انفتاح ملفت على عمل المرأة في المجال الطبي
ظهر دور المرأة الهام في المجال الطبي والإسعافي منذ بداية الحرب في سوريا، بعد خلو المشافي من الكوادر الطبية من أطباء وصيادلة وممرضين الذين نزح معظمهم إلى خارج البلاد في الوقت الذي كانت فيه المنطقة بأمس الحاجة إليهم
سهير الإدلبي
إدلب ـ ، وهو ما دفع بأعداد من النساء المتطوعات لسد الفراغ الطبي الذي حدث، فأسهمن بتشكيل نقاط طبية ومشافي ميدانية وصيدليات وعملن بها.
لم تتوقع ريمة دعبول أن تجد نفسها تعمل في المجال الطبي يوماً ما، فقد كانت تحلم أن تكون محامية، غير أن الأقدار ساقتها لجانب آخر.
اتجهت ريمة دعبول (٢٨عاماً) بعد حصولها على الشهادة الثانوية، لاكتساب الخبرات والمهارات الطبية من خلال الالتحاق بتدريبات وورشات الإسعاف الداخلي والخارجي والعلاج الفيزيائي والمخابر، التي أقامتها المنظمات الطبية العاملة في المنطقة لاستقطاب الراغبين والراغبات في العمل الطبي.
تقول ريمة دعبول "في السابق لم أكن أقوى على رؤية الإصابات والدماء، ولكن وبعد مشاهدتي اليومية للعنف والقصف الممارس على المدنيين تغير الحال، فقررت دخول المجال الطبي وخاصة بعد ما لاحظته من حاجة كبيرة للكوادر الطبية، وزيادة أعداد المصابين والجرحى والمرضى في المشافي والمراكز الطبية".
بينما لمريم الراعي (٢٥عاماً)، قصة ترويها لنا حول انضمامها للعمل الطبي. فوفاة أخيها أمام عينيها جراء قلة المسعفين دفعها لخوض غمار هذه المهنة، فجهدت للحصول على أعلى الدرجات في الثانوية العامة ودخلت فرع الطب البشري.
وعن تجربتها تقول إنه وبتاريخ الـ 8 من تشرين الثاني/نوفمبر 2018، قصف الطيران الحربي التابع للنظام السوق الشعبي في مدينتها معرة النعمان، أسفر عن مجزرة مروعة راح ضحيتها عشرة اشخاص وعشرات الجرحى، كان أخيها وائل ذو العشرين عاماً بين أعداد المصابين ذوي الحالات الحرجة، لم تكن المشافي تضم الأعداد الكافية من الأطباء والمسعفين، وهو ما كان يحول دون إنقاذ حياة كافة المصابين في الوقت المناسب والسرعة القصوى، ففي حين يتم إسعاف ثلاثة مصابين سيكون هنالك مصاب رابع يترك ليلقى مصيره نتيجة تباطؤ علاجه "كان أخي بين الذين لم يساعدهم الحظ بالعناية الطبية السريعة ما أدى لوفاته بعد نزفه الشديد".
مريم الراعي اليوم في السنة الثالثة بقسم الطب البشري في جامعة إدلب، وهي رغم قضاء معظم وقتها في الدراسة تعمل وبشكل تطوعي في عدد من المشافي والنقاط الطبية في إدلب والشمال السوري، تقول مريم "مجالي الآن يقتصر على الإسعاف والخدمات التمريضية وخاصة فيما يتعلق بالنساء، ففي كثير من الحالات تكون المريضات في وضع لا يسمح بوجود المسعفين أو الممرضين الذكور".
ورغم العمل التطوعي وعدد ساعات العمل الطويلة والشاقة وصعوبة التوفيق بين العمل والدراسة، تشعر مريم الراعي بالرضى والسعادة كونها تسهم ولو بشكل بسيط بخدمة أهالي بلدها المنكوبين وفق تعبيرها.
من جهتها ترى الطبيبة النسائية عائشة محمد (٤٦عاماً) التي حدثتنا بسرعة وبنفس متقطع ما يدل على التعب الذي تكابده طوال اليوم، أن حركة صغيرة على شاشة الإيكو كفيلة بمنحها دافعاً لتستمر في العمل حاملة على عاتقها مسؤوليات المهنة والعائلة في آن واحد، فتقول "نحن مسؤولات عن أرواح لا مجال للتقاعس أو الخطأ في عملنا وهو ما يزيد الضغوطات علينا، إنه واجب مهني يفترض أن يؤدى على أكمل وجه".
وهو ما توافقها عليه القابلة القانونية الوحيدة في مخيم قاح للاجئين في إدلب سلام الحمادي (٣٦عاماً)، والتي درست التوليد منذ بداية الثورة السورية، وبدأت تعمل كقابلة فور وصولها إلى مخيم قاح، فتساعد النساء اللواتي يلدن في المخيم لبعده عن المشافي.
تقول سلام الحمادي "يقلقني وضع الحوامل في المخيمات فهن لا يحظين بأي عناية أو اهتمام خاص، ومعظمهن لا يزرن أطباء اخصائي نسائية أثناء فترة الحمل جراء بعد المشافي والعيادات التخصصية عن المخيمات من جهة، وغلاء كشفيات الأطباء من جهة أخرى"، ومن هنا تقوم سلام بواجبها اتجاه هؤلاء النساء بعد افتتاحها عيادة خاصة في المخيم تقدم فيها خدمات الفحص والمتابعة والتوليد وفق المستطاع وبأجور رمزية على حد وصفها.
بدأ عمل المرأة في المجال الطبي منذ بدايات الثورة السورية على نطاق ضيق وتحديداً بين عامي (2014 ـ 2015)، ثم أخذ بالازدياد بشكل مضطرد فتضاعف عدد العاملات في المجالات الطبية المتنوعة سواءً كن طبيبات أو ممرضات أو عاملات صحة مجتمعية أو عاملات تغذية أو دعم نفسي.
رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة الطبيب عبد الكريم ياسين، يبين أن دور المرأة في المجال الطبي لا يقل عن دور الرجل، ففي الناحية التمريضية استطاعت معظم العاملات في هذا المجال النجاح والتقدم في كافة الأعمال الموكلة إليهن على أكمل وجه، وكذلك فيما يتعلق بقطاع التغذية من خلال مراقبة حالات سوء التغذية لدى الأطفال والأمهات الحوامل، مشيراً إلى دورهن الأهم بدخول مجال الدعم النفسي الذي كن فيه أكثر قدرة من الرجال في التعامل مع النساء النازحات والاستماع إلى مشاكلهن أثناء النزوح وفي المخيمات وتقديم العلاج والنصائح والحلول المتوفرة.