أماً وأباً في آن واحد... النساء في غزة تواجهن معركة مزدوجة

تعيش المرأة الفلسطينية تحت وطأة الحصار والقصف، مضطرة لتحمل أعباء الحياة وحدها، فتؤدي دور الأم والأب معاً وتواجه تحديات يومية للبقاء والصمود في وجه الظروف القاسية.

نغم كراجة

غزة ـ في قلب قطاع غزة المشتعلة، تقف غادة حجازي شاهدة على ويلات الحرب التي اجتاحت كل زاوية في حياتها، تماماً كما اجتاحت حياة آلاف النساء اللواتي وجدن أنفسهن في دائرة المعاناة والتشرد المستمر، ونزحت أكثر من سبع مرات داخل الدائرة الجغرافية نفسها وكانت تلاحقها صواريخ الغارات الإسرائيلية في كل خطوة.

تؤدي غادة حجازي التي تحمل على عاتقها مسؤولية خمسة أطفال، دور الأم والأب معاً منذ أن فقدت زوجها قبل عام. كان الزوج قد توجه إلى جنوب قطاع غزة لاستلام مساعدات إغاثية، إلا أن الحواجز العسكرية الإسرائيلية أعاقت عودته، ومنذ ذلك الحين تحملت الأم مسؤولية توفير قوت يومهم في ظل غياب أي مصدر دخل، وتقول "حتى المساعدات الإغاثية لم تكن تصل إلينا بشكل مستمر ما دفعني إلى اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر، حيث اتجهت إلى الأراضي الواقعة على الخط الشرقي لجمع الحشائش البرية".

وأصبحت تلك الحشائش الخضراء، التي كانت تعتبر طعاماً أساسياً لسكان شمال غزة في ظل الحصار والمجاعة، مشروعها الصغير وسط انعدام المواد الغذائية وارتفاع أسعارها حيث كانت تطهو هذه الحشائش وتبيعها بأسعار تتناسب مع الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعصف بالجميع، فالمشهد ليس فقط مشهداً لمعاناة يومية، بل هو لوحة صمود رغم القسوة "كنت أغادر المأوى المؤقت تحت قصف الطائرات لأجمع الحطب وأبدأ بالطهي وأبيع الوجبات في صحون بلاستيكية أمام خيمتي في مركز الإيواء".

ومع هذا الكم من المسؤوليات، زاد العبء عليها بعد أن قتل زوج ابنتها التي لم تكمل العشرين من عمرها بعد في غارة إسرائيلية تاركاً خلفه طفلاً رضيعاً لا يتجاوز عمره سبعة أشهر "الآن أتحمل عبء رعاية ابنتي وطفلها وسط ظروف معيشية بائسة، حيث نفتقر إلى أبسط مقومات الحياة حتى كأس الماء نحصل عليه بمعاناة فائقة"، على حد تعبيرها.

وأضافت "إن الوضع في شمال غزة ازداد سوءاً مع تصاعد الهجمات الإسرائيلية، فالحياة هناك باتت أشبه بالمستحيلة مع استمرار القصف وفقدان الغذاء وانقطاع الكهرباء والماء، وأضحت كل محاولة للبقاء على قيد الحياة معركة يومية ضد الحصار".

ولا تزال غادة حجازي تجمع الحشائش رغم المخاطر المحيطة بها، وتقول "أعلم أن هذا العمل محفوف بالموت، لكن الحاجة دفعتني للمخاطرة، وليس لدينا خيار آخر. يجب أن أكون قوية من أجل أطفالي".

وتقف غادة حجازي وسط هذا الكابوس، بمثابة رمز للنساء الفلسطينيات اللواتي تتحملن أعباء الحياة تحت وطأة الحصار والقصف، ويجدن البحث عن الأمل في زوايا مظلمة، فيصنعن من اللاشيء حياة رغم كل التحديات والمخاطر.

وتستمد من صمودها في وجه الحرب قوة مضاعفة، إذ ترى أن ما تقوم به ليس مجرد كفاح للبقاء، بل هو رسالة للعالم بأن الحياة في غزة تستمر رغم كل محاولات القتل والتدمير، فإن حياتها تمثل قصة نضال في سبيل البقاء، وحفاظها على أسرتها يمثل صورة مصغرة لصمود الشعب الفلسطيني.

وعن أحلامها المستقبلية، تقول "كل ما أحلم به هو أن أرى أطفالي يعيشون بأمان، وأن نعود إلى بيتنا المدمر لنرمم زاوية صغيرة على أنقاضها نعيش بها"، في كلماتها القليلة تختصر غادة حجازي حلم شعب بأكمله وهو الأمان، والعودة، والحياة بكرامة.

النساء الفلسطينيات هن عمود البيت الذي لا ينكسر، تتحدين الصعاب اليومية من أجل بناء مستقبل أفضل لأبنائهن، وتزرعن فيهم قيم الصمود والعزيمة حتى في أحلك الظروف، وتثبتن أن الحب والرعاية أقوى من معوقات الحرب.