أمل حبيب توثق يوميات الإبادة عبر مقاطع مرئية
توثق أمل حبيب التي تعيش في قطاع غزة، تفاصيل حياتها كمواطنة لا تزال على قيد الحياة طالما أخطأتها الغارات التي تستهدف القطاع.
رفيف اسليم
غزة ـ مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة لا تمتلك النساء الفلسطينيات حل سوى الثبات على أرضهن والتشبث بكل ذرة رمال متبقية، وهذا ما أكدت عليه أمل حبيب، خلال ما تنشره من مقاطع مرئية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مخاطبة العالم بلغة بسيطة.
قالت أمل حبيب، إنها عايشت وأطفالها الستة أبشع حرب إبادة شهدها التاريخ الحديث، فكان من واجبها توثيق تلك التفاصيل التي لربما لا تصلها الكلمات، فعندما تكتب عبر يومياتها عن الخوف، والرعب، والتهجير قد لا تصل الرسالة، لكن توثيق مشهد لامرأة وهي تمشي هائمة على وجهها لا تدري أين تذهب حاملة على أكتافها حقائب أثقل من وزنها وتجر باليد الأخرى طفلها الذي لم يتوقف عن البكاء قد تكون الصورة أوضح.
وعملت أمل حبيب، كصحفية قبل الهجوم على قطاع غزة، لكنها توقفت كما توقف جميع صحفي المدينة عندما اشتد الحصار ومنعت أي وسيلة اتصال بينهم وبين العالم الخارجي، مشيرة إلى أنها في تلك الفترة لم تتوقف عن توثيق معاناتها وآلام جميع من حولها من خلال الكتابة والصورة الفوتوغرافية والمقاطع المرئية، لتعيد نشرها لاحقاً تحت وسم تفاصيل عبر صفحتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولفتت إلى أنها ابنة غزة "البارة لها"، لذلك دافعت عنها بالوسائل التي تمتلكها، مبينةً أن أول فيديو نشرته كان لابنها عندما وجدت بطارية سماعته تحت ركام منزلها في حي الشجاعية، فرصدت أول مرة يسمع بها طفلها بعد أربعة أشهر متواصلة ليحصل المقطع على ملايين المشاهدات، وتسلط الضوء على معاناة الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وبالتحديد فاقدي السمع في المدينة المنكوبة.
واستهانت أمل حبيب بالبداية بأثر ما تفعله حول جدوى تلك المقاطع في توثيق الأحداث ونقل الرسالة، لكن ما إن بدأت بحصد آلاف المتابعين الجدد حتى أصبحت أكثر حذراً بالتركيز على الموضوعات التي تستحق تسليط الضوء عليها كالمجاعة، والنزوح، والحصار والتشريد والقتل، والفقد والحزن، والمشكلات الطبية التي وثقت بعض منها من خلال فيديو لطفل أسند أباه ظهره على جذع شجرة وعلق المحلول على أحد أغصانها لعدم وجود أسرّة شاغرة بالمشفى.
وقد تحدثت عن المجاعة التي عاشها سكان الشمال، معتذرة في منشور لها لـ "الدواب التي التهم المواطنين حصتها من الشعير"، خلال فترة المجاعة الأولى ومنع ادخال الطحين، كما أنها سلطت الضوء على الشبان الذي قضوا نحبهم في مجازر دواري الكويت والنابلسي من أجل بعض المعلبات ليطعموا عائلاتهم فكان من ضمنهم ابن عمها ذو التسعة عشر عام والكثير من أقاربها.
وتساءل أطفال أمل حبيب، عندما يشاهدوا الخضروات أول مرة بعد انقطاع دام أشهر "أمي ماذا تسمى هذه"، خاصة أنهم نسوا أسمائها فأخذت تعدد لهم وتخبرهم ليباغتوها بسؤال آخر وهو هل كانوا يأكلونها قبل الحرب أم لا، مضيفة أن الصغير ذو الثلاثة أعوام كان يقلب الدجاجة المذبوحة التي حصلت والدته عليها كمساعدة غذائية متعجب هل ستطير أم لا، كونه غير مدرك ماهيتها.
وذكرت أنها قابلت نساء عشنّ حرب النكبة عام 1948، وقد أكدن أن الحرب الدائرة هي الأصعب على الإطلاق ففي ذلك الوقت لم يجعن، لم ينزحن عشرات المرات، لم تقصف البيوت فوق رؤوسهن، لم تلقى الصواريخ وسط الخيام، لم يشعرن بالفقد الذي يعشنه في كل يوم، مردفه أنها شعرت بالبرد عندما قصف منزلها الذي يضم ضحكات أطفالها وعثراتهم الأولى ودفئ عائلتها.
وتصطحب أمل حبيب، أطفالها لتزور ركام بيتها، فتتنقل معهم بين الركام ليسترجعوا ذكرياتهم الجميلة التي لم يستطيع الهجوم سرقتها ومحوها، لافتة إلى أن جميع شائعات التهجير التي تبث لن تنال من عزيمتها طالما أن الموت يلاحق سكان غزة أينما ذهبوا حتى في المناطق التي ادعت إسرائيل أنها آمنة، مفضلة الموت في أرضها.
وشبهت المرأة الفلسطينية بالوقت الحالي بمدينة غزة المنكوبة التي هدمت جميع بيوتها وأصبحت عبارة عن ركام، والمرأة ذات الشيء هدم كل ما هو جميل داخلها وأصبحت تعيش على ركام الفرح والطمأنينة والسعادة، لا وقت لديها بأن تحزن على شيء فالطيران يضرب، المدفعية تضرب، وعليها المحافظة على سلامتها النفسية وسط ذلك العبث.
وأردفت أن تشتيت العائلات بين الشمال والجنوب هو قضية جوهرية سلطت الضوء عليها عبر المقاطع المرئية التي تنشرها، فالكثير من الأمهات لم يلتقين ببناتهن منذ عام، والعديد من الأطفال أصبحوا لا يعرفون أفراد عائلاتهم سوى من خلال الصور بسبب الفصل الإجباري بقوة السلاح الذي تفرضه القوات الإسرائيلية على سكان مدينة غزة.
وتحظى مقاطع الفيديو المرئية الخاصة بأمل حبيب، صدى واسع ومحبب لدى بلدان مختلفة، خاصة أنها تنقل رسائل لنساء ربما لا يستطعن نقل حكاياتهن أو التعامل مع مواقع التواصل، موجهة رسالتها لنساء العالم الأحرار أن يدعمنها ويواصلن المحاولة من أجل استراد الحق الفلسطيني ونصرة الأطفال في ظل استمرار حرب الإبادة.