فخديجة منصور (60) عاماً أيضاً تركت أولادها العشرة في قريتها الواقعة بمديرية شرعب شمال مدينة تعز الواقعة جنوب غرب البلاد، حيث كانت تسافر وتتنقل عبر الطرق البديلة بعد إصابتها بالفشل الكلوي قبل ثلاث سنوات للوصول إلى مركز الغسيل الكلوي "لم استطع التنقل والسفر من قريتي إلى وسط المدينة وقررت الاستقرار في مركز الإيواء حتى أكون قريبة من مركز الغسيل الكلوي، بعد أن كنت أقضي ساعات طويلة من القرية إلى المدينة وكنت أصل وقدماي متورمتان بسبب بعد المسافة ووعورة الطريق وأحياناً كثيرة اتأخر عن جلسات الغسيل مما يسبب بمضاعفة حالتي وتدهورها".
أوضحت خديجة منصور أنه "بكل الحروب التي حدثت لم يقطع أحد الطرق أمام الناس، وكل ما نتمناه هو فتح الطرق الرئيسية حتى نتمكن من المكوث في منازلنا والبقاء مع ابنائنا والتمكن من حضور جلسات الغسيل الكلوي الأسبوعية ونحن بجوار ابنائنا، لكننا في غربة داخل وطن واحد، عندما قررت زيارة ابنائي انطلقت منذ الفجر ووصلت بعد المغرب وأنا منهكة ومتعبة متورمة، لكن الشوق والحنين لأولادي أقوى من التعب، فأذهب لزيارتهم كل ثلاثة أشهر وكل ليلة تمر علي وأنا اشتاق لهم ولرؤيتهم يزداد تعبي وتتقدم حالتي".
دار إيواء يخفف معاناتهن
تقول مشرفة دار إيواء مرضى الفشل الكلوي بتعز والية الشريحي "فتحنا الدار لإيواء مرضى الفشل الكلوي بعد أن تقطعت بهم السبل أثناء الحرب، ولامسنا معاناة المرضى في المستشفى بمركز الغسيل الكلوي، فقد كانوا يبيتون تحت الأشجار وفي ممرات المستشفى".
وأوضحت أن الدار يؤمن الإيواء لـ 30 مريض من خارج مدينة تعز 15 نساء، و15 رجال، بينما فقدت 6 نساء حياتهن، سابقاً في الدار بسبب مضاعفات مرض الفشل الكلوي.
وأضافت "النساء هنا يعانين من ضغوط نفسية نتيجة بعدهن عن أبنائهن وعائلاتهن بسبب قطع الطرق الرئيسية وصعوبة وصولهن إليهم، لذا فنحن نحاول أن نخفف عنهن هذه المعاناة ونوفر لهن مدرسات محو الأمية حتى يجتزن هذه المعاناة".
حوادث
وبلغ عدد المرضى المصابين بالفشل الكلوي المسجلين في مكتب الصحة بمدينة تعز أكثر من 400 مصاب يهددهم الموت بسبب تأثير الحرب على القطاع الصحي، حيث يحصل كل مريض على جلستان في الأسبوع بواقع ساعتين لكل جلسة، بينما المقرر لهم ثلاث جلسات في الأسبوع بواقع أربع ساعات في الجلسة الواحدة، كما أدى انقطاع الطرق الرئيسية إلى زيادة معاناة المدنيين وخصوصاً المرضى، وأدت الطرق البديلة في مدينة تعز لوقوع حوادث متكررة وسقوط العديد من الضحايا.
وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن واحد من كل 4 مرضى يموتون بسبب ضعف الرعاية الصحية في اليمن، ونصف الوقت هو ما يمكن لمرضى الفشل الكلوي الحصول عليه على جهاز غسيل الكلى، ونصف المراكز الصحية مغلقة جراء الصراع المستمر في اليمن .