عام على الزلزال... معاناة ناجيات في إدلب

لم يرحم الزلزال كبيراً ولا صغيراً، حيث انقلبت الحياة بعده رأساً على عقب، ومع مرور الذكرى السنوية الأولى تتجدد معاناة نساء فقدن أحباءهن وعشن مرارة الفقدان والوحدة، ولا زلن تكافحن للوصول إلى الخدمات الحيوية وتسعين للبقاء رغم التحديات.

لينا الخطيب

إدلب ـ ساعات من الرعب شهدتها مدينة إدلب مُنذ عام، بعد أن ضرب زلزال بلغت قوته 7.7 درجة على مقياس ريختر تركيا وشمال سوريا، والذي خلف آلاف القتلى والجرحى.

"منذ تلك اللحظة لم تعد الحياة كما كانت في السابق" تعبر مرح الأحمد 29 عاماً من مدينة أرمناز شمالي إدلب عن حزنها بعد أن فقدت أمها وأخوتها بالزلزال المدمر "لم أتعافى حتى الآن من الحزن والضغط النفسي بعد أن فقدت أهلي إثر انهيار المنزل، قبل أن يتسنى لهم الخروج منه".

وبينت أنها نجت من الموت بأعجوبة، لكنها تعرضت لإصابة بالغة في قدمها اليمنى إثر بقائها تحت الأنقاض لأكثر من 10 ساعات، ولا تزال حتى اليوم تعاني من الأوجاع، دون أن تتمكن من السير عليها بشكل جيد.

يبدو الخوف والتوتر واضحاً على وجه سهيلة البدوي 33 عاماً من مدينة حارم وهي تتذكر يوم الزلزال الذي فقدت فيه زوجها واثنين من أطفالها، كما فقدت منزلها، مؤكدةً أنها تعيش اليوم في أحد المخيمات، وعن ذلك تقول "أعيش اليوم مع أطفالي الثلاثة في مخيم عشوائي، وما يزال أولادي يتحدثون عن وفاة والدهم وأخوتهم كما لو كان ذلك يحدث الآن، عندما أسمعهم لا أتمكن من حبس دموعي"، موضحةً أن "الحياة بالمخيمات قاسية، لا أمان فيها ولا راحة، فالبرد يدخل إلى الخيام من جميع الاتجاهات، كما تنتشر الأمراض والأوبئة، أما الخصوصية فهي غير موجودة بالطبع".

وأشارت إلى أن سوء أوضاعها الاقتصادية بعد فقدان المعيل تسبب في حرمان أولادها من التعليم، والتوجه نحو العمل، حيث لم يعد بمقدورها تأمين رسوم التسجيل وثمن الكتب والقرطاسية لهم.

محاسن الخلوف 41 عاماً نازحة من مدينة سراقب إلى مدينة سلقين، فهي أفضل حظاً من سابقاتها باعتبارها لم تفقد عزيزاً، لكن التأثير النفسي على أطفالها هائل، بحسب تعبيرها فهم يصرخون "زلزال" بين الحين والآخر، حين يشعرون بالهزات الارتدادية، وعن ذلك تقول "يسيطر الخوف على قلوبنا حتى اليوم من هول ما حدث، ويعاني أطفالي الثلاثة من آثار صدمة واضحة، فشهيتهم للطعام قليلة، ويشكو ابني الصغير البالغ من العمر خمس أعوام من أرق دائم وآلام في المعدة رغم تأكيد الطبيب عدم إصابته بأي مرض".

من جهتها أوضحت المرشدة الاجتماعية فاطمة الحمزة 40 عاماً من مدينة سرمدا شمالي إدلب أثر الزلزال على نساء إدلب "لا تزال الكثير من النساء فاقدات المعيل تعشن أوضاعاً صعبة، وتكافحن من أجل تغطية نفقاتهن وسط ارتفاع الأسعار والفقر"، لافتةً إلى أن المئات من النساء والفتيات في إدلب تعشن في أماكن مكتظة، مع محدودية الوصول إلى خدمات الصحة الإنجابية والحماية وقلة الخصوصية، مع زيادة نسبة العنف القائم على النوع الاجتماعي، والاستغلال وسوء المعاملة، والزواج المبكر والقسري للأطفال.

وبينت أن الزلزال أدى إلى تفاقم الفقر، وتدمير المنازل وأنظمة الكهرباء والمياه، وأجبر العديد من الأسر على الانتقال للسكن في مخيمات، مشيرة إلى أن أطفال إدلب عانوا رعباً يفوق الوصف، حيث دمر الزلزال المدارس وأماكن لعب الأطفال، وحطم أي شعور بالأمان لدى الكثير من الأطفال والنساء والعائلات الأكثر هشاشة.

وتجدر الإشارة إلى أن الزلزال تسبب بوفاة 4.540 شخصاً في مناطق الشمال السوري، وكان ثلث القتلى من الأطفال والنساء، فيما بلغ عدد الذين تشرّدوا من منازلهم بسبب الزلزال 86.000 شخصاً، وتعرّض ما لا يقل عن خمسة وخمسين مرفقاً صحياً، و599 مدرسة للضرر أو الدمار.