الظروف خيبت أملها في الحصول على عمل حسب اختصاصها

سعيدة جلول امرأة تونسية عاكستها الظروف وخيب أملها أهل السياسة وعوض أن تكون أستاذة تدرس الأجيال القادمة أسرار لغة الضاد، أصبحت راعية أغنام تجوب الجبال والسباسب لترعى أغنامها.

إخلاص الحمروني

تونس - منذ أكثر من 10 سنوات ودّعت سعيدة جلول أبواب الجامعة بعد أن نالت شهادة في تخصص اللغة العربية، لكن فرحتها سرعان ما تحوّلت لحزن وشعور عميق بالقهر بعد رحلة بحث مضنية عن عمل في اختصاصها، لينتهي بها المطاف كراعية للغنم في محافظة سيدي بوزيد لإعالة نفسها وعائلتها المكونة من 5 أفراد.

سعيدة جلول، أم لثلاثة أطفال، حاصلة على شهادة جامعية في اللغة العربية منذ عام 2010، عملت كمعلمة في إحدى المدراس لكن تم استغلالها بمنحها أجر للساعة لا يتعدى الـ 4 دنانير (ما يقارب 1.3 دولار) والتي لا تكفي أجرة التنقل، فقررت تغيير مجال عملها وعملت في الفلاحة كون زوجها يمتلك حقلاً صغيراً لزراعة البصل والجزر، لكن بعد فترة وجيزة جفت مياه البئر، وبسبب التغيرات المناخية باتت تخسر في عملها بدلاً من كسب المال، وبعد ذلك عملت في الفلاحة في مواسم مختلفة، فكان هدفها الوحيد هو تأمين دخل لأسرتها وتوفير احتياجاتهم.

بدموع تتلألأ في عينيها وغصة في صوتها قالت "أصبحت أعمل في الحقول تارة أزرع البصل وتارة أجمعه. أتنقل مع الفلاحات في شاحنات الموت غير الآمنة، رحلتنا تبدأ من الفجر تحت أشعة الشمس، حيث نعمل في ظروف صعبة تحت رحمة صاحب العمل الذي يمنعنا من أدنى حقوقنا".

قاومت محدثتنا ألمها وتماسكت منذ بداية اللقاء لكن ألمها كان أكبر من قوتها فتركت العنان لدموعها عندما تحدثت عن تعبها وسهر الليالي ودراستها "لقد تعبت كثيراً لأحصل على شهادة لأفرح بها والدتي التي كانت العون والمساعدة لي في كل لحظة".

ورغم كل الصعوبات التي واجهتها أصرت سعيدة جلول على النجاح واجتهدت وتخرجت من الجامعة وكلها أمل أن تعترف الحكومة بحقها وتمنحها فرصة للعمل في اختصاصها الجامعي لكنها عاشت رحلة قاسية عنوانها الفقر والخصاصة "عملت في عدة مهن هشة، تعبت وأصبت بأمراض العظام والمفاصل"، مضيفة "من خلال برنامج التنمية الاقتصادية حصلت على بعض الأغنام لأقوم برعايتهم وأومن من خلالهم مصدر دخل".

كان حلمها بأن تدرس حسب اختصاصها "من المؤلم أن يذهب تعب 20 عاماً سدى وينتهي بي المطاف عوضاً أن أكون أستاذة أصبح راعية غنم وأواجه كل هذه الصعوبات"، كونها مهنة تتطلب المشي لمسافات طويلة بحثاً عن العشب والمياه والتعرض لأشعة الشمس صيفاً والبرد شتاء، فمشوارها صعب ورحلتها متعبة.

وبالرغم من حصولها على المشروع ومورد رزق، إلا أنها تشعر بالظلم في بلدها تونس الذي حرمها من أبسط حقوقها وهي العمل بالشهادة التي حصلت عليها "وعدونا بمنح فرص عمل لمن طالت بطالتهم أكثر من عشر سنوات لكنهم لم يفوا بوعدهم".

ولأنها يائسة من وضعها، طلبت سعيدة جلول من جميع الفتيات أصحاب الشهادات العليا ألا تنتظرن من الدولة أن توفر لهن فرص عمل وطلبت منهن تعلم مهنة مفيدة تكسبهن المال مثل الخياطة والتطريز والحلاقة، مؤكدة على أهمية الاعتماد على الذات حتى لا يمر الوقت وهن تنتظرن فرصة قد لا تأتي.

وعلى أمل أن يتغير وضعها يوماً ما ويفي السياسيون بوعودهم، تجتهد سعيدة جلول في تعليم أولادها وتحرص على دراستهم لأنها تحلم أن يكون مستقبل الأجيال القادمة أفضل وتهتم الدولة بالعلم والمتعلمين وتمنحهم الفرصة للمشاركة في الحياة العامة والقيادة لأن تونس بحاجة أن يقودها جيل متعلم ومثقف.

وفي امتزاج الألم بالتعب ينبع من ذات سعيدة جلول مع تنفس كل صبح وإشراق شمس يوم جديد تفاؤل بأن هذا الجسد المتعب سيلقى خلاصاً ذات يوم وأن حلمها سيتحقق يوماً ما، بأن تتحدث مع جيل جديد من التلاميذ مفعم بحب الوطن ولغته العربية.