عاملات الزراعة في مصر قصص تروى بين الحقول والمقابر
واقع عاملات الزراعة محفوف بالمخاطر من مختلف الاتجاهات سواء في وسائل النقل غير الآمنة أو الطرقات غير الممهدة وكذلك طبيعة الأراضي الزراعية وما يحدث بها من انتهاكات متعددة.

أسماء فتحي
القاهرة ـ في صباح يوم هادئ اكتست قرية "كفر السنابس" بالسواد بعد فقدانها 18 فتاة في ريعان الشباب بحادث على الطريق الإقليمي أثناء ذهابهم للعمل بإحدى مزارع العنب.
الكارثة التي حدثت في صباح يوم الجمعة 27 حزيران/يونيو الماضي، والتي اصطدم فيها ميكروباص صغير يقل العاملات الزراعيات بشاحنة نقل ثقيل على الطريق الإقليمي، وأسفرت عن مصرع 18 فتاة والسائق، وإصابة ثلاث أخريات، ليست الأولى من نوعها ولكن هذا النوع متكرر على فترات مختلفة.
وعاملات الزراعة في مصر غالباً ما يكنّ من المراهقات والنساء الفقيرات، اللواتي تعملن في ظروف شاقة مقابل أجور يومية زهيدة ولا يتمتعن بأي نوع من الحماية القانونية، حيث لا يشملهن التأمين الصحي أو التأمين ضد إصابات العمل، ولا تحصلن على الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة، فضلاً عن كون التنقل إلى مواقع العمل يتم غالباً عبر سيارات متهالكة، بدون أي إجراءات سلامة أو رقابة.
العمل الزراعي محفوف بالمخاطر والتحديات
قالت الباحثة رقية طاهر، وهي من سكان البحيرة، إن العاملات في القطاع الزراعي تعانين من أزمات مركبة في مقدمتها الخطورة التي قد تترتب على تواجدهن في هذا العمل لكون حقوق الأفراد غير مشمولة بمظلة حماية رغم الحاجة الشديدة لذلك، لافتةً إلى أن الطرق غير آمنة خاصة أن النساء تخرجن في الصباح الباكر وتعدن في وقت متأخر، فضلاً عن كون الطرق غير آمنة كما هو الحال في الطريق الإقليمي الذي حدثت به الكارثة الأخيرة الذي راح ضحيته 18 فتاة.
وأضافت أن العمل في الأرض الزراعية ذاته محفوف بالمخاطر فقد يكون هناك جني للثمار بأراضي تحتوي على أشجار كثيفة تتعرض بها الفتيات لحوادث اغتصاب وانتهاكات بالجملة، معتبرةً أن الكارثة الأخيرة ليست الأولى من نوعها ولكن كل عام تتعرض المئات والآلاف أحياناً من ضحايا العمل الزراعي سواء في الطرق أو العمل لتلك الحوادث، لافتة إلى أن البعض يعمل في رش المبيدات وهو ما يعرضهن كذلك لخطر محقق.
وأوضحت أن معظم العمالة الزراعية من النساء لكونها "رخيصة" بنسبة قد تصل لـ 50% مقارنة بالذكور لذلك فعددهم أكثر كونه موفر لأصحاب المزارع، مشيرةً إلى أن المخاطر تتعلق كذلك بعدم توافر مستشفى قريبة، فضلاً عن عدم توافر حمامات، كما أنها قد لا تجد مكان لتبديل ملابسها كونها عادة من تصطحب معها ملابس أخرى للعمل ثم تبدلها عند العودة وهذا الأمر يعرضها لانتهاكات متعددة.
يوم في حياة المرأة الريفية
كشفت رقية طاهر، أن المرأة الريفية التي تعمل في الزراعة تعمل ضعف الرجل فهي تستيقظ فجراً للقيام بأعمال المنزل قبل استيقاظ باقي أفراد أسرتها لإطعام الطيور وصناعة منتجات الألبان ثم تقوم بتحضير الفطور، ويلي ذلك خروجها للأراضي الزراعية لتعمل مع زوجها حتى الظهر وتعود في فترة استراحة من الظهر إلى العصر ورغم أن الزوج ينعم بها، إلا أن المرأة عادة ما تكمل مهامها في أعباء المنزل وتحضير الغداء وإطعام الطيور.
وأضافت أن المرأة تعود للأرض بعد انتهاء وقت الاستراحة التي لم تنعم بها لتعمل في الأرض حتى الغروب والعودة بماشيتها برفقة زوجها لمواصلة أعباء منزلها والعمل على منتجات الألبان وتحضير العشاء وغيرها من المهام التي تستمر حتى ينام جميع أفراد منزلها وكل ذلك بدون أجر فتصبح تقوم بمهام منزلها ودورها الرعائي بجانب العمل.
العمالة الزراعية والقانون
قالت المحامية هيام الجنايني، إن هناك عدد من الفتيات دون السن القانوني للعمل من الأساس وهو أمر مخالف وينال من حقوقهن ومنهن اثنتان لقيتا مصرعهما ضمن الـ 18 فتاة اللواتي رحن ضحية العمل في المنوفية مؤخراً.
وأضافت أن قانون العمل الجديد احتوى على ذكر واضح لعمالة الزراعة بعدما كانت تلك الفئة لسنوات طويلة خارج المظلة التشريعية كاملة فلا يتم التأمين عليهم ولا يتمتعون بأية حقوق فردية أو جماعية، لافتة إلى أنه بموجب القانون الجديد سيكون لهم بعض الحقوق الخاصة بهم، إلا أن الأمر مازال يحتاج لكثير من التفسيرات والإجراءات التنفيذية.
ومن واقع حياتها في محافظة ريفية لفترة طويلة أكدت هيام الجنايني، أنها التقت بعاملات زراعة وأخريات تعملن في المقاولات والمباني، كاشفة أن أسوأ ما في الأمر أنهن لا يستطعن المطالبة بحقوقهن كونهن الأضعف والأرخص أجراً في سوق العمل، وهو تحدي يجعل الكثيرات يستسلمن لما يمارس عليهن من انتهاكات خاصة أن سبل التقاضي باتت صعبة ومعقدة للغاية.
واعتبرت أن الحفاظ على حقوق العاملات يتطلب قاعدة بيانات ومن يقوموا بدور "المقاول" عادة ما يتعمدوا إخفاء البيانات كونهم يبحثون عادة عن العمالة الأقل سعراً وكذلك الأعمار الأقل، مبينة أن تعداد حمولة الميكروباص أكبر دليل فبدلاً من 14 شخص باتت الحمولة 23 وهناك من يقوموا بنقل الفتيات في سيارات نقل على طرق غير ممهدة بشكل لا يمت للأمان بأي صلة.
وفيما يتعلق بالنساء اللواتي تعملن بأجر لدى شخص آخر فهي تستيقظ أيضاً فجراً لكون عدد كبير منهن يتنقل لمسافات بعيدة قد تصل لـ 5 ساعات يومياً على الطرق، وهن تعملن ليوم كامل وسط مخاطر سواء في الطريق الغير آمن أو في مكان العمل الذي لا يناسب النساء.
والجدير بالذكر أنه خلال نيسان/أبريل الماضي، وقع حادثين في المنيا راح ضحيتهما 10 عاملات، وفي كانون الأول/ديسمبر 2023 سبقتها إصابة 14 عاملة في انقلاب سيارة، وفي أيلول/سبتمبر 2024 كانت هناك حوادث متفرقة ببني مزار والفيوم أصيب فيها عاملات وأطفال، وخلال عام 2016 فقط قُتل 79 عاملاً زراعياً وأصيب 190 وفقاً لمركز الأرض، وجميع ذلك يعكس نمط واحد يتمثل في كون وسائل نقل غير آمنة، أطفال وفتيات يعملن دون حماية، وغياب الرقابة.
وعقب الحادثة الأخيرة انطلقت عدد من الدعوات النسوية التي تطالب بتفعيل قانون العمل الجديد ليشمل العاملات الزراعيات، وإنشاء منظومة نقل زراعي آمنة تحت رقابة الحكومة، ومنع تشغيل الأطفال دون السن القانوني وتطبيق العقوبات، فضلاً عن توفير دعم اقتصادي للأسر الريفية للحد من الفقر، بالإضافة إلى دمج المؤسسات النسوية في صياغة السياسات الزراعية.
وأخيراً "فتيات المنوفية" لسن مجرد ضحايا لحادث سير، بل ضحايا لنظام عمل لا يعترف بهن، وسلطة تتغاضى عن سلامتهن، ومجتمع اعتاد أن يرى أجساد الفقيرات على الأسفلت دون أن يغضب.