الزواج القسري انتهاك صارخ لحقوق النساء

يعد الزواج القسري سلسلة متواصلة من العنف الجسدي والضغوطات النفسية المتوالية على المرأة التي تقع ضحية لهذا الزواج.

نغم كراجة

غزة ـ يعتبر الزواج القسري من الانتهاكات الواضحة لحقوق الإنسان، وهو من الممارسات الضارة التي تؤثر بشكل كبير على النساء والفتيات، لذلك من الضروري اعتماد سياسيات وتدابير قانونية لوضع حد لهذه الظاهرة.

طالبت دعاء دحلان بتوفير أرضية ثقافية وقانونية منصفة للمرأة لتصبح قادرة على القيام بواجباتها المجتمعية والقيادية، والإسراع بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ووضع خطة استراتيجية ومتكاملة بما يكفل للنساء توفر الحماية والأمن.

لا زالت المرأة هي الضحية الأولى لكل الانزلاقات التي تعيشها المجتمعات التقليدية والنمطية وتضع كافة الأعباء والمسؤوليات على عاتقها، وبات الزواج القسري عادة مجتمعية لدى الأسر التي تعيش في بيئة شرقية ودونية مبنية على الفكر المجحف الذي يرى أن الفتيات مجرد بلوغهن تصبحن قادرات على تحمل مسؤوليات أكبر من أعمارهن كما أنهن يصبحن مؤهلات ليكن زوجات وأمهات وربات منزل.

وعرّفت الأخصائية الاجتماعية دعاء دحلان الزواج القسري بأنه العقد الذي يتم بدون الموافقة الشخصية الحرة والصريحة لأحد أو كلا طرفيه، وفيه لا يمكن للشخص التعبير عن إرادته بشكل كامل وحر، ورجحت أن السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة هو الفقر والعادات والتقاليد، حيث بلغت نسبة النساء والفتيات اللواتي تزوجن بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية 58٪.

مشيرة إلى أن ظاهرة الزواج القسري متجذرة في عقول العائلات وتتغذى على دوافع ومبررات واهية تدفع ثمنها الفتيات، والكثير منهن أجبرن على الزواج لتحقيق صفقة مالية تسد أعباء ذويهن في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية، "زواج الفتاة لأي شخص يطرق بابها هي فرصة ذهبية بالنسبة لعائلتها التي تعتقد أن هذا الزواج سيكون طبيعياً خالياً من المشاكل والأزمات، وهو على عكس ذلك تماماً، كما أن بعض العائلات تعمد إلى تزويج الفتاة فقط للتخفيف من الأعباء المالية المترتبة عليها بحجة حصرهم عليها وخوفاً من أن قطار الزواج سوف سيفوتها".

منوهة إلى أن النفوذ العشائري وسيطرته شكّل سطوة على حياة الفتيات واختياراتهن، بالإضافة إلى خضوع الكثير من الأسر الفلسطينية للأعراف الاجتماعية والذهنية الذكورية، "غالبية الأسر تدعم زواج الأقارب دون الاطلاع على ثقافة الزوج، حيث تجبر الفتاة على الرضوخ لهذا الزواج".

وأكدت أنه نظراً لعدم وجود قانون يجرم الزواج القسري جعل من هذه الظاهرة متفشية في المجتمع وبكثرة، "لا يمكن معالجة حرمان الفتيات من حقوقهن وانتهاك حرية رأيهن إلا إذا تم إقرار قوانين واضحة بهذا الشأن، وكذلك يجب تعديل المواد القانونية التي تحد من هذه الظاهرة، ومن الضروري إيجاد ضوابط قانونية تطبق على أرض الواقع تجرم العنف بأشكاله وتردع كل من له يد في هذا الزواج".

وبينت أن انتشار هذه الظاهرة فاقم من معاناة الفتيات والنساء وقد وصل بهن الأمر إلى الموت المحتم، "سمعنا الكثير عن قصص النساء اللواتي قتلن على أيد أزواجهن بذريعة حماية الشرف، وكانت غالبيتهن قد تم تزويجهن قسراً، كل ذلك أرى أنه يعود للعقلية السيئة والرجعية التي يتمتع بها الشريك".

وأشارت إلى أن العنف ضد الفتاة بدأ من الصغر عندما منعت من اختيار لعبتها أو تقرير مصيرها في أي أمر يخصها، وهذا يساهم في تحطيم شخصياتها وترك ندوب نفسية وضغوطات اجتماعية، ورأت بعد أن استمعت لعدد من النساء اللواتي تزوجن قسراً، أن كل واحدة منهن عاشت حياة صعبة وقاسية بعد استسلامها لهذا الزواج، فقد حرمت الفتيات من ممارسة هوايتهن أو استكمال مسيرتهن التعليمية أو خوضهن في سوق العمل، كما أنهن منعن من إبداء رأيهن وحرية اختيار الزوج، كل ذلك فاقم من معاناتهن بعد الزواج أيضاً.

موضحة أن الزواج القسري يؤثر سلباً على المرأة في كافة المستويات الاجتماعية والاقتصادية والصحية، كما يزيد من تراكم الضغوطات النفسية عليها وعدم تقبلها الحياة وانعزالها عن المجتمع.

ولفتت أن الزواج القسري يقع على الفتيات الصغيرات بدرجة كبيرة ويسرق طفولتهن وأحلامهن ويضع على عاتقهن مسؤولية ثقيلة تحت عبارات واهية منها "البنت ليس لها إلا بيت زوجها "، "هذا الشخص ثري وتتمنى أي فتاة أن تتزوجه يا ابنتي".

وبحسب الدراسات فقد بلغت نسبة النساء اللواتي عانين أعراض نفسية مختلفة مثل الاكتئاب والقلق والصداع المتكرر 72%، منهن 47% تعرضن للاكتئاب، و39% تعرضن لحالة يأس من الحياة، أما نسبة النساء اللواتي تعرضن لفقدان تقدير الذات فقد بلغت 25%، ونسبة اللواتي ترجين الموت 39% و21% للواتي فكرن في الانتحار، و7% حاولن الانتحار.

أما نسبة النساء اللواتي عانين من نوبات بكاء بسبب الزواج القسري فقد بلغت 82,6%، و79,6% للواتي شعرن بالإحباط واليأس و69% يعانين من عدم التركيز والتشتت، و54,4% تعشن الخوف وعدم الشعور بالأمان الأسري.

وشددت دعاء دحلان على أهمية إنشاء خطط طوارئ للمرأة التي تعاني من آثار الزواج القسري وتقديم الخدمة اللازمة لها، وضرورة سن تشريعات قانونية تنظم عملية الزواج وتشرف على موافقة الطرفين، كما يجب رفع المستوى التعليمي تجاه هذه الظاهرة بهدف الحد من انتشارها في المجتمعات.

كما طالبات بضرورة إيجاد أرضية ثقافية وقانونية منصفة لتصبح المرأة قادرة على القيام بواجباتها المجتمعية والقيادية، وتقديم سلسلة ورش توعوية تحث الأهالي للعزوف عن تزويج الفتيات قسراً، والإسراع بإقرار قانون حماية الأسرة من العنف، ووضع خطة استراتيجية في المناهج التعليمية حول الزواج القسري وآثاره السلبية التي تعد الفتاة والمرأة هي الضحية الوحيدة له.

واقترحت إنشاء غرفة متخصصة للإرشاد الأسري داخل المحاكم، ففي حال رفض الفتيات الزواج تقوم الجهة المسؤولة بالتدخل لإيقاف الخلافات العائلية التي قد تحصل على خلفية هذا الرفض، وتنفيذ حملات ضغط ومناصرة للفت انتباه المجتمع حول مخاطر الزواج القسري.

وخلال حديثها استعرضت قصة مقتل الشابة نهى اخزيق البالغة من العمر 30 عاماً على يد زوجها العام الماضي، والتي انتهت حياتها عندما قرر ذويها تزويجها قسراً من شخص غير مناسب لها باعتقاد منهم أنه سيتغير مع الوقت، وبات الظن مؤسفاً فمنذ زواجها وهي تضطهد بأبشع أشكال العنف كالضرب المبرح والشتم والمضايقات، وفي كل مرة تطلب فيها الطلاق توقفها أسرتها على عبارتي "لا تكبري الموضوع عندك بنات ما بنفع الطلاق"، "بدك توصمينا بالعار والناس تحكي بنتهم مطلقة؟"، وأضافت ما بين ما يسمى الستر والتحفظ على العنف والظلم انتهت حياة نهى اخزيق بدم بارد بعد أن ضربها زوجها بشكل مبرح حتى أصبحت جثة هامدة وفارقت الحياة.