الزواج المبكر مستقبل مجهول وحرمان من الطفولة

في مناطق حلب الزواج المبكر للفتيات ليست مجرد قضية اجتماعية، بل إشكالية تمس أساسيات حقوق الإنسان وتعد أحد الجوانب الأليمة في ظل النزاعات التي تعصف بتلك المناطق.

غفران الهبص

حلب ـ يحرم الزواج المبكر الفتيات من طفولتهن ويهدد حياتهن وصحتهن، حيث تكن أكثر عرضة للعنف المنزلي ويحرمهن من التعليم وحتى من ممارسة حياتهن بشكل طبيعي.

في ظل الحروب والأزمات تتفاقم الضغوطات على الأسر، مما يدفع البعض منها لتزويج الفتيات في سن مبكرة، ويرون أن ذلك سبيلهم في تحقيق الحماية الاقتصادية والاجتماعية لهن، ففي نظرهم أن الواقع يحمل في طياته العديد من المخاطر على مستقبل الفتيات، كما أن هذه القضية ليست أعداد احصائية فقط، بل هي قصص واقعية مؤلمة تؤثر بشكل كبير على حياة الفتيات، حيث تحملن أعباء ومسؤوليات الزواج وتكوين الأسرة في سن صغير.

كما أن الفتيات في هذا السن تتعرضن للخطر الصحي والنفسي وتمنعن من تحقيق أحلامهن، فتصبحن أكثر عرضة للعنف المنزلي والاضطرابات النفسية، كما أن أطفالهن يعانون من تأثيرات سلبية على صحتهم وتعليمهم، هذه الظاهرة تحتاج إلى تعاون للحد من انتشارها.

تقول ولاء السعد البالغة من العمر 26 عاماً وهي أم لأربعة أطفال أنه منذ صغرها كانت تحلم بإكمال تعليمها وعند بلوغها سن الرابعة عشر بدأت الحرب في المنطقة التي كانت تقطن فيها، إلى حين طال القصف منزلها "ساءت أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية كثيراً، ومع تدهورها أصبح والدي يحمل عبء تنقلنا من مكان لآخر فاتخذ قراراً بتزويجي في سن مبكرة، حيث كان الجميع يعتقد أن هذا الزواج سيوفر لي الحماية والرعاية في زمن الحرب والتهجير".

وأشارت إلى أنها تزوجت من شاب يعمل في الحدادة، والزواج حدث ضمن سياق مختلف تماماً عما كانت تحلم به، فقد حرمت من أبسط حقوقها سواءً في المدرسة أو تعلم مهنة ما أو مراسم الأفراح المعتادة "في ليلة الزفاف تعرضنا لقصف شديد وأصبح الزفاف مجرد انتقال من منزل أهلي لمنزله ولكنني حاولت التكيف مع الوضع الجديد ولأن أكون على أتم الاستعداد للمسؤوليات الجديدة التي تنتظرني".

ولفتت إلى أنه بعد فترة قصيرة حملت وكان عليها أن تضع مولدها في وقت مبكر بسبب صغر سنها وفقدت جنينها "بعد ولادتي بدأت أعاني من مشاكل نفسية نتيجة التوتر والظروف القاسية التي عشتها، وأصبحت أعاني من نقص التغذية والإرهاق المستمر"، مؤكدةً أن زوجها رغم كل تلك الأزمات كان حريصاً على دعمها ولكنها كانت تعيش بين الأمل والخوف حتى التحقت بمبادرات نسوية تدعم الفتيات المتزوجات مبكراً واستطاعت التغلب على الصعوبات التي واجهتها وأكملت حياتها بتربية أبنائها، مصرةً على عدم تكرار ذلك مع بناتها وباتت واحدة من العاملات على إعلاء شعار "لا لتزويج الطفلات".

هذه الآلام القاسية لا تتوقف عند ولاء السعد فحسب، بل نسبة كبيرة من الفتيات في مناطق حلب تتعرضن لهذه الظاهرة المؤلمة منهن ناشطات نسويات استطعن التغلب على الصعاب وإكمال تعليمهن لتعملن على الحد من انتشارها.

وتقول الناشطة النسوية سمر الحسن إنه "في طفولتي كنت أحب التعليم وأرغب في أن أصبح محامية للدفاع عن حقوق النساء والفتيات، وعندما بلغت سن الخامسة عشر من عمري ونتيجة الأوضاع في المنطقة التي كنت أسكن فيها نزحنا إلى منطقة أخرى، وأصبحنا لاجئين في مخيم صغير في ظروف قاسية للغاية، ومع تفاقم الأوضاع الاقتصادية والأمنية اضطرت عائلتي إلى اتخاذ قرارات صعبة للبقاء على قيد الحياة".

وأوضحت أنه في حين أنها كانت ضد فكرة الزواج المبكر للفتيات لكن الضغوطات أجبرتها على ذلك "بينما كنت أقاتل ضد فكرة الزواج المبكر أدركت أن القرار لا يعتمد فقط على إرادتي الشخصية، بل كان يتعلق أيضا بالبقاء والحماية في ظل الظروف القاسية".

وأكدت أنه "على الرغم من ضغوطات الأسرة والمجتمع قررت أن أستخدم تجربتي كنقطة انطلاق للنضال من أجل تغيير واقع الفتيات في مواجهة الزواج المبكر، وبدلاً من الانكسار والانطواء على ذاتي انضممت إلى جمعية نسوية محلية وأصبحت ناشطة بارزة، وبدأت بتنظيم حملات توعية وورش عمل للفتيات والأسر حول مخاطر الزواج المبكر على الفتيات، والحث على تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز حقوق الفتيات في الوصول إلى التعليم والحماية".

وشددت على أنها استخدمت قصتها كأداة لتغيير الواقع وأصبحت نموذجاً للفتيات اللواتي تحاولن مقاومة الضغوطات الاجتماعية والاقتصادية ومواجهة الزواج المبكر ومخاطره، معتبرةً أن قصتها كانت دافع لها للتحدث بصوت أعلى والعمل على إحداث تغيير إيجابي في المجتمع رغم كل الصعوبات التي واجهتها في هذا المسار.