"أم أكشن" مشروع لتمكين الأمهات لمنع العنف لدى الشباب المغربي

تصادف بعض الأمهات في المغرب نزعة من العنف لدى أبنائهن المراهقين، فقد يتعارك الإخوة فيما بينهم، وقد يمارس أحدهم العنف ضد أصدقائه

حنان حارت

المغرب - تصادف بعض الأمهات في المغرب نزعة من العنف لدى أبنائهن المراهقين، فقد يتعارك الإخوة فيما بينهم، وقد يمارس أحدهم العنف ضد أصدقائه، وأحياناً قد يقوم الابن بالصراخ على والديه، وقد يكسر ما يجد أمامه فقط لأنه غاضب.  

أمام هذا الوضع تجد الأم نفسها أمام حيرة كبيرة، فكيف تتعامل مع هذه السلوكيات التي تصدر عن أحد أبنائها، فهل تعالجها وتواجهها أيضاً بالعنف أم ماذا؟

 

مشروع "أم أكشن"

لم تكن تعرف فاطمة الملهوط، وهي عاملة في شركة خاصة للنسيج وعضو جمعية آباء وأولياء التلاميذ، (أم لأربعة أطفال)، كيف تتعامل مع أبنائها، أو كيف تواجه حالات الغضب التي تصدر عنهم، لكن بفضل خضوعها لدورات تكوينية في إطار مشروع "أم أكشن" باتت على دراية بكيفية التعامل مع أبنائها، وحل كل المشاكل التي تصادفها معهم.

تقول "بعد طلاقي مررت بتجربة اكتئاب حادة، جعلتني أدخل في دوامة مغلقة، لكني استطعت الخروج منها بعد معاناة طويلة، خرجت من تلك الدائرة وبدأت أتساءل: كيف يمكنني ملء حياتي حتى لا أسقط في الفراغ؟

وتضيف "البحث قادني للتعرف على مشروع 'أم أكشن'؛ حيث كنت بحاجة معرفة كيف يمكنني التعامل مع أي مشكلة قد تؤثر على علاقتي بأبنائي، خاصةً وأني أصبحت ألعب دور الأب والأم". مبينةً أن "خضوعي لدورات تكوينية في إطار مشروع أم أكشن، جعلني أعيد بناء علاقتي بأبنائي، وألا أعالج العنف بالعنف. وصرت على دراية أنه في حال حدوث أي مشكلة مع أطفالي أعالجها بحكمة وعدل، والأهم من ذلك هو طرح المشكلة للنقاش والبحث عن حلول بعيداً عن العنف".

وتؤكد أنه "قبلاً لم أكن على دراية بدوري الحاسم في منع العنف ومكافحته، كما أنا عليه اليوم، لكني تمكنت بفضل ما تعلمته، من بناء علاقة جيدة مع أبنائي، ومعالجة الأمور بشكل بسيط من دون عنف ولا صراخ".

 

إشراك الأمهات

يسعى مشروع 'أم أكشن' الذي أطلقه مركز 'النور ديك لتحويل النزاعات' في المغرب، إلى إشراك الأمهات وتلقينهن الآليات التي تجعلهن قادرات وفاعلات في المجتمع، من أجل منع العنف لدى الشباب المغربي.

وتقول فاطمة الزهراء بنوغازي، مديرة برامج مركز النور ديك لتحويل النزاعات، "العنف بكل صوره، أضحى ظاهرة عامة بين فئة الشباب"، مشيرة إلى أن هذا العنف يأخذ عدة مظاهر، ينطبع بها السلوك الشبابي العنيف.

وعن أهدف برنامج "أم أكشن"، تؤكد أن المشروع يهدف إلى تعزيز الدور الفعال للأمهات، لمنع العنف لدى الشباب بالمغرب، بحيث يتم تنزيله على أرض الواقع، بمساهمة ومواكبة من فعاليات المجتمع المدني، وتدعمه وزارة الشؤون الخارجية لمملكة هولندا، مؤكدةً أن المشروع يهدف إلى تعزيز القدرات العملية للأمهات في أربع مدن مغربية وهي "طنجة وتطوان ومكناس وفاس"، للعمل بشكل بناء على تعزيز الصمود لمكافحة ونبذ العنف لدى أطفالهن، وتمكينهن من أدوات وإمكانيات ذاتية كفيلة بمساعدة الشباب على نبذ العنف.

وأشارت إلى أن البرنامج يرمي أيضاً إلى فتح قنوات التواصل، وتبادل الخبرات بين المدن الأربعة، آخذاً بعين الاعتبار خصوصيات كل مدينة على حدة، إضافةً إلى طرح طرق جديدة في مجال الوقاية من العنف لدى الشباب، والتي تقودها مكونات المجتمعات المحلية في إطار مقاربة تشاركية بين مكونات المجتمع المدني والمؤسسات والسلطات المحلية والمجالس المحلية المنتخبة.

 

النساء في وضعية هشة

وعن كيف يتم اختيار النساء المستفيدات من المشروع، أوضحت مديرة برامج مركز النور ديك لتحويل النزاعات، أن الأمهات المعنيات بهذا البرنامج هن النساء في وضعية هشة، ولديهن أطفال في مرحلة المراهقة، ولديهن كذلك صعوبة في التعامل مع أبنائهن الذين لديهم نزعة من العنف.  

وبينت أن المشروع في مرحلته الثانية، التي ستمتد على مدى سنتين، حيث سيحاول البرنامج جعل  دور الأمهات فاعل سواء داخل الأسر أو المجتمع، والاستفادة من حدسهن الكبير في رصد علامات العنف لدى الأبناء، ولفتت إلى أنه سيتم استئناف الدورات التكوينية لفائدة الأمهات في عدة مجالات بعد عيد الفطر؛ حتى يصبحن قادرات على محاربة العنف لدى الشباب، وأن من أهداف البرنامج كذلك هو جعل الأمهات فاعلات في المجتمع، بحيث لا يقتصر دورهن على تلقي المعلومات وتطبيقات في محيطهن الأسري مع أبنائهن فقط، وإنما التواصل مع باقي الأمهات وسط الأحياء واللواتي لم تسعفهن الظروف للاستفادة من الدورات التكوينية، ونقل المعلومات إليهن وتلقينهن طرق التعامل مع الشباب العنيف. 

وأوضحت أن ملاحظة الميول للعنف بشكل مبكر تمكن من تقويم سلوك الأبناء، مشيرةً إلى أن التركيز على الأمهات يأتي لكون تربية الأطفال مسؤولية الأمهات بالدرجة الأولى.

وأشارت فاطمة الزهراء بنوغازي إلى أن ميزة البرنامج، الذي انطلقت مرحلته الأولى في مدينة طنجة شمال المغرب سنة 2020، تكمن في كونه تشاركي مع المجتمع المدني والسلطات المحلية، والأكاديميين، والمهتمين بدور المرأة في الوقاية من العنف بصفة عامة، مبينةً أن لوقاية الشباب من السقوط في العنف يتعين التركيز في العمل على تمكين النساء، ودعم صمود العائلة داخل المجتمع، نظراً للدور المحوري الذي تلعبه الأم داخل العائلة.

 

حلول لعلاج العنف

ومن أجل علاج النزعة العدوانية لدى الشباب، أكدت فاطمة الزهراء بنوغازي أن الحوار داخل الأسرة شيء أساسي، لهذا يحاول مشروع "أم أكشن" التوجه إلى النواة الصلبة، وهي الأم عن طريق تمكينها من مجموعة من الآليات، لتصبح على دراية بكيفية التصرف مع أبنائها الذين لديهم نزعة من العنف.  

وأكدت في ختام حديثها أن "التعامل مع الأبناء يجب أن يتم عبر الحوار، الذي يتطلب رباطة جأش وصبر، اللذان يعدان عاملان أساسيان يساهمان في زرع الثقة والاحترام".